عصابات داعش تنفذ عمليات اعدام جماعية للمواطنين في الشرقاط
ترتخي قبضة “داعش” في المساء، حيث تتسرب العوائل نحو الجنوب، و”لايمنع ذلك من الاشتباك بالبنادق في بعض الاحيان”.
تلك رواية ينقلها نازحون يصلون يومياً إلى مخيمات في شمال بيجي، بعد مسيرة تستغرق عدة أيام مشياً على الأقدام من الشرقاط، التي تخضع للحصار منذ أكثر من شهرين.
ويعاني نحو مليون فرد بين كركوك وصلاح الدين، ظروفاً إنسانية صعبة، بعد أن تعطلت عملية تحرير مناطقهم من سيطرة داعش لعدة أسابيع من دون أسباب واضحة. ويتزامن ذلك مع تناقص المواد الغذائية والادوية بشكل كبير.
ويقول مسؤولون محليون إن عشرات الاطفال “الرضع” يموتون يوميا بسبب الحر ونقص الحليب. ويعتبر بعض الفارين من حصار داعش، ان انفجار “لغم” على احد الفارين من المناطق المحاصرة، بمثابة ضوء أخضر لمن يرغب باجتياز المناطق الخطرة.
وأقدم داعش، مؤخراً، على إحراق 20 عراقياً احتجزهم في الحويجة، بعد رفضهم الانضمام لصفوفه، بحسب مصادر محلية.
ونفذ التنظيم، مؤخرا حملة إعدامات طالت 62 مدنياً من سكان البلدة، بتهمة التعاون والتخابر مع القوات العراقية. وأعلنت الأمم المتحدة احتجاز التنظيم لنحو 3000 عراقي هناك.
وسيطر “داعش” على بلدتي الحويجة، والشرقاط القريبة منها، بعد اجتياحه الموصل في حزيران 2014. ولم تنفذ القوات العراقية أي عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على البلدتين، رغم المناشدات المتكررة من سكانها.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت، مؤخراً عن “فيتو أميركي” عرقل اقتحام الشرقاط طيلة الاسابيع الماضية. لكن تزايد أعداد الوفيات بين نازحي المدينة، ضغط باتجاه إلغاء تلك التحفظات.
وعلى الرغم من تأكيد مسؤولين محليين “جاهزية” القوات العراقية التي حررت قاعدة “القيارة” الشهر الماضي، إلا ان العمليات لم تبدأ بعد. وارجعت اسباب تعطل الهجوم على الشرقاط الى موجات النازحين التي عقّدت الامور.
وعاد رئيس الوزراء حيدر العبادي، مؤخرا، للحديث مرة أخرى عن تحرير الموصل، التي توقف عملية استعادتها منذ تموز الماضي.
وأكد العبادي في المؤتمر الشبابي الذي عقد في بغداد، مؤخرا، أن “المعارك باتت على أبواب الموصل، بعدما كنّا نقاتل على أبواب بغداد”.
تصريح العبادي تزامن مع زيارة مبعوث الرئيس الأميركي الخاص لـ”التحالف الدولي” ضد داعش بريت ماكغورك الذي اعتبر بأن مشاركة “الحشد الشعبي” في تحرير الموصل بأنه “شأن عراقي”.
في غضون ذلك قالت النائبة عن صلاح الدين أشواق الجبوري ان “أكثر من 35 ألف شخص هربوا من داعش في الشرقاط، وهم يعيشون في ظروف إنسانية صعبة بمخيمات النازحين شمال بيجي”.
واضافت الجبوري، بان “تلك الاعداد سجلت خلال 3 أسابيع فقط”، وقدرت اعداد السكان داخل القضاء بنحو 140 ألفاً، بالاضافة الى أعداد اخرى غير معروفة قد تصل الى “ضعفي عدد السكان الاصلي” أغلبها من الذين نزحوا سابقا من بيجي وتكريت ومناطق محافظة صلاح الدين.
وتكشف الجبوري، التي تزور مخيمات النازحين بشكل دوري، عن وفيات وأصابات بالجملة تحدث بين الاطفال وكبار السن في مخيم الإيواء، الذي تقول عنه بانه “يفتقر الى أبسط مقومات الحياة”.
ويقيم النازحون في هياكل مدارس مهدمة او محال تجارية محترقة بسبب الأعمال العسكرية التي كانت المنطقة مسرحاً لها قبل اشهر.
بالمقابل تؤكد الجبوري “وفاة نحو 20 طفلا رضيعا أُسبوعياً داخل الشرقاط المحاصرة، بسبب نقص الحليب والادوية”.
وتشير النائبة الى ان الطوق الذي ضربته القوات العراقية منذ اكثر من شهر حول الشرقاط، دفع داعش لمهاجمة الاهالي بحثا عن الطعام. ويضطر السكان لدفع الرشوة لنقاط التفتيش التابعة للتنظيم في جنوب المدينة لتسهيل فرارهم باتجاه بيجي.
