التطور العمراني والعمليات العسكرية التي نفذت بعد عام 2003، والحرب العراقية الايرانية التي استمرت طيلة ثماني سنوات، كان لها الدور الاهم في القضاء على النسبة الأكبر من نخيل البصرة.
جزء بسيط من اعداده الهائلة التي كانت منتشرة في المحافظة، حافظ على بقائه حتى الان، إلا أن هذا الجزء المتبقي مهدد ايضا بـ”الموت”، بسبب الظروف الطبيعية وملوحة المياه.
مواطن من البصرة، قال في حديث لـ”القرطاس نيوز” إن “أهم الأسباب التي أدت الى تراجع أعداد النخيل في البصرة، هي الحروب المدمرة التي خاضها النظام السابق، حيث استعمل مساحات واسعة من المدينة ساحة لحرب قاسية، أتت على الأخضر واليابس، فجرفت مساحات واسعة من بساتين النخل في منطقة السيبة وأبي الخصيب والفاو”.
وتقدر أعداد النخيل في مدينة البصرة حالياً بما يقارب ثلاثة ملايين نخلة، فيما تشير احصائيات منظمة الغذاء عام 1978، الى وجود 35 مليون نخلة في المدينة.
عادل عبيد، وهو فلاح من أهالي السيبة جنوبي البصرة، قال في حديث لـ”القرطاس نيوز” إن “السيبة كانت عبارة عن بساتين متصلة ببعضها من النخيل، وبأعداد كثيفة ونوعية تمور ممتازة، تصدر إلى جميع أنحاء دول العالم، وتدخل الاسواق العالمية بماركات مميزة”.
وبين أن “الحرب العراقية الإيرانية، جاءت بالخراب على مساحات واسعة، حيث أمر النظام السابق بتجريف البساتين في مناطق متاخمة لإيران لاستعمالها في أغراض عسكرية، مما سبب بخسارة فادحة لنا من الصعب تعويضها الى هذا اليوم، فيما أتى القصف المدفعي الإيراني على مساحات واسعة وقضى على أعداد هائلة منها”.
وتبذل الحكومة المحلية جهوداً لإعادة الحياة لهذه الشجرة التي لطالما كانت ايقونة للمدينة، فاطلقت مبادرات لتشجيع إعادة زراعتها في البيوت والمساحات الخضر والجزرات الوسطية، غير ان هذه الجهود كانت تصطدم بسوء التخطيط وانعدام الظروف المناسبة لتربية النخيل.
واستوردت الحكومة المحلية في السنوات الماضية، اعداداً من النخيل من دولة الامارات العربية المتحدة وزرعتها في شوارع متعددة، لكنها لاقت مصيراً مأساوياً لضعف المتابعة الخدمية، فماتت فسائل كثيرة منها فيما تبين أن اعداداً كبيرة أخرى غير مثمرة.
وكانت لجنة الزراعة في مجلس محافظة البصرة، قد أعلنت في شهر نيسان الماضي، عن مصادقة المجلس على قانون محلي لتطوير زراعة النخيل وانتاج التمور، إذ يتضمن تقديم دعم للفلاحين ويلزم من يجرف بساتين النخيل بعقوبات رادعة.
وذكر رئيس لجنة الزراعة جمعة هجول الزيني أن “القانون يتضمن تقديم إعانة وتسهيلات إلى فلاحي النخيل والمزارعين من منتجي التمور، كما يفرض عقوبات رادعة على من يلحق ضرراً ببساتين النخيل من خلال تجريفها أو بناء عقار سكني عليها”.
ويأمل الزيني “أن يسهم القانون بإيجاد حل جذري لأزمة النخيل في المدينة”، مبينا انه “بحاجة الى جهود متواصلة واموال طائلة ورقابة حكومية صارمة”.
الحاج فليح جبر، وهو مزارع من قضاء أبي الخصيب قال في حديث لـ”القرطاس نيوز” إن “موجات الحر الشديد والجفاف والآفات الزراعية وملوحة المياه المستعملة في الري، فتكت بأعداد النخيل وانعكست سلباً على واقع زراعتها”.
وتابع جبر أن “انواعاً من قبيل الحلاوي والخضراوي والبرحي والبريم والساير، شهدت اسعارها ارتفاعاً كبيراً في موسم حصادها، جراء انخفاض الانتاج المحلي ومنافسة المنتوج الأجنبي”.
المهندس الزراعي عقيل الاسدي، وهو أحد الناشطين في منظمة التنمية الزراعية الوطنية قال في حديث لـ”القرطاس نيوز”إن “إعادة العراق لدوره الرائد في مجال زراعة النخيل وتصديرها، يحتاج الى تخطيط عميق واصلاحات شاملة وقوانين فعالة، تلتفت اليها الحكومة ليتمكن لها أن تنهض في هذا الجانب الذي يعاني عشوائية في الرؤيا وتخبطاً في الحلول”.
ولفت إلى أنه “من المؤسف أن يصل الحال بالأسواق المحلية في البصرة، بأن تستورد التمور من المملكة العربية السعودية والكويت وايران بينما كان العراق مصدراً أولاً للتمور في المنطقة”.
وأكد بأن “تجار السوق يستسهلون استيراد التمور من الدول المجاورة، لضعف الإنتاج المحلي، فالكميات التي تنتجها بساتين النخيل في المدينة لا تفي بالغرض، كما أن النوعية أقل جودة من المنتج المستورد، لرداءة طرق التصنيع والتغليف والعرض”.