ملابس الشباب: اضطراب سلوكي واختلال اجتماعي

في ظل الانفتاح وسرعة نقل البيانات التي يشهدها العراق، بشكل غير مسبوق ما تنفك بعض الظواهر من الانتشار في المجتمع كتلك التي تستهدف أجيال المستقبل من العادات، واحدها ما شاع مؤخرا من الملابس والأزياء، ومن المفارقات التي يقف التفكير عندها إن هذه الملابس سبق ان كانت غير مقبولة بالنسبة للشاب ذاته فما عدا مما بدا؟!.

وهنا يتبادر السؤال ليبحث عن إجابة منطقية هل إن الإقبال على تلك الأزياء ناتج عن تقليد المشاهير ومسايرة للموضة كما هو حال قصات الشعر والتسريحات، والإكسسوارات الغريبة التي هي الأخرى أخذت حيزها من اهتمامات الشباب، أم إنها جاءت تأثرا بما يُنشر عبر وسائل الاتصال الحديثة التي تُعد من أهم مقتنيات شبابنا؟، أو غير ذلك من الأمور التي تجمع ما ذُكر من أسباب وتعد العامل الأساسي له؟.
الباحث الاجتماعي د. رسول مطلق، قال ان “المجتمعات الإنسانية في ظل التغير العولمي ومده، تتعرض لتغييرات مستمرة”، مشيرا إلى ان “هذه التغييرات لم تترك فئة او شريحة الا ونجد عليها بصماتها، وأحيانا تكون البصمة ايجابية، كالانترنت واستخداماته الايجابية باختصار الوقت وتقليل الكلفة وسهولة نقل المعلومات، وأحيان أخرى تكون سلبية كبصمات الفوضى والأثر ثقيل والسلبي له [الانترنت]”.
واضاف ان “بعض الشباب بفي ظل هذه الهجمة وانفتاح أبواب المد العولمي على مصراعيها ودون السيطرة على ذلك الوضع، يعيشون حالة اللامبالاة التي انسحبت على نظامهم الحياتي بشكل كامل”.
واوضح المطلق، “اننا نلحظ انعكاس ذلك على شكل الشباب ومظهرهم ومضمونهم، اذ ان المضون خاوِ، فعلى مستوى الشكل نرى ان تقليعات الموضة التي لم ينزل الله بها من سلطان، اذ ان الشباب من كلا الجنسين [الذكور والاناث] نجد هناك ابتذال في اختيار الألوان والازياء والشكل، فضلا عن كتابة بعض العبارات الخادشة للحياء والذائقة العامة دون ان يعي ويعرف معناها”.
وأشار الى ان “ذلك يدل على تضحية الشباب، وافتقارهم إلى اقصر انواع الذائقة والشعور بالمسؤولية”.
فيما رأى أستاذ علم الاجتماع د. احمد قاسم، ان “الانفتاح الحاصل بسبب كم شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات التي فُتحت على العالم لم تأتي تدريجيا على شكل جرعات، بل اُخذ بطريقة قطعية اشبه ما تكون بسيول ثقافية دُفعت مرة واحدة على ثقافة كان بها قطع في زمن الحصار”، عادا ان “ما حدث هو فوضات سلوكية وتلقفات قيمية غير مستقرة”.
واضاف “عادة نلاحظ ان الأدوات المادية والتغيير في الجانب الثقافي يدخل سريعا، اذ بالإمكان قيادة سيارة، واستخدام موبايل وكومبيوتر، الا ان ثقافة هذه الأمور تحتاج فترة من الزمن لتعرف معاييرها”.
واكد ان “ما يُلاحظ اليوم من سلوكيات مضطربة هو نتيجة اضطراب، اذ ان التقاطع الثقافي، والمتلمسات المادية الكثيرة التي لم يألفها المجتمع لفترات طويلة، ومن ثم اُتيحت له الفرصة بشأنها، وخصوصا للشباب للأسف بعض منظومات القيم التي كانت حاصلة فيما يتعلق الفصل بين الذكور والأنوثة ومعايير الموضة كل ذلك اثر بشكل او بأخر بالمنظومة السلوكية او الثقافية التي يحملها الشباب اليوم”.
