برغم الاحصائيات والارقام والمقارنة التي اجراها باحث كويتي هو عبد الجليل زيد المرهون عن قدرات الجيش العراقي وانماط تسليحه عشية الانسحاب الاميركي المجدول من العراق، الا ان، الكويتيين رسمياً وربما شعبياً، مازالوا يؤججون الوضع الدولي ضد العراق، وعدم التزامه بتنفيذ القرار الاممي المجحف 833 ، بل ويسعون بشكل مباشر وربما حتى بشكل علني لابقاء العراق رازحاً تحت احكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.وبحسب مصادر دبلوماسية غربية تعمل في الكويت، فان نضوب المخزون الاستراتيجي النفطي من اكبر حقول النفط الكويتية، وهو حقل برقان خلال خمسة شهور قادمة فقط، ربما يكون السبب الرئيس وراء تمسك الكويت واصرارها على ترسيم الحدود طبقاً للقرار الاممي.وبحسب مصادر نفطية عراقية، فان الترسيم بموجب القرار اضاف للكويت 150 بئراً نفطياً عراقياً وعدداً من المزارع والاملاك العائدة لمواطنين عراقيين، لاسيما ان حقل برقان الكبير كان ينتج ما نسبته %65 من اجمالي الانتاج النفطي سنويا في الكويت.وفي كتابه (حرب تلد اخرى)، الصادر عام 1991 اشار الصحفي والكاتب سعد البزاز، الى ان صدام حسين، لو لم يتعجل باجتياح الكويت، لكانت قد قدمت اليه على طبق من فضة، بعد عقدين من الزمان بسبب نضوب نفطها. وقتها اعتبر ما كتبه البزاز ضرباً من الخيال، لكن الوقائع اليوم تؤكده تماماً وباعتراف الكويتيين الذين وزعوا هدايا وعينات تذكارية كانت عبارة عن مجسمات صغيرة تحتوي على كميات ضئيلة متعددة الالوان من النفط الخام المستخرج من حقل برقان وقد كتب على هذه العينات (ذكرى نقاط النفط الاخيرة في حقل برقان)، الذي سيعلن اعتزاله العطاء النفطي في غضون الاشهر الخمسة القادمة.من هذا المنطلق يمكن قراءة مقالة حمد الجاسر في صحيفة الحياة اللندنية عن المخاوف الكويتية من ان يؤدي الانسحاب الاميركي الى استيقاظ ما اسماها بـ (طموحات عراقية قديمة).
عشية الحرب العالمية الأولى أبرمت بريطانيا والدولة العثمانية اتفاقاً وضع خطاً على الأرض يمثل الحدود بين العراق الذي كان ولاية عثمانية وبين مشيخة الكويت المرتبطة باتفاق حماية مع التاج البريطاني، كان هذا عام 1913 وغدا هذا الخط بعد ذلك الحدود الكويتية العراقية التي كانت، ولا تزال عند بعض العراقيين على الأقل أزمة مفتوحة بين البلدين لم تنجح أزمات سياسية في 1938 و1961 وثلاثة حروب في 1990 و1991 و2003 في إنهائها. اتفاق 29 تموز (يوليو) 1913 أبرم في وقت كانت تقنيات الملاحة ورسم الخرائط فيه محدودة وقد جعل من الأراضي المزروعة تابعة للعراق والأراضي الصحراوية تابعة للكويت، لذا فانه جعل الحدود “خطاً يمر على مسافة ميل واحد جنوب أقصى نخلة تقع في أقصى الجنوب من (قرية) صفوان العراقية”، كما جاء في نص الاتفاق، وهو وصف غير دقيق إذ أن النخل يزرع هناك على الدوام ومع كل بئر ماء تكتشف.وفي عام 1923 وقد بات العراق أيضاً تحت الهيمنة البريطانية أبرم اتفاقا جديدا بين مملكة العراق الوليدة وبين إمارة الكويت، هذا الاتفاق كان ببساطة مصادقة على اتفاق 1913 وعلى “النخلة” التي كانت يبست وقتها وماتت أو ربما اقتلعها العراقيون تاركين الجدل واسعاً حول مكانها وبالتالي حول خط الحدود، وفي عام 1932 وقع الطرفان اتفاقاً آخر عزز الاتفاقات السابقة بصورة أكثر رسمية وأنهى مطالبات عراقية سابقة بجزيرتي وربة وبوبيان ، لكن حتى هذا الاتفاق لم يكن واضحاً حول مفهوم “جنوب صفوان”.