استعرض “معهد شاتهام هاوس” البريطاني لدراسات الشؤون الدولية الوضع في العراق، قبيل بدء عملية الانسحاب الأميركي والتي يأتي توقيتها “ملائماً للأميركيين لا العراقيين”. ورسم “معهد شاتهام” صورة قاتمة عما ستؤول إليه الأوضاع في العراق. وليزيد الطين بلة، خلص إلى أن “الانفصال حتمي”، بمعنى أن مغادرة الأميركيين وفق الجدول المقرر لن تتغير، وهذا أفضل، بنظر “شاتهام” لأن “تسلّم العراقيين مسؤولية بلادهم هو الحل الوحيد لمشاكلهم”.وقالت المحللة السياسية في “معهد شاتهام” راشيل شنيللر، في تقريرها، أن “الانسحاب الأميركي من العراق سيبدأ في آب/اغسطس، أي خلال شهر رمضان”، وهو موعد اعتبرته “مؤاتياً للدورة السياسية الأميركية لا للظروف في العراق”، لأن “شهر رمضان غالباً ما يشهد تزايداً في مستوى العنف”.وبعدما أشارت إلى أن فكرة “تأخير الانسحاب الأميركي عاماً آخر، يعني أن الحرب على العراق، تجاوزت في طولها الحرب على فيتنام”، قالت شنيللر، بلهجة انتقادية، أن هذه الحرب “لم تكن، منذ بدايتها مبرَّرة لا قانونياً ولا استراتيجياً ولا دفاعياً، لذا فإن الوقت حان لإنهاء تورطنا العسكري في العراق”.ولفتت المحللة في “شاتهام هاوس” إلى أن “المبرر الوحيد الذي تلجأ” إليه الولايات المتحدة من أجل تبرير ما أسمته “إدمانها على العراق” وإنفاقها أموال دافعي الضرائب الهائلة من أجل الحفاظ على تواجدها هناك، هو أنها “تزعم بأن جنودها يحولون دون ان يقتل العراقيون بعضهم بعضاً، ويحولون دون أن تنهار الحكومة العراقية”. والعراقيون ليسوا أفضل حالاً، فهم، برأي شنيللر، “يعتمدون بشدة على الجيش الأميركي، حتى أنهم حين يدعون إلى الانسحاب فإنهم يقومون بذلك من أجل كسب النقاط والشعبية في تنافسهم مع خصومهم”. وخلصت الباحثة في “شاتهام” إلى أن العلاقة بين الجانبين “ليست صحية، وحيث يتكل كل طرف على الآخر”، ما يجعل من “الانسحاب انسحاباً بكل معنى الكلمة (في تلميح إلى عملية انسحاب السم من جسم المدمن على المخدرات والذي يخضع لعملية تأهيل)، أي أنه قد يحدث المزيد من الأضرار، إذا لم يتم بطريقة مسؤولة”.ووصفت الكاتبة في “شاتهام” الوضع في العراق بأنه “يعيش حالة فوضى، ومن المرجح أن يزداد سوءاً. وليس هناك ما يمكن أن يقوم به الجيش الأميركي لتجنّب ذلك”، مشيرةً إلى أن البعض “يحذّر من احتمال عودة إراقة الدماء المذهبية، ، وثمة من يشتكي من انعدام كفاءة القوى الأمنية الحكومية”.هي مخاطر “حقيقية جداً”، قالت شنيللر، ولكنها آثرت التحذير من أن “تصاعد العنف يجب ألا يبرر البتة أن تقوم الولايات المتحدة بأخذ جرعة أخرى من العراق”، في تشبيه إلى وضع المدمن، الذي يخشى من صعوبة تخلّصه من إدمانه، فيعود ليأخذ حقنة أخرى، تعيده إلى المربع الأول من إدمانه. واستعرضت الكاتبة في “شاتهام” مزايا الانسحاب الأميركي، فهو لن يبقي امام تنظيم القاعدة في العراق بعد الانسحاب، سوى القليل من الأهداف ليحاول مهاجمتها، وبهذا سيتقلّص حضوره”، بحسب شنيللر التي استعرضت أيضاً أوضاع أياد علاوي “الذي نفّرت أسفاره الكثيرة إلى الدول الخليجية الشيعة”، ونوري المالكي “الذي يقبض على كرسيه حتى ولو كانت البلاد تهتز من حوله”.ورأت الكاتبة في “شاتهام” أنه إذا تمكن العراقيون من تشكيل حكومة قبيل بدء الانسحاب فإن أي حكومة ستقصي واحدة من المجموعات الديموغرافية الأبرز، سواء الكرد او السنة او الشيعة”.إزاء هذا المشهد “القاتم”، اقترحت الكاتبة في “شاتهام” على العراقيين “التركيز على مسألتين، أولهما معالجة قضية الكهرباء، وثانيهما القيام بإصلاحات دستورية”. كما اقترحت على الأميركي “الانسحاب بمسؤولية، لأن تجاهلنا لمسؤولياتنا سيسمح بحدوث كارثة في ما يتعلّق بحقوق الإنسان في العراق”، والتعبير لعضو الكونغرس الأميركي براد شيرمان.وأوضحت شنيللر أن شيرمان كان “يلمح إلى منظمة مجاهدي خلق المعارضة الإيرانية، والتي يقبع ثلاثة آلاف من انصارها في مخيم أشرف في العراق”، وأي انسحاب غير مسؤول “قد يدفع كل من إيران والحكومة في العراق إلى الهياج، فكلاهما يسعيان إلى الانتقام من المنظمة”. والوضع نفسه قد ينطبق على عناصر “مجالس الصحوة”.