الجيل الجديد لا يقرأ. هذا هو مفتتح مكتوبنا لهذه الليلة التي تكاد تشلع الفجرَ من مكمنهِ. سينمو التوصيف قليلاً قليلا، ويصير أعظم قسوة فنكتب إنّ الناس الآن تنام على جبلٍ من جهلٍ ومن أمّيةٍ مروّعة.
من لم يصدّقني فليذهب فوراً صوب أيّ دار نشر أو مكتبة تبيع وتشتري المؤلفات، ليجد أنّ شعراءً وروائيين وقصّاصين ونقّاداً وفلاسفة ومؤرخين، كانت دار النشر قد طبعتْ لواحدهم ألف نسخة من كتابهِ الذي أحرق أعصابهُ وشيّبَ رأسهُ وكبدهُ، ما زالتْ بعض نسخهُ مركونة على الرفّ أو مطمورة بمخزن الناشر. تسطيح ثقافيّ مهول وقع بعد ظهور مليون شاعر وشاعرة على صفحات الفيسبوك .
سينزعج معلّم الأدب العتيق لأنه لم يجد تلميذاً نجيباً يقرأ على مسامع الفصل، بيتاً شعرياً للمتنبي أو أبي تمّام أو المعرّي أو نزار قبّاني، فإن لمع نجمُ واحدٌ أو واحدة من الطالبات المتوسطات، فسوف يكون أكبر فهمها أن تلك القصيدة من نتاج كاظم الساهر.
سيموت معلّم التاريخ من القهر والضيم، لأن تلميذهُ الشاطر كتبَ على ورقة الامتحان أنّ عبدالله غيث هو عمّ النبيّ ومنى واصف هي من أكلتْ كبد الحمزة، وأنّ رستم قد قُتلَ بطعنةٍ قويةٍ من الجسمانيّ كنعان وصفي، وأنّ من دوّخَ الطليان وطيّحَ حظّهم وحظّ الذين خلّفوهم بأحراش وجبال ليبيا العزيز، هو أنطوني كوين، كما كتب أنَّ جواد الشكرجي كان له بعض ضلعٍ في نبش الفتنة الطامسة، وأنّ سميرة أحمد هي أُخت الرسول وأنّ كرطان بن أبيه أشعر من بدر شاكر السيّاب، وأنَّ أحمد مظهر هو من حرّر القدس الحزينة التي ما عادتْ عيوننا إليها ترحلُ كلَّ يوم.
القراءة صارتْ مثل وجبة الأكل السريعة، والرعية حتى على صفحات الفيسبوك لا تقرأ النصّ الذي يزيد جسمه عن خمسة سطور.
المرئي يضرب المكتوب باللكمة القاضية، والورق البديع المرصّع بحروف الذهب، يصفرّ على باب كشك حسن أبي عليّ، وفي خزائن الناشرين.
في هذا المنظر المرعب تنمو الجاهلية من جديد، وتُعبَد وتُقَدّس الخزعبلات، وتتوالد طرائق صنع الكراهية والقتل، ويختنق ويحتضر الجمال وخالقوه.
وأنا عندما أُصبح رئيسَ جمهورية بلاد ما بين القهرين، سأصدرُ فرماناً قويّاً ملزماً لكلِّ تلميذ وتلميذة، يقرأ بموجبهِ ونصّهِ، عشرة كتبٍ في سنة دراسية واحدة، ويُختبر بها كما يُمتحن بالرياضيات واللغات، ومن رسبَ في اختبار الشعر والرواية والقصّ والفن، سيتمّ ترسيبه وتسقيطهُ في صفّهِ حتى لو كان خالهُ نوري المالكي.