لا ديمقراطية بدون عدالة اجتماعية
ولا عدالة اجتماعية بدون ديمقراطية
إن ما يقدمه النظام الأساسي في العالم اليوم لا يفي البشرية أي غرض من متطلبات حياتهم اليومية بغية إشباع الحاجات ، وبالتالي يتولد الشعور الحقيقي للإحساس الدافئ بنيل جزء من الحرية .. وهذا من المنظور الجماهيري للنظرية الجماهيرية ، ومن ذلك أطرح هذا التساؤل.. هل قدم النظام السياسي في العالم ديمقراطية ساعدت في تأسيس وتأصيل قيم أخلاقية مطلقة أو حتى نسبية أرست عمدان المساواة ، والحرية ، والعدالة الاجتماعية بين الشعوب؟.. وإذا كانت هذه الحقائق موجودة فلماذا نشاهد وجوها بشعة تتمثل في الرأسمالية وما يسمى بالنظام العالمي الجديد ، وهي تلتهم الشعوب وتقيد حريتهم من سلب حاجاتهم المادية عن طريق مجموعة من الشركات الكبيرة في العالم ، التي صنعت أساساً لسرقة الشعوب وتنمية الطبقات النيابية الحاكمة في العالم اليوم وذلك بالسيطرة على اقتصاد البشرية وحاجات الناس الدائمة لرغد العيش بالحرية التي فقدت من قبل النخبة الحاكمة نيابياً عن شعوبها المقهورة؟. وفي ظل ذلك نعرض ملامح عن مفهوم الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية من خلال رأي الكاتب والفيلسوف (جان جاك روسو) ورأي أستاذ الفلسفة الدكتور (رجب بودبوس) يرى جان جاك روسو ” بأن الديمقراطية السياسية تبقى ناقصة بدون ديمقراطية اجتماعية ، فالأولى تهتم بمصدر السيادة والسلطة وحقوق المواطن السياسية ومساهمته في الانتخابات وتشكيل الأحزاب وإبداء الرأي ونشره ، أما الثانية فلها أولوية على الديمقراطية السياسية، فتهتم بتحسين أوضاع المواطن المادية، عن طريق مبدأ العدالة الاجتماعية من حيث توزيع خيرات البلد على كل المواطنين لأن للمواطن حق شرعي بنصيب عادل منها.. فالمساواة بين الأفراد في المجتمعات المنظمة تستند بشكل أساس على هذه العدالة الاجتماعية فأفراد الشعب المنبوذون والفقراء وقليلو الثقافة ، لا يمكن أن يساهموا بشكل جدي في الحياة السياسية التي تتطلب معرفة بأمور الدولة وتسييرها وأمور السلطة ومداخلاتها، أولويات هؤلاء الناس هي لقمة العيش وليست السياسة. الحقوق الاجتماعية ضرورية لاعتبار الإنسان غاية في ذاته يجب احترامه ومساعدته على العيش الكريم. لأن هدف التنمية والتقدم في الدولة هو حرية المواطن ورفاهيته. الديمقراطية الاجتماعية تسهل مشاركة المواطنين في العمل السياسي بشكل فعّال لأنها تسد حاجاتهم المادية وتعيد لهم اعتبارهم وكرامتهم وبهذا يصبح للديمقراطية بشطريها ” السياسي والاجتماعي ” معنى واقعي ومتكامل . وفي حال تأخر الديمقراطية الاجتماعية ، من الضروري رغم ذلك تحريك الديمقراطية السياسية ، لأن أي توعية سياسية، ولو كانت في حدود ضيقة، تساعد الناس على معرفة مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية. فإشراك الناس في العمل السياسي يحرك كثيرا من طاقات كامنة فيهم للمطالبة بمجتمع أكثر عدالة. السلطة الاقتصادية في الدول الديمقراطية الرأسمالية خاصة في الدول النامية، تلعب دورا سلبيا جدا في تطوير