واشار قاسم الى ان “الموضة ومنذ أمد طويل من تعرفها للمجتمعات تأتي على شكل وجبات، وكانت تأخذ فترة زمنية اطول ليتلقفها الشباب، وبعضها الفئة العمرية التي لديها الاستعداد الكافي لتلقف ما هو غريب ومثير ويتضمن قضايا الشهرة والإثارة والفات نظر الاخرين، اما الان ونتيجة الانفتاح فيطلع الشباب على ثقافات متعددة إذ لم يعد هناك ذوق واحد أو موديل واحد او موديلات محدودة على الاقل ليعتاد المجتمع عليها”.
وتابع “هناك فرشة واسعة وكبيرة يطلع عليها الشباب، ويحاول بعضهم ان ينافس البعض الاخر بان يتميز، فيجلبوا ما هو اغرب واشهر فالمهم هو الفات انظار العالم”.
وبخصوص معالجة هذه الظاهرة رأى قاسم ان “الاسرة ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني جميعها مسؤولة عن ذلك، فالشاب من عمر 15 عاما إلى ان يبلغ او ربما من عمر 10 سنوات إلى 18 سنة يحتاج لما يشغل وقته ويستخرج طاقاتهم، فجميعا يجب العمل على شغلهم على صعيد الأسرة، والدراسة، والمؤسسات الرسمية وتوظيف طاقاتهم لما هو خير لهم وللمجتمع”.
من جانبها قالت عضوة لجنة الأسرة والطفل والمرأة النيابية منى شويش، ان “هذه الظاهرة تعد محاربة للإسلام بالدرجة الأولى، إذ ذُكر ذلك في زمن الرسول [ص] من حيث الرجال تتشبه بالنساء وهي الأخرى تتشبه بالرجال، فضلا عن انه يجب الحد من تجارة هذه الملابس ومراقبة الأسواق”.
وأشارت إلى “ضرورة منع تجارة هذه الملابس للشباب، ومراقبة أزياء الشباب في الشارع”، لافته الى ان “في محافظة البصرة كانت هناك محاسبة للشباب على قصة الشعر واللبس، فمع الأسف ان الشباب يريدون القوة”.
وبينت شويش ان “على الشباب عدم إتباع الثقافة الغربية، ولابد من استمرار المحاضرات في الكليات والمدارس حول الحضارة الغربية الرامية إلى قتل ثقافة الإسلام”.
وأكدت “إننا في مجلس النواب سنكون داعمين لاستيراد اللبس المحتشم، بعيدا عن الثقافات الغربية والمسلسلات التي تُعرض”، منوهة الى ان “هذه الملابس ترمي إلى تدمير المجتمع وهي شبه لداعش التي تحارب في الجبهات ولكنها في وجه اخر”.
ومّما ذُكر يبدو جليا ان الحفاظ على اتزان المجتمع وثقافته، وحيثياته التي تعبر عن أدبياته وأخلاقه وتميزه عن غيره من المجتمعات، مسؤولية تضامنية بين الأسرة التي تعد المسؤول الأول، ومن ثم الإعلام باعتباره المخاطب للعقول دون قيد، وقد يكون هو الأقرب لها والأقدر على إقناعها بحال صعب ذلك على العائلة، وبعدها تأتي الأساليب الرسمية المتمثلة بالرقابة على الأسواق والتجار، والاهم من ذلك ربما يكمن بمراقبة وسائل الاتصال المتمثلة بالانترنت.
لا ضير من الانفتاح والتغيير، فهو سمة ايجابية للمجتمع ولكن ليس بطريقة يتم معها التخلي عن مبادئه وأخلاقياته.

 

Facebook
Twitter