ومن يقرأ أرشيف العلاقات الكويتية العراقية تسترعي انتباهه كثرة الخصومات والمناكفات حول “نخلة 1913” وخط الحدود، فمراراً وضع الكويتيون شواهد معدنية أو خشبية على خط الحدود ليقتلعها العراقيون محتجين، وفي عام 1940 توجه شيخ الكويت شخصياً وبمرافقة الوكيل السياسي البريطاني الميجور ماكوين الى جنوبي صفوان ونصب عموداً عند النقطة التي حددتها اتفاقية عام 1913، لكن الشرطة العراقية جاءت بعد ذلك وأزالته وأرسلت الخارجية العراقية في حزيران 1940 احتجاجاً الى لندن قائلة إن “الميجور ماكوين وشيخ الكويت نصبا العلامة الحدودية على مسافة 250 متراً داخل العراق”!! وفي 1946 لاحظ المقيم السياسي البريطاني في الخليج لدى دراسته موضوع الخلاف الحدودي سخافة خط النخلة وكتب في رسالة الى لندن انه “حدث تطور زراعي كبير في أطراف صفوان فلا يمكن تحديد موقع أقصى نخلة في الجنوب فقد تغيرت معالم المنطقة في شكل كبير”.وإذا كانت “نخلة” صنعت كل ذلك الخلاف بين العراقيين والكويتيين فما هو قادم بدا أخطر من ذلك بكثير، فعندما هدد جيش رومل الألماني الوجود البريطاني في مصر شرعت بريطانيا في تدعيم وجودها في العراق، فأنشأت ميناء في “أم قصر” عند التقاء خط الحدود الكويتية العراقية بالبحر، وقد نبه الميناء الحكومة العراقية الى الأهمية البالغة لإطلالتها على الخليج خصوصاً أن ميناء البصرة وممر شط العرب لم يكونا مثاليين للسفن الحديثة كما انهما واقعان تحت رحمة الإيرانيين، غير أن نقطة التقاء الحدود بالبحر في “أم قصر” هي الأخرى غير واضحة وموضع خلاف قديم منذ 1913.ثم وبعد الحرب تفجر النفط في هذه المنطقة في حقول شمال الحدود مثل “الرميلة” العراقي وجنوبها مثل “الروضتين” الكويتي وحقول مشتركة مثل “الرتقة”، وغدت هذه المسائل الثلاث “نخلة صفوان” و “أم قصر” والحقول النفطية من لوازم الجدل في ملف الحدود، وعندما وقعت ثورة تموز 1958 ونشأ نظام راديكالي في العراق يتطرف بين اليسارية والقومية وجد العراقيون سبباً آخر للمشاكل مع الكويت إضافة الى الخلاف الجغرافي بل أعلن عبدالكريم قاسم انه “لا يوجد أي خلاف حدودي مع الكويت لأن الكويت كلها تابعة للعراق”! وفي عام 1963 وفي ظل سيطرة موقتة للبعثيين على الحكم شطبت بغداد ادعاء قاسم وأرسلت سفيراً الى الكويت لكنها لم تبت مشكلة الحدود، واستمر الأمر معلقاً وسط توتر وتحرشات حدودية مستمرة، وبلغت المشكلة ذروة كارثية عندما قرر صدام حسين عام 1990 إعادة فكرة ضم الكويت فعلاً لا قولاً فقط، ولما أخرجت القوات الغربية العراقيين من الكويت عام 1991 سعت الكويت الى قرار أممي يحسم هذا الملف وتحقق لها هذا في القرار 833 الصادر عن الأمم المتحدة في 27 أيار عام 1993، وتضمن وضع 105 علامات حدودية وحفرت الكويت بعد ذلك، من أجل تثبيت الحدود وضبط التسلل، خندقاً حدودياً ونصبت سوراً مكهرباً وموانع أخرى على امتداد الحدود البالغ طولها 220 كيلومتراً. ولما وقع الاحتلال عام 2003 ظن الكويتيون أن “نخلة صفوان” نبتت من جديد وأن هذا الملف قد طوي، غير أن ظنهم لم يكن صحيحاً فعلى رغم أن خصوم صدام حسين الذين غدوا حكاماً تحت الإدارة العسكرية الأميركية أعلنوا دوماً رغبتهم في أفضل العلاقات مع الكويت إلا أن حكومات ما بعد 2003 لم تفتأ تكرر وبدرجات متفاوتة من الصراحة أن الحدود التي وضعها القرار 833 “رسمت في ظروف خاصة “.