الديمقراطية الاجتماعية. لأن هدف الرأسمالية يتناقض أصلا مع هدف العدالة الاجتماعية. هدف الرأسمالية هو الربح الجشع بكافة الوسائل والحصول على امتيازات طبقية تعلو بكثير على حقوق بقية المواطنين هذه الامتيازات تعطي الرأسماليين سلطة غير شرعية للتدخل في أمور الدولة وتوجيه سياساتها عن طريق الضغوط الاقتصادية والمالية والسياسية والثقافية والإعلامية لمصالحها الخاصة دون أي اعتبار لمصلحة البلاد والمواطنين في الحاضر والمستقبل من حيث النمو الاقتصادي السليم واستثمار خيرات البلاد وتوظيفها بشكل عادل وعقلاني.. الانهيار الهائل في الاقتصاد العالمي في نهاية 2008 أكبر برهان على متاهات وبلطجة الرأسمالية، الانهيار الأخير الذي يذكرنا بانهيار 1929سيعود دوريا إن لم تتغير فلسفة الليبيرالية الجديدة. الانهيار الاقتصادي العالمي يعود إلى إيجاد مجتمع اقتصادي ومالي مؤسس على المضاربة بلا حدود بعيدا كل البعد عن الاقتصاد الحقيقي والواقعي. هذه المزايدات في سعر الأشياء لا يمكن أن تتصاعد هرميا بشكل مستمر .
غير أن أستاذ الفلسفة (رجب بودبوس) يقدم تفسيراً أكثر شمولية ووضوحاً ويمكن القول بأنه يقدم رأياً ليس حالماً بل رؤية حقيقية لواقع ما شهده العالم من تقلبات فكرية تثير كثيراً من الجدل والنقاش المتفاوت ويرى إن النظرية الجماهيرية قدمت الحل الحاسم لكل تلك المتناقضات والإشكاليات السائدة في المجتمعات.. يقر الأستاذ (رجب بودبوس) بالقول :
.. عندما يتحرر شعب من الإرغامات السياسية، المفروضة عليه ، ومن عوامل القهر الاقتصادي ، ومن التغريب الاجتماعي والثقافي ، ولكي ينظموا تمتعهم بالحرية ، لأن النظام ضرورة اجتماعية نتاج اجتماع الناس ، يستخدم حجة لسلبهم حريتهم ، والحرية مطلب فردي تتبدى أحيانا ضد النظام ، فإن على الأحرار أن يصنعوا نظامهم، ولا يمكن التوفيق بين هذين المطلبين – أي النظام والحرية – إلا في مجتمع ديمقراطي ، لكن الأحرار حقاً ، لن يقبلوا نظاماً غير الذي يؤسسونه بحرية، لن يقبلوا التنازل عن السلطان نتاج اجتماعهم ، ولا تفويضه .. عندئذ على الأحرار أن ينظموا أنفسهم ، ووسيلتهم عندئذ الديمقراطية . والإنسان فردياً يطلب الحرية ، وجماعياً يطلب النظام ، ولكي لا يحدث تناقض بين الحرية والنظام ، فإن الناس اخترعوا الديمقراطية فهي نظام يكفل الحرية. السلطان يرتبط بعضوية المجتمع ، التي تقوم عليه ، وترتب الحق السياسي لكل عضو في الجماعة ، عضوية الفرد في الجماعة ، تلزمه باحترام النظام ، لكن حريته تعطيه الحق السياسي ، كشريك في وضع النظام ، لكي لا يقمع النظام حريته ، لهذا فإن الحق السياسي هو أساس كل الحقوق ، لا يمكن التنازل عنه ولا الإنابة فيه .
الديمقراطية والعدالة قرينان يرى بودبوس أن فصل الديمقراطية السياسية عن العدالة الاجتماعية ، يوقعنا في نظام شكلي بدون محتوى ، ومحتوى بدون نظام. وإذا فصلنا العدالة الاجتماعية عن الديمقراطية السياسية ، يوقعنا في نظام شمولي يرتد ضد العدالة.
الديمقراطية اجتماعياً عدالة اجتماعية ، والعدالة الاجتماعية سياسياً ديمقراطية.