ويستغرق الطريق من الشرقاط الى مخميات النازحين مسير نحو 3 أيام في مناطق وعرة ومحفوفة بالمخاطر، وفي ظل درجات حرارة تصل الى الـ50 مئوية.
ويدفع السكان، بحسب نازحين، مبالغ تتراوح بين الـ300 والـ500 دولار الى أفراد داعش، عن كل شخص يريد الخروج من البلدة.
وعادة ما يكون وقت الهروب في المساء، حيث يرخي التنظيم قبضته على المنافذ. وأحيانا يشتبك السكان مع المسلحين باستخدام بنادق “بدائية” استطاعوا نقلها مع بعض الاثاث.
وتنقد الجبوري “تجاهل” الحكومة للنازحين، إذ تقول ان “متبرعين وبعض المسؤولين المحليين يقومون بنقل النازحين بالقلابات والجرافات لعدم وجود سيارات كبيرة مخصصة من الحكومة لهذا الغرض”.
وعلى الرغم من أن النائبة عن صلاح الدين تسمع أحيانا عبر مصادرها داخل الشرقاط عن هروب معظم قيادات داعش، إلا انها تستغرب صمت الحكومة وعدم تقديمها توضيحا مقنعا لتعطل تحرير القضاء.
وتقول النائبة الجبوري انها قامت بإرسال عدة رسائل الى رئيس الحكومة تستفسر فيها عن سبب تعطل العمليات، إلا أنها تؤكد عدم تلقيها أيّ رد.
كما ترفض بعض التفسيرات التي عزت تلكؤ العمليات الى سلوك “النازحين” الطريق العسكري الواصل الى “الشرقاط”.
ولم تكن القيادة العسكرية تتوقع موجة النزوح الذي حدثت. وكانت توجيهات عسكرية، قد صدرت قبل أسابيع الى أهالي الشرقاط، تحثهم على البقاء في منازلهم وعدم مغادرتها، كما نصحتهم برفع “الريات البيضاء” على أسطح الدور.
وإلى الشرق، ينتظر نحو نصف مليون نسمة في مناطق جنوب غرب كركوك الخلاص من داعش. وبدأ المسلحون بمهاجمة السكان لسرقة “المواد الغذائية” من المنازل، بعد ان شحّت بشكل كبير.
ويقول برهان العاصي، رئيس المجموعة العربية في كركوك، وهي حركة سياسية تضم عرب المحافظة، إنّ “5 وحدات إدارية، أبرزها الحويجة والرشاد، من غرب طوز خرماتو الى شرق الشرقاطـ. تواجه ظروفاً كارثيّة بسبب الحصار”.
وأضاف العاصي، إنّ “عدداً من النساء الحوامل في تلك المناطق أجهضن بسبب عدم وجود الدواء في المؤسسات الصحية، كما ارتفع سعر القرص الواحد لدواء (الباريستول) إلى ألف دينار، إن وُجد”.
ويضطر سكان تلك المناطق الى شرب المياه الملوثة التي تمر في مبازل تختلط معها “نفايات نفطية” قادمة من شركة نفط الشمال، بعد ان توقفت محطات ضخ المياه الصالحة للشرب بعد انقطاع التيار الكهربائي.
وخلافاً للوضع في الشرقاط، يُشدّد داعش سيطرته على منافذ المناطق في الحويجة والضواحي المحيطة بها. ويتعرض الاهالي اثناء محاولة الهروب الى “صيد القناصة”، وإلى الموت في حقول الالغام، المنتشرة حول تلك المناطق.
وبحسب شهادات ناجين فإنهم ينتظرون انفجار “لغم” على مجموعة من النازحين سبقوهم الى “مغامرة الفرار” من الحويجة، لينطلق الفريق الآخر للهرب سالكاً الطريق ذاته، قبل ان يعود داعش ليزرع عبوة آخرى.
ورغم الخطورة، فقد وصل نحو 50 ألف نازح الى كركوك، فيما نجحت أعداد اخرى بالوصول الى “ناحية العلم” شرق تكريت، عبر تلال حمرين.
ويُقدَّر عدد سكان مركز الحويجة وحدها بـ120 ألف نسمة. ويعيش في قضاء داقوق نحو 60 ألف نسمة، وفي ناحية الرياض، الى الجنوب من تازة، نحو 84 ألف نسمة، كما يقطن نحو 40 ألف نسمة في منطقة الزاب.
وكما هو الحال في الشرقاط ، فلايملك العاصي تفسيرا لعدم تحرير تلك المناطق حتى الآن. ويقول انه قدم طلبات الى رئيس الوزراء والسفارة الامريكية في بغداد “لأجل الإسراع باستعادة تلك المناطق، ولم أحصل على جواب”.