عبدالكريم قاسم يعتقل الجواهري ويفرج عنه بكفالة قيمتها خمسون فلسا فقط
تقديم:
( الاستاذ مظهر عارف، الكاتب والصحفي الكبير المعروف الذي عرفناه فاحصا حصيفا ومستقرئا مدببا لتحولات الانواء السياسية في العراق والوطن العربي والعالم، يميط في سلسلة الاستذكارات التي تنشرها (الصحيفة العربية) اللثام عن وقائع تاريخية كان هو طرفا مباشرا او غير مباشر فيها، واذ نضعها بين ايدي القراء الكرام نتعشم ان تكون لها منفعة اعتبارية للوطن والمواطن … المحرر)
- عن الصحافة والبكر وعامر عبدالله
في ستينيات القرن الماضي رفضت نشر مقال حوله لي مسؤول الصحيفة التي كنت اعمل فيها الشهيد عدنان البراك بقلم عامر عبداالله فأثار ذلك غضبه وذهب الى البراك احتجاجا على تصرفي غير اللائق وغير الاخلاقي والمعبر عن الجهل من قبلي بتاريخه النضالي والسياسي حسب اقواله وكان رد عدنان على ذلك بانه يتفق مع رأيي بعدم صلاحية المقال للنشر.
وفي عام. ١٩٦٩ حصل لي الشهيد عبد الخالق السامرائي على موافقة وزير الاعلام عبد الله السامرائي على اصدار صحيفة اسبوعية باسم الطريق اثارت قلق طارق عزيز رئيس تحرير صحيفة الثورة التي كنت اعمل فيها وطلب مني غلقها وجلال الطالباني الذي كان يقوم باصدار صحيفة النور وكان السبب في كل ذلك الخشية من تأثير الصحيفة المستقلة على مبيعات الصحيفتين المذكورتين فيما قدم عامر عبد الله كما قال ذلك عبد الخالق احتجاجا باسم الحزب الشيوعي رفضه الشهيد السامرائي ضد اصدار الطريق التي تشكل استفزازا للحزب وخرقا للاتفاقات بينه وبين حزب البعث خصوصا وان صحيفة الحزب المركزية تحمل اسم طريق الشعب طبقا لاقوال عبدالله وعندما تعرض العشرات من الصحفيين من غير البعثيين لحملة مكارثية تم بموجبها نقلهم الى خارج مهنة الصحافة والى وزارات اخرى بقرار من
البكر ووفقا لتقاريرلجنة قادها تايه عبد الكريم وضمت حسن العلوي وصباح سلمان وصباح ياسين وهاني وهيب وعبد الرحيم الشريفي التقيت وزير الصحة وكالة بسبب سفر الوزير الاصلي رياض حسين الى الخارج عامر عبدالله بعد مراجعتي انا وسلام مسافر وخالد الحلي الى الوزارة التي نقلنا اليها ومعنا الراحل سعودالناصري فقلت له بعد سلامي عليه احذر من الشرطي الذي يفتح لك باب السيارة هذا اليوم فغدا سوف يقوم باعتقالك وضحك عندما قلت له اننا ابلغنا
في الوزارة باننا نسبنا بالعمل في قسم الاوراق وبعد انهيار التحالف مع البعثيين قال عمر عبدالله لمقربين منه في لندن ان البكر طلب من الحزب الشيوعي مرة دعم انقلاب يعد له ضد صدام حسين وان الحزب عد ذلك خطة لتصفيته فرفض ذلك الطلب.
- عندما اغضبت عبد الكريم قاسم
كانت الساعة تقترب من الثامنة في ذلك المساء الحار عندما دخل عبد الكريم قاسم الى مقر اتحاد الادباء وكنت اعمل انذاك في صحيفة الثورة واصطحبت معي الى هناك نجل مالك الصحيفة وصديق قاسم الشخصي يونس الطائي ضياء ابن السنة العاشرة اواقل اواكبر قليلا من ذلك لتناول العشاء في حديقة نادي الاتحا.
كان الجواهري رئيس الاتحاد ونقيب الصحفيين يتصدر المائدة التي ضمت اصدقاء اخرين وقد ترك مكانه على الفور لاستقبال الرجل الذي تعمد الاساءة اليه مرة عندما امر باعتقاله دون ان يظهر مسؤوليته الشخصية عن هذا الاعتقال ومرة عندما امر باطلاق سراحه بكفالة مالية لا تزيد عن خمسىن فلسا كما قال لي انذاك صديقي الوثيق الصلة بالجواهري الشاعر الراحل رشدي العامل ولم تمض سوى دقائق على جلوسه مع الجواهري عندما تسللت الى هناك رغم وجود ثلاثة من افراد حمايته يقودهم كريم الجدة مستغلا تجمع بعض الادباء وضيوفهم الذين كانوا في النادي انذاك وراحوا يهتفون ماكوا زعيم الا كريم وغير ذلك من الهتافات لم يترك لي شاعر العرب الاكبر ورئيسي في الاتحاد ونقيبي فرصة تقديم نفسي لقاسم فقد فعل هوذلك نيابة عني ولكني قدمت للزعيم نجل يونس الطائي فقبله وسأله عن والده وسألته بلا مقدمات عن المدة التي ستنتهي عندها فترة الانتقال ويوضع بعدها دستور دائم للبلاد فأثار هذا السؤال غضبه و نهض من مكانه وخاطبني باعلى صوته (اسمع ايها الاخ السائل) فتقدم الجدة ومعه افراد الحماية نحو الزعيم وطلبوا من الحاضرين التراجع للوراء بينما رحت اهرول الى الخارج ومعي ضياء خوفا من الاعتقال وعدت الى مقر الجريدة وبعد ساعة من ذلك ابلغني الطائي ان قاسم منزعج من سؤالي