مفهوم السلطة بين الأنظمة الديمقراطية النيابية ونظام الديمقراطية المباشرة/ القسم الاول

المقدمة:-
يعد مفهوم السلطة من أكثر المفاهيم استعمالاً في التعبير عن نظام الحكم القائم. وللسلطة العديد من الأنواع منها السلطة التشريعية، والسلطة التامة، والسلطة المطلقة، والسلطة السياسية وغيرها, والسلطة تتطلب قوة ,أما القوة دون السلطة فهي ظلم وقهر واستبداد ومن ثم السلطة تعنى الحق وما دامت السلطة حقاً , فإنها يجب أن تطاع بواعز من الضمير ومن اجل المصلحة العامة.
أما التسلط السياسي, فهو طريقة ووسيلة وغاية الاستغلال الاقتصادي في النظام، لاشك أن السياسة في سيطرتها وأسسها في كل الدول تنطلق من خلال نظامها المتبع في تركيب ألآت الدولة أو تحريكها، ففي اختلاف هذه الآلات تختلف أداة الحكم تبعاً لماهية النظام السياسي السائد فيها.
وإن مرد التسلط السياسي الذي يقيم هذا الاختلال هو نظام الحكم الاستغلالي سواء كان قائماً على التدليس، أو كان قائماً على الإكراه.
تهدف هذه الدراسة إلى رصد ومتابعة وتحليل مفهوم السلطة تحليلاً سياسياً والجذور التاريخية لنشوء السلطة عبر التاريخ وترسيخها والتعامل معها في الأنظمة الغربية والحلول الجذرية التي أتت بها النظرية الجماهيرية.
أما فيما يتعلق بتساؤلات الدراسة فإنها تنطلق من سؤال أساسي هو كيف تعاملت الأنظمة الغربية مع مفهوم السلطة ؟ وما هي الحلول التي أتت بها النظرية الجماهيرية لهذه القضية وكيفية تطبيقه ؟

الأهمية:-

تكمن أهمية هذا الموضوع في ضرورة تحليل ظاهرة السلطة تحليلاً سليماً، وتسخيرها لتعديل المحيط واستغلاله وجني ما هو لازم للحياة، كما إن السلطة ليست فقط أن نكون قادرين بأنفسنا على أن نفعل الأشياء بل نكون قادرين كذلك على أن نجعل غيرنا يفعلها.
والسلطة السياسية هي قوة في خدمة فكرة، قوة نابعة من الوعي الاجتماعي، ومخصصة لقيادة الجماعة بحثاً عن الخير المشترك وقادرة إذا لزم الأمر أن تجبر الأفراد على التزام المواقف التي تمر بها.
ونلاحظ أن السلطة تختلف من زمن لآخر فهي في الفكر اليوناني تختلف عن الفكر الإسلامي، كما إن مفهوم السلطة في الفكر الليبرالي يختلف عن مفهوم السلطة في الفكر الماركسي، ويختلف مفهوم السلطة في النظرية الجماهيرية عما سبقها، وبذلك تهدف هذه الدراسة إلى رصد ومتابعة وتحليل مفهوم السلطة عبر المراحل التي مرت بها، وصولاً إلى النظرية الجماهيرية والحلول التي قدمتها.
وتعتمد هذه الدراسة على المنهج التاريخي والتحليلي المقارن, من خلال فحصها وتحليلها لمفهوم السلطة والتسلط، ولقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى:-
1- مفهوم السلطة:
2- السلطة عند الإغريق:
3- السلطة في الأنظمة الديمقراطية النيابية :
4- السلطة في النظام الماركسي:
5- السلطة في النظرية الجماهيرية:
أ – من حرية الفرد إلى حرية المجتمع
ب – حل مشكلة السلطة

 