إذن الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية قرينان لا ينفصلان ، لا ديمقراطية بدون عدالة اجتماعية ، ولا عدالة اجتماعية بدون ديمقراطية ، ولكن لا يطغى أحدهما على الآخر ، تكون الديمقراطية المباشرة ، حيث العدالة والديمقراطية فعل جماعي لا يستبعد أحداً .
الحرية والنظام
بدون شك الحرية ماهيتها فردية، لكن ماهية المجتمع النظام أو الحرية مطلب فردي ، والنظام مطلب اجتماعي ، إذا أطلق العنان للحرية خربت النظام الاجتماعي ، وجعلت من المجتمع غابة ، وإذا سيطر النظام ذهب بالحرية وجعل المجتمع مجتمع عبيد.
هل يجب الاختيار بين الحرية والنظام ، بين الغابة والسجن؟.
وهل إذا أردنا الحرية نتنازل عن النظام؟.. وإذا طلبنا النظام دفعنا له ثمن قمع الحرية ؟!
ما بين هذين القطبين تأرجحت مجتمعات الإنسان ، طوال تاريخها ، الإنسان هو حرية ، فقدانها يطعن في ماهيته ، ويفقده قيمته كونه إنسان ، لكن لا يمكن تصور حياة خارج المجتمع .. كما لا يمكن الحياة في مجتمع بدون النظام . فقدان النظام ينعكس على الحرية سلباً ، ومجتمع الحرية يجعل النظام سلاسل ، هل يطلب الإنسان أمرين متناقضين لايمكن المصالحة بينهما ؟.
الجواب بالنفي .
تناقض الحرية مع النظام ، الذي يجعل الإنسان يطلب النظام ويرفضه في نفس الوقت ، ناتج عن أن النظام يفرض على الإنسان ، ما يجعله مناقضاً للحرية ، أو أن الحرية لا تتوصل لتنظيم نفسها .
الديمقراطية المباشرة هي المصالحة بين الحرية والنظام ، كفالة الحرية والنظام لا تكون إلا في نظام حرية تنظم نفسها ، أحرار ينظمون أنفسهم ، عندئذ يتبدى النظام نتاج الحرية وليس نقيضها مفروضاً عليها .
إن الفكر الجماهيري أكثر واقعية مما يعتقده بعض الناس.
الفكر الجماهيري قدم حلاً رائعاً رسم للحرية إطاراً منظماً وفي إبراز ” الحاجة ” بأنه وفي حالة بقاء العلاقات الظالمة فإن الحرية تفقد وسائل ممارستها التي تبقى حكراً على قلّة من الناس ، وهذا ما أوجد تأسيسا لنمط ثالث من الملكية .. فلا ملكية خاصة ولا ملكية عمومية تديرها الدولة إنما ملكية تشاركية تجمع الاثنين معاً . و( الحرية الاقتصادية مسألة مهمة لكل إنسان .. وإذا كان الإنسان لا يحيا بالخبز وحده فإنه أيضاً لا يحيا بدون ذلك الخبز .. لكي تكون حراً يجب أن تحصل على خبزك) ، الحرية الاقتصادية ـ إن كل إنسان يملك وسائل إشباع حاجاته ، لايمكن أن تكون هنالك ديمقراطية بدون حرية اقتصادية )
أن الدولة الماركسية جمعت في يدها السلطان الاقتصادي والسياسي ، والدولة الليبرالية تتولى شأن المجتمع السياسي دون أن تتدخل في السلطان الاقتصادي الذي يترك في يد طبقة معينة بينما الكتاب الأخضر المتمثل في النظرية العالمية الثالثة يعترف للدولة بدور مهم في الاقتصاد ، ويجعل الدولة أساساً هم الناس أنفسهم .
إن الفكر الجماهيري أكثر واقعية مما يعتقده بعض الناس وإن كل الاقتصاديين النزهاء يدركون أن ثمة مشاريع لايمكن أن تقوم بها إلا الدولة خاصة في مجتمعات هي في طور النمو أو أن العدالة الاجتماعية تتطلب القيام بها.. وهنا أبرز تدخلات الدول لإنقاذ أوضاع اقتصادية متأزمة في بلدانهم