صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

معادلات واقعية ..وسام داوود

تغيب الروح حين تغيب عن دمشق ,هذه المدينة التي تمر الآلهة من فوقها من دون أن تشعر بهم ,من يغيب عن مشهد العاصمة السورية وعن ملامسة روحها يوميا تفقد حواسه القدرة على تحسس روح العالم .هذه الروح المعذبة اليوم في جهنم الإرهاب الدولي ,إرهاب خبرته دمشق منذ الشكل الأول للهمجية قبل آلاف السنين. تسير أحداث الحرب اليوم بأشكالها المتعددة وفي مسارات مختلفة وتتشعب نحو تفاصيل دقيقة ترتبط في سلسلة معقدة من المشابك المحلية والإقليمية والدولية, ومن يراقب هذا المشهد المعقد يتراجع خطوة إلى الوراء وينتظر من سيصل خط النهاية ,هل هو الإرهاب بأحد صيغه وأشكاله المجمّلة ؟ أم صيغة الحضارة الإنسانية بوجهها الدمشقي الجديد والمتجدد ؟ وهنا يجب على المنتظر أن لا يرجو تحقيق أمانيه فقط بل عليه أن يلتفت إلى الوراء ليلتقط منه حقيقة للحاضر . بواقعية المؤمن بحتمية النصر الحضاري لا المتمنّي فقط ,تقود دمشق العالم وروحه إلى حيث تريد ,ولكن على طريقة أن في كل خطوة درس وعبرة ,سواء في السياسية أو الاقتصاد والمجتمع . في السياسية على المنتظرين أن لا يصدقوا الجلبة وكثرة التصريحات وتغير الوجوه والمتحدثين فالكل يغير ويناور ويحاول من زاويته اللعب على قدرية ثابتة في هذا الكون وهي الجاذبية الحضارية والإنسانية لشعب هذه المنطقة, وقدرته على اللعب مع الزمن لعبة التخفي والهوامش الضيقة ,ونقل مركز تلك الجاذبية إلى بقع أخرى من هذا الكوكب. في واشنطن حيث تقاد اليوم دفة الكوكب يدرك ملاحو السياسية أنهم يدورون في حلقة مفرغة , فلا محركاتهم العسكرية والاقتصادية قادرة على الابتعاد عن هذه المنطقة وكسر قوة جاذبيتها, ولا هم بقادرين على الاقتراب أكثر خشية طحنهم بين أحجار رحاها الصلبة ,والتي طحنت قبلهم الكثير من الطامحين والمغامرين والإرهابيين أيضا . دونالد ترامب ينتظر ويراقب ويبحث من بعيد وهو في المائة يوم الأولى كيف يمكن له إيجاد صيغة جديدة تجنبه مأزق الابتعاد أكثر أو الاقتراب أكثر من اللازم مما يجري في سورية, كون كل السيناريوهات المعدة من مراكز الدراسات الاستخبارية لم تجدِ نفعا ولم توصل إلى نتائج يمكن التأسيس عليها وإنما زادت الأمور تعقيدا وتشابكا بين المستويات الثلاث للأزمة في سورية, وهي المحلية والإقليمية والدولية . وباتت معادلات واقعية قدرية جديدة تفرض نفسها وهي مسألة أن الحل هو بيد من وضعوا في مواجهة بعضهم ,سواء في سورية أو في العراق, وبالتالي التخلي عن معادلة أن بداية الحل هو من آخر مرحلة أو مستوى للأزمة ,كما تقتضي حتمية المعادلات الرياضية , وباتت المعادلة تقول اليوم إنه يجب العودة والانطلاقة من المستوى الأول للأزمة, أي من حيث بدأت وإعادة ترميم ما تم تفتيته من مفاصل الهيكل الديمغرافي للمنطقة .وهذه المعادلة باتت هي فعلا الخيار الأوحد بعد وصول أصحاب القرار الدولي إلى مأزق حقيقي بات يهدد الكوكب بسلسة انفجارات وتفجيرات كارثية قد تودي بمنظومة عالمية ,دفع لتكريسها الكثير من المال والدماء في حربين عالميتين , ومئات الحروب الجانبية , كون شكل المنطقة الديمغرافي والثقافي أساس وحجر زاوية في هيكل العالم كله, وهو يتجلى كثيرا فيما أحدثته الحرب على سورية والعراق من شرخ وخطوط طولية وعرضية في المجتمعات الغربية وحتى الشرقية, جعلت من تلك المجتمعات أكثر هشاشة وقابلية للكسر والتفتت .وهذا مالا يرغب عقلاء العالم حدوثه , ويمكن أن تكون النصيحة في هذا الاتجاه بالعودة إلى التاريخ الذي سيخبرنا بأنه طالما سوراقيا بخير فكل مشاكل العالم تحل أو يمكنها أن تجد طريقها إلى الحل والعكس ليس صحيحا

Facebook
Twitter