1- مفهوم السلطة:
يشير مفهوم السلطة في إطار علم السياسة والقانون إلى الحق في ممارسة عمل ما، بما في ذلك الحق في صنع القوانين أو السياسة العامة، وهو من ناحية يرتبط بمشكلة الطاعة أو الإكراه السياسي و هو من ناحية أخرى يتعلق بمشاكل تتعلق بحرية الأفراد وحقوقهم واستقلالهم داخل المجتمع.
ومن خلال ذلك يتضح أن مفهوم السلطة يتعلق بالأفراد بالدرجة الأولى وحقهم تشريع القوانين وارتباطهم بنظام الحكم وبالعمل السياسي.
إن موضوع السلطة قديم قدم المجتمعات البشرية،حيث لا يمكن أن نتصور أي تجمع إنساني دون أن تكون به سلطة بأي طريقة كانت.وتفترض السلطة من هذا المنظور وجود فضاء علائقي ينظم العلاقة بين طرفين على الأقل حاكم ومحكوم بغض النظر عن طبيعة تلك العلاقة وكيفية التعبير عنها.
ومن هنا فإن السلطة لا تكمن فقط في أن نكون قادرين بأنفسنا على الفعل في الأشياء والتأثير فيها، بل أن نكون قادرين كذلك على أن نجعل غيرنا يفعلها، تضاف إلى السيطرة المباشرة سيطرة غير مباشرة هي في الوقت ذاته سيطرة على الآخرين.
فالسلطة من هذا المنطلق عبارة عن ظاهرة عالمية ترتبط بوجود الجماعة السياسية المنظمة وتعكس وجود أنماط مختلفة من العلاقات. ومن هنا استخدم مفهوم السلطة للدلالة على الحكم.
ومن جانب آخر يستخدم أصحاب هذا المدخل مفهوم السلطة لتحديد طبيعة العلاقة الخاصة بين الحاكم والمحكوم، بقصد التمييز بين هذا النمط من العلاقة الخاصة وغيره من أنماط العلاقات الأخرى.
ولا تكتمل دلالة هذا المفهوم ما لم نقارنها بالمفاهيم ذات الصلة مثل القوة والعنف والنفوذ والسلطان والتسلط والملك.
فالسلطة لا تتوقف على استخدام القوة فقط، بل على شرعنتها أيضا.والفرق بينهما هو كالفرق بين الطبيعة والثقافة،بين “حالة الطبيعة” و “الحالة المدنية”. فعلى الرغم من أن كلا منهما يحيل إلى وجود علاقة ثنائية بين طرفين،نجد أن الطابع المؤسسي يضفي مفهوم الشرعية على السلطة ويمنحها بعدا قانونيا باعتبارها- في النظام الديمقراطي على الأقل- عملية تواضعية قائمة على التوافق والتعاقد .وفي حين تقوم السلطة على “قوة القانون” وسيادة الدولة ،تقوم القوة على “قانون القوة” المتحررة من كل قيد .لذا توصف السلطة بأنها القوة المشرعنة، أو العنف المشروع الذي تتم ممارسته في ظل القانون.
والسلطة هي هذا الشكل من النفوذ أو القدرة الذي تقيمه معايير معتقدات وقيم المجتمع الذي تمارس فيه، ويستند وجودها إلى كون المجموعات الاجتماعية كافة تقبل صراحة أو ضمنيا برؤساء وحكام وقادة يتم الاعتراف لهم بحق إعطاء الأوامر إلى أعضاء المجموعة الآخرين لدفعهم إلى عمل ما لم يكونوا ليفعلوه دون ذلك، يرضخ أعضاء المجموعة لهذا النفوذ لأنهم يعتبرونه شرعيا، أي مطابقا لنظام معايير المجتمع وقيمه،للقانون. هكذا تكون السلطة نفوذا أو قدرة شرعية، أما أشكال النفوذ الأخرى فليس لها هذه الصفة في كل الأحوال.
وعلى الرغم من أن السلطة تعني في طبيعتها وجود علاقة أمرية بين آمر ومأمور، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن تفرض إرادة طرف ما بعينه على الطرف الآخر، وأن ينصاع هذا الطرف الآخر للأوامر وحسب، فعند ذلك تكون العلاقة علاقة قوة يسودها الإكراه. وتوجد إشكالية التداخل بين مفهومي السلطة والنفوذ، فإذا كانت السلطة تعني القوة الشرعية، فإن النفوذ هو الاستطاعة والقدرة على التأثير، فالسلطة هي نفوذ مشروع في حين أن النفوذ هو سلطة غير مشروعة.
وتتداخل السلطة أيضا مع مفهوم “السلطان” من الناحية اللغوية والإجرائية .وأغلب ما يأتي هذا المفهوم من جهة “الحق الإلهي” الذي يعتقد البعض أن الله منحه لهم في حكم البلاد والعباد.لكن في حين يؤسس مفهوم السلطة على الأقل من الناحية الإسمية لعلاقة قوامها التبادل الإيجابي بين طرفين،يفضي بنا مفهوم السلطان إلى علاقة عمودية تعلى من شأن حقوق صاحب السيادة على حساب الرعية.
ويفضي بنا التمييز بين السلطة والتسلط إلى التمييز بين نظام الدولة الديمقراطية ونظام الدولة الكليانية التي تمارس جميع أنواع العنف:المادي والرمزي داخل الفضاء السياسي.
إن من يمارس التسلط كواقعة سياسية، يواجه خطرا يتمثل في إمكانية أن يفلت زمام الأمور من يده، فهو يصارع ويصارع، ويحسب لكل شيء حسابا ويحسب له، بين الشك واليقين، بين اليأس والرجاء، وهو كما قيل في هذا الشأن،كراكب النمر يخاف ويخيف.
أما من يمارس عليه التسلط فهو في خوف فيهادن تجنبا للعقاب أو في خوف متوقعا للعقاب والإنسان بطبيعته يخاف.
كما أن السيادة في مفهومها البسيط تعني إن سلطة الدولة سلطة عليا لا يسمو عليها شيء، ولا تخضع لأحد، ولكن تسمو فوق الجميع وتفرض نفسها على الجميع.
والسيادة هي صفة من صفات الدولة وهي التي تميزها عن بقية الجماعات الأخرى التي تتمتع بسلطة.
والحائز للسيادة في الدولة هو من يملك سلطة إصدار الأوامر العليا.
والسلطة هي التي تمكن من السيطرة على الناس ومن الضغط عليهم ورقابتهم للحصول على طاعتهم والتدخل في حريتهم وتوجيه جهودهم إلى نواح معينة.
ونخلص مما تقدم إلى أن السلطة مفهوم معقد ، يطرح من الإشكاليات أكثر مما يقدمه من حلول في الواقع العملي، وأن هذا المفهوم يمكن أن تتغير أبعاده،ومقاييسه واهتماماته، بحسب نوع العلاقة التي يؤسسها بين الحاكم والمحكوم لا بين الأنظمة السياسية المختلفة الأرستقراطية والديمقراطية والأولغارشية بل داخل النظام الواحد مثل النظام الديمقراطي بحيث تؤدي التباعد بين الأنظمة الديمقراطية ذاتها – أو التي تتسمى بهذا الاسم- إلى ضرورة التساؤل عن المفهوم الصحيح لهذا النظام وعن نمط الاختلالات التي قد تؤدي إلى إلغائه من أساسه.