وطوال السنوات السبع الماضية شهدت الحدود استمراراً للحوادث التي كان يقع مثلها في ظل النظام السابق، ففي مناسبات كثيرة تم تخريب علامات الحدود وقام عراقيون في بعض النقاط باقتلاع الأنبوب الحدودي الذي وضعته الكويت لاعاقة تسلل السيارات وقاموا بتظاهرات ، وصدر عن مسؤولين عراقيين تصريحات كثيرة تشكك بعدالة الاتفاق الحدودي.وتسبب مندوب العراق الدائم لدى جامعة الدول العربية السفير قيس العزاوي بأزمة دبلوماسية الشهر الماضي عندما دعا الى إعادة التفاوض على الحدود، واستدعت الخارجية الكويتية سفير العراق محمد بحر العلوم وسلمته مذكرة احتجاج رسمية على دعوة العزاوي التي “تتناقض وقرارات مجلس الأمن ومقررات الشرعية الدولية ذات الصلة”، وقد تراجع العزاوي بعد ذلك عن دعوته إلا أن الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ كرر الأمر ذاته بعد أيام عندما اعتبر في مقابلة مع تلفزيون “العراقية” أن الكويت “ظلمت العراق” في مسألة ترسيم الحدود وتحسر على حرمان العراق من منافذ بحرية ملائمة، ومثل العزاوي عاد الدباغ وتراجع عن تصريحاته. هذا الاضطراب الرسمي العراقي في مسألة الحدود دفع السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون الأسبوع الماضي لدعوة الحكومة العراقية الجديدة “فور تشكيلها الى تأكيد التزامها بقرار مجلس الأمن رقم 833 المتعلق بحرمة الحدود العراقية – الكويتية” وأن تعطي هذه القضية “اهتماماً عاجلاً في حال رغبة العراق في الخروج من طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”، وأشار بان كي مون الى تراخي العراق في تنفيذ التزامات مثل ترسيم الحدود البحرية ودفع نصيبه من كلفة صيانة علامات الحدود والبالغ 600 ألف دولار وهو مبلغ ليس كبيراً غير أن لامتناع العراقيين عن دفعه أسباب معنوية أكثر منها مادية.هذا التطور صار أساساً لاتهامات عراقية للكويت بتعمد إبقاء العراق تحت بنود الفصل السابع، إذ لا تزال الكويت تطالب العراق بدفع تعويضات قررتها الأمم المتحدة منذ عشرين عاماً، وتسببت المطالبات في أزمة كبيرة للخطوط الجوية العراقية التي أوقفت عن العمل في مطارات دولية قبل شهرين بسبب دعاوى قضائية كويتية عليها في بريطانيا.ويرى باحثون سياسيون كويتيون أن قضية الخلاف الحدودي ليست مشكلة كويتية عراقية بل هي انعكاس لأزمات العراق السياسية طوال قرن من الزمن، إذ أن جميع لحظات التوتر بين البلدين حول الحدود سبقتها أزمات داخلية والوضع في ظل عراق ما بعد 2003 ليس استثناء، ويتخوف هؤلاء من أن اتجاه العراق الى مستقبل محفوف بالمخاطر ما بعد الانسحاب الأميركي “قد يجعل قضية الحدود مع الكويت أكثر قابلية للتوتر من ذي قبل”.