ونقلا عن موقع المحاربين القدامى التابع للبنتاغون قال الدكتور ناجي صبري الحديثي وزير خارجية النظام السابق ان حجم الخسائر الحقيقي في جيش الاحتلال الأميركي. بلغ منذ حرب 1991 إلى شهر ايلول / سبتمبر 2007 بلغت 73846 قتيلا.
واضاف: وإذا ما طرحنا من هذا الرقم عدد قتلى الجنود الأميركيين في حرب 1991، والمقدر بـ 153 قتيلا فان عدد قتلى الجيش الأميركي منذ الاحتلال عام 2003 حتى شهر ايلول / سبتمبر 2007 هو 73،693 ( ثلاثة وسبعين ألفا وستمائة وثلاثة وتسعين ) قتيلا أمريكيا، في أربع سنوات ونصف من فترة احتلال دامت 8 سنوات وتسعة أشهر حتى نهاية 2011، بما يعني أن هذا العدد من القتلى هم الذين سقطوا في نصف فترة الاحتلال فقط. وتصوروا إذن كم يبلغ العدد الكلي للقتلى الغزاة في كل فترة الاحتلال، ولاحظوا حجم التضليل والتغطية والكذب في الرقم الذي اعلنته المصادر الرسمية للولايات المتحدة من ان خسائرها تقدر بـأكثر من 4 آلاف فقط!!.
اما عن الجرحى فعددهم 1.620.906 بينهم من أصيب بأمراض نفسية أدت بمئات منهم الى الانتحار. وطبعا هذا الحجم الهائل من الخسائر التي تكبدها الاميركيون، جعلهم يهربون في الليل من العراق، في نهاية عام 2011.
وعن زيارته الى القاهرة بعد ثلاثة ايام من وقوع الغزو قال الحديثي : بعد ثلاثة ايام على بدء الغزو لحضور اجتماع جامعة الدول العربية الوزاري لبحث العدوان على العراق. استدعاني صدام حسين، وكنت آنذاك مع الزميل محمد سعيد الصحاف وزير الاعلام فذهبت معه وكان في منطقة القصر الجمهوري في مبنى صغير ووجدت صدام واقفا عند الباب ومعه بعض النواب ووزيرالدفاع فقال لي هناك اجتماع لوزراء الخارجية العرب فتوكل على الله لحضوره، ولم أسأله عن شيء. كنت اعرف مهمتي ففي ظرف تتعرض البلاد للغزو يكون من مهمة وزير الخارجية في اجتماع كهذا السعي للحصول على ادانة المجتمعين للغزو وحشد التأييد للعراق في مواجهته الغزو وتأييد مطالبه بانسحاب الغزاة بدون قيد أوشرط، لكنه بعد ان صافحته مودعا قال لي : ” بلغ إخوانك الوزراء أن اميركا لن تغلب العراقيين “.
وحتما لم يكن يشير الى الحرب النظامية فهو يعرف مسبقا عدم قدرة العراق على مواجهة الغزاة الأكثر تفوقا في كل نواحي المعركة، في حرب نظامية. بل كان على الأرجح يشير الى شيء آخر وهو ما جرى بعد الاحتلال حيث انطلقت المقاومة. وكان احد الاخوة المسؤولين الحاضرين قد طلب مني التصرف على نحو متشدد اذا لم يقف الوزراء العرب في الاجتماع وقفة حازمة ضد الاحتلال الامريكي. غير أن صدام حسين رفض ذلك فورا وقال مصححا : “اذا لم يتخذ الوزراء موقفا صريحا ضد الغزو انسحب من الاجتماع بهدوء، وأعلن رأيك على الصحفيين في الخارج”.
واضاف الدكتور ناجي صبري الحديثي : الطريق الاعتيادي لم يكن مهيأ للسفر، لا جوا ولا برا. كانت الطائرات الأميركية والبريطانية تجوب سماء العراق وتصب حممها على المواقع والقوات والمنشآت والطرق. وكان علي أن أسلك طريقا بريا من مدينة إلى أخرى إلى الحدود مع سورية. فانطلقت فجر اليوم التالي إلى مدينتي حديثة في الفرات الأعلى شمال غرب العراق عبر مدن الفلوجة والرمادي وهيت والبغدادي. ومن هناك ذهبت إلى منطقة القائم العراقية عبر طرق متعرجة لتفادي الألغام والجسور المقصوفة. ومنها عبرت إلى مدينة البوكمال السورية، ومنها إلى دمشق التي وصلتها في الساعة التاسعة مساء، ومنها طرت فجرا إلى القاهرة. واجتمع وزراء الخارجية العرب وأجمعوا على قرار واضح يتضمن إدانة شديدة للغزو ومطالبة الغزاة بالانسحاب بدون قيد أو شرط واحترام سيادة واستقلال العراق. لكن في القاهرة حدثت مفاجأة، حيث عرفت أن دونالد رمسفيلد وزير الدفاع الأميركي عقد مؤتمر صحفيا في واشنطن وقال فيه متباهيا “أطبقنا على صدام وأولاده ومساعديه”، فقال له صحفي من الحضور، كيف أطبقتم على مساعديه وهذا أحدهم وزير الخارجية خرج من بغداد وهو الآن في القاهرة ؟ ” فصدم رمسفيلد ورد قائلا “لنرَ كيف سيعود”.
لم يكن ممكنا في تلك الظروف العصيبة أن أهمل هكذا ملاحظة وأن لا أفكر بها بوصفها تهديدا جديا بقتلي أو اعتقالي عند عودتي. فالغزاة تملأ طائراتهم سماء العراق وقادرون على الحركة في أي مكان ولا يتوانون عن ارتكاب أي جريمة. بدأت أفكر كيف أعود للعراق في ظل هذا التهديد.
وما زاد يقيني بجديته أن صحفيين أميركي وبريطاني التقيا بي في فندقي بعد انتهاء الاجتماع وسألاني عما سأفعله ومتى وكيف سأعود إلى العراق. فأجبتهم في الحال أن لدي جولة في البلاد العربية إلى لبنان وتونس وبعض الدول قبل أن أعود إلى العراق. وضعت خطة وبدأت بتنفيذها. فاتصلت بوزير خارجية لبنان الصديق محمود حمود وأخبرته بالقصة وبأنني أعلنت عن زيارتي لبيروت ضمن الخطة التي وضعتها وطلبت منه أن يؤيد ذلك لوزارته في بيروت عندما يسأل. وأبدى في الحال تفهمه واستجابته.
وأردت تأكيدا آخر لهذه الخطة، فاتصلت من هاتفي الجوال، وهو مراقب بالطبع، بسفيرنا في لبنان السيد نبيل الجنابي وقلت له انتظرني غدا في الساعة التاسعة مساء عند بوابة المصنع على الحدود السورية اللبنانية. فقال لي سأبلغ الأمن ودائرة البروتوكول في الخارجية اللبنانية ونكون بانتظار معاليك”. طبعا كنت أدرك أن هذا التبليغ سيشيع مسألة سفري إلى لبنان على نطاق غير محدود، وخصوصا لمن يترقب عودتي إلى العراق.
عدت صباح اليوم التالي إلى دمشق، ولم أذهب إلى الفندق، بل إلى بيت سفيرنا في دمشق السيد محمد رفعت. وبعد استراحة لبضع ساعات، انطلقت والوفد العراقي المرافق من بيت السفير وبسيارات السفارة، لكي لا تُعرف وجهة سفرنا. وبعد عدة ساعات وبحلول الليل وفي الساعة المقررة لاستقبالي في نقطة المصنع على الحدود اللبنانية، كنت قد دخلت الأراضي العراقية.
ومن هناك استأجرت أنا ومرافقي فقط سيارة أجرة بسيطة جدا وقديمة من مدينة القائم. واستقل أعضاء الوفد سيارات متفرقة وتحركنا إلى داخل الأراضي العراقية. وعندما انطلقنا من نقطة الحدود العراقية في مدينة القائم شاهدت مجموعة جنود عراقيين يحملون قاذفات صواريخ محمولة في سيارتين أمام سيارتنا.
وذهبت إلى مدينة حديثة إلى بيت أخي المرحوم شكري وبقينا هناك إلى المساء، ثم تحركنا إلى بغداد. وبعد الاحتلال كتب أحد ضباط المخابرات العراقية رسالة على مواقع التواصل قال فيها إنه كان يقود مجموعة من أبطال القوات الخاصة العراقية مكلفة بتعقب ومكافحة الإنزالات الأميركية في المنطقة الغربية، وأن أمرا صدر إليه من المركز في بغداد بأن يتحرك إلى الحدود لتأمين عودة وزير الخارجية بعد التهديد الذي أطلقه الوزير الأميركي. وقال إن الوزير لم يكن يعرف بوجوده ورفاقه. طبعا لم أطلب ذلك من حكومتي، ولم أطلب أي حماية لي عند العودة، ولم أكن أعرف بمهمة هذه الوحدة.
واشار الحديثي الى انه بعد أن احتلت القوات الأميركية مطار بغداد بدأت تقترب من منطقة البيت البديل الذي انتقلت إليه قبل الغزو. فتركته قبل يومين من إعلان الاحتلال. وأرسلت أهلي الى خارج بغداد. وانتقلت إلى الضفة الأخرى للنهر، وأقمت في منطقة الأعظمية عند صديق. وكان ضابط استخبارات كبيرا وينقل لي الأخبار ساعة بساعة عما يجري. وفي صباح يوم 9 نيسان / أبريل ذهب من الفجر إلى وحدته ثم عاد وقال لي انتهى كل شيء ودخل الغزاة وسيطروا على بغداد. فأرسلت مرافقي ليجد لي منفذا للخروج من بغداد لا تحتله القوات الغازية، فحدد طريقا آمنا وسلكته وذهبت إلى الفلوجة، حيث أرسلت أهلي، واصطحبتهم وخرجنا فجر يوم 10 نيسان / أبريل إلى بلد مجاور.
- info@alarabiya-news.com