2- السلطة عند الإغريق:
ترتبط بداية الفكر السياسي بنشأة المؤسسات وظهور الوحدات السياسية المنظمة أو شبه المنظمة ووجود من يفكر في هذه النظم ويحللها، وبالتالي مما لا جدال فيه أن التفكير في السلطة وممارستها، وهو محور اهتمام الفكر السياسي، قديم قدم ظهور السلطة السياسية نفسها.
فعادة ما تمتزج الأفكار السياسية بالأساطير الخاصة بالشعوب المختلفة، ولكن في معظم الحالات لا يوجد تدوين لآراء من عبروا عن ظاهرة السلطة في العصور القديمة في الحضارات المختلفة حيث الاعتماد أساسا على التقاليد الشفهية، وبالتالي فإنه من المعتقد أن ما وصلنا منها يعد محدودا بالنسبة إلى ما لم يصل إلينا.
ويرى أفلاطون إن السلطة السياسية لا يمكن أن تعطي للأغنى أو للأقوى أو للأكثر عراقة ولكن للأكثر علما أو حكمة ووضع لذلك كتابا خاص هو “كتاب الجمهورية ” دافع فيه عن نظرية “الملك- الفيلسوف”
يقول أفلاطون في نهاية الكتاب الخامس من كتاب الجمهورية:
ما لم يصبح الفلاسفة ملوكا في بلادهم أو يصبح أولئك الذين نسميهم الآن ملوكا وحكاما فلاسفة جادين متعمقين، وما لم تتجمع السلطة السياسة والفلسفة في فرد واحد (…) فلن تهدأ حدة الشرور التي تصيب الدولة.
ونلاحظ أن أفلاطون قد عالج المشكلة السياسية وهي كيفية التوفيق بين السلطة المطلقة و الحرية المطلقة، فقد أوضح أفلاطون أن التوازن يتم بينهما بوضع قيود على الحاكم عن طريق القانون. ويدعو أفلاطون في الواقع إلى ترك القوة السياسية تتخذ قراراتها بشكل مستقل عن أي قانون أو قيد وبما يتلاءم مع كل فرد.
وهذا هو ما يعطي الانطباع بأن أفلاطون يدافع عن الطغيان.لكن الفيلسوف في الحقيقة دافع عن النظام الملكي لاعتبارات تتعلق بضرورات خارجية لها صلة بحروب أثينا الكثيرة مع جاراتها وضرورة وجود نظام قوي قادر على الدفاع عنها.
أما أرسطو فقد أوضح أن سلطة الحكومة تخضع للرأي العام والقوانين الخاصة بالدولة، كما أكد على فصل السلطات في الدولة.
ويرى إن السلطة هي للقانون وليس للإنسان، قائدا كان أو عاقلا، لأن القانون هو عام ويطبق على الجميع بينما ترك الأمور لتقدير الحاكم هو عكس ذلك، ولابد من أجل الوصول إلى المدينة الكاملة من إيجاد قواعد أساسية تنظم شؤونها.

ويرى أنه يجب أن تخضع سلطة الحكومة للرأي العام والقوانين الخاصة بالدولة كما قرر فصل السلطات في الدولة لكي تميز عن بعض.
وعلى الرغم من ذلك لم يخل موقف أرسطو من بعض النواحي السلبية في بحثه لموضوع السلطة فنجد إرشادات واضحة في فكر أرسطو عندما تناول موضوع الدولة- المدينة، حين أشار إلى أن شرعية الدولة تقوم على السلطة وشرعية السلطة تكمن في قيامها لمصلحة المسود. ويدرج في هذا الإطار العلاقة بين السيد والعبد فمصلحة العبد تتحقق حينما تكون المشيئة للطبيعة أي أنها هي التي تعين للسيد والعبد المستوى الذي يستغله كل منهما. ويشير إلى أن سلطة الوالد على الأسرة غايتها مصلحة الخاضعين لها، أو أنها مصلحة مشتركة.

3- السلطة في الأنظمة الديمقراطية النيابية :
عند بدء القرن التاسع عشر كانت أوروبا في حاجة ملحة إلى الحرية الفردية أكثر من أي شيء آخر في تلك المرحلة مرحلة (صعود الطبقة الوسطى) كانت في حاجة إلى حرية الامتلاك والربح بعيدا عن أي تدخل من أي سلطة فلتكن في أضيق الحدود، أو فلتكن وظيفتها على وجه الدقة،المحافظة على الحرية الفردية.
و الليبرالية فلسفة ومنهج ومذاهب عدة، فيها نلتقي بتلك العلاقة التي نصادفها كثيراً فيما يدور من حديث حول نظرية تغيير الواقع. والليبرالية هي وليدة الثورة العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، والتي كانت مقدمة للثورة الصناعية في أوروبا وقد كان لتلك الثورة (العلمية) أثر كبير على النظرة تجاه الطبيعة على ضوء ما وفرته من معرفة علمية وفيرة عنها، واستطاعت من خلال ذلك التقدم العلمي والصناعي، أن تدرك إمكانية السيطرة على الطبيعة عن طريق معرفة القوانين” الطبيعية” التي تحكمها وتحدد مسارها وتغيرها  .
وتقوم هذه الفلسفة على أن الإنسان هو محور الوجود، وأنه غاية في ذاته، لذلك كل القيم تقاس صحتها من عدمها بمدى ما يمكن أن تقدمه للإنسان، فكل قيمة تعلي من قدره هي صحيحة والعكس أيضا صحيح.
وتنظر إلى الإنسان بأنه أسبق من المجتمع المنظم أي الدولة.فالإنسان في نظرها كان يتمتع قبل إيجاد الدولة بحقوق طبيعية لصيقة به. فالدولة يجب أن تكون في خدمته وأسمى خدمة تقدمها له هي المحافظة على حقوقه وحرياته وعدم المساس بها، وبناء على ذلك فإن حقي الحرية والمساواة قد نظر إليهما بأنهما حقان طبيعيان لا تتدخل الدولة للحد منها، وإنما فقط للحفاظ عليهما.
و نلخص من ذلك إلى أن الدولة ليست غاية في ذاتها إنما هي وسيلة تهدف إلي تحقيق الرفاهية والحرية الشخصية للفرد فعلة وجودها تمكين الأفراد من التماس الحياة الصالحة لهم. وتحقيق هذا الهدف قد يقتضي التعرض لحريتهم حماية لأنفسهم، و إن الأصل أن الدولة هي التي تمارس هذه المهمة عن طريق الحكم مستبدة بالقوانين المؤيدة بقوة الإلزام.
وهكذا…. فالليبرالية من ناحية مذهب يقوم إلى حد كبير على فكرة الحرية الفردية (حرية سياسية، حرية اقتصادية، حرية فكرية، حرية دينية..الخ)
واستند التحرر في مذهب الليبرالية على الشعار الذي رفعه فلاسفة عصر الأنوار “دعه يعمل دعه يمر” ، واستطاعوا أن يرسوه على قواعد علمية كان يظن أنها أصلب من أن تدحض، وحملة التجار أو الصناع واستطاعوا أن يخلقوا منه ثروات متراكمة.
وذلك أن مرد الفرد في النظم الليبرالية خاضع لتأثير القوى الحزبية المتنافسة، فهو يتحرك من خلال هذه اللعبة السياسية في موسم الانتخابات، ثم يهمل هذه اللعبة إلى أن يحين موعد انتخابات أخرى، فهو كغيره من الناخبين أداة من أدوات الصراع على السلطة لا يعمل لمصلحة الشعب إنما لمصلحة الصفوة الحاكمة.
وبناء على ذلك عجز النظام الليبرالي الذي تسوده الديمقراطية النيابية عن تحقيق تحرير الإنسان من العبودية السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
إن التسلط السياسي يتيح احتكار السياسة ونظام الحكم بأدوات بطبيعتها تجعل الحكم حكراً على فئة أو طائفة أو حزب، تبعاً للنظام الديمقراطي النيابي القائم في الدول الغربية.
لذلك فإن نظام الديمقراطية النيابية لم يسلك الطريق الصحيح، ولم يتبن النظام الذي يتحقق فيه حكم الشعب لنفسه، بل قلب مبدأ التمثيل، إمعاناً منه في ممارسة الاستغلال السياسي للشعب القائم على احتكار السلطة.

4- السلطة في النظام الماركسي:
فسرت الماركسية التاريخ تفسيرا ماديا قائما على فكره صراع الطبقات، ذلك هو تاريخ المجتمعات البشرية.وتقوم فلسفة النظام الماركسي على الجدلية المادية وفكر صراع الطبقات طموحا وراء قيام دكتاتورية البروليتاريا بعدا لتقرير أنه “ليس للعمال وطن” وشعار “يا عمال العالم اتحدوا” وبذلك تنسف الماركسية المذهب الليبرالي من أساسه بحيث أنها لا تعترف بالحقوق الطبيعية للأفراد، وترفض فكرة الفرد بأنه محور الوجود، ولا حقوق للفرد إلا من خلال جماعته، وترى في الملكية الفردية الخاصة مصدر الشر كله، وبذلك لامناص لديها من إلغالها لتحل محلها الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج أي ملكية الدولة.
ورغم أن المذهب الماركسي ينادى بالحرية والمساواة، كما ينادى بالديمقراطية، إلا أنه يرى الديمقراطية الحقيقية هي التي تحقق ملكية الدولة لوسائل الإنتاج، وهذه هي الديمقراطية التي تنظم حياة الشعوب وتحـقق حاجاتهم، لهذا فهي ديمقراطية شعـبية أو ديمقراطيه اجتماعية ( ).
ونرى أن المذهب الماركسي لا توجد فيه حرية النقاش أو البحث .فكل الأمور مسلم بصحتها منذ البداية.كما يمكن القول إن الديمقراطية الغربية (النيابية) قد فشلت في تحقيق الديمقراطية الحقيقية بأحزابها، وبرلماناتها، أو مجالسها النيابية، وبجماعات ضغطها، وأجهضت الحزبية فكرة الديمقراطية، فحدث تزييف كان من نتائجه تغييب الشعب عن ممارسة السلطة، وهذا ما أحس به منظرو السياسة في الغرب، فجاءوا لنا بفكرة الديمقراطية شبه المباشرة، ويعتقد أن هذه الفكرة تتضمن الاعتراف بأحقية السلطة في ممارسة بعض الأدوار الإضافية، التي تجعل منه شريكاً للسياسة في ممارسة الشعب، وإن كان لا يمارسها بنفسه بشكل مباشر وقد تم الاعتراف بحق الرجوع إلى الشعب، واستفتائه في القضايا المصرية، بالإضافة إلى ذلك تم الاعتراف بحق الشعب في الاعتراض على القوانين التي تسنها المجالس التشريعية، كما تم الاعتراف بحق الشعب في اقتراح القوانين، ولكن هذه الحقوق قيدت بعدة قيود، إما من حيث الإجراءات، وإما من حيث مدة سريانها وانقضائها، بحيث أصبح وجودها شكلياً أكثر من وجودها حقيقة.
وعليه فإن المذهب الماركسي لم يسلك الطريق الصحيح، ولم ينتبه إلى النظام الذي يحقق حكم الشعب لنفسه، بل قبل مبدأ التمثيل، إمعانا منه في ممارسة الاستغلال السياسي للشعب القائم على احتكار السلطة.

Facebook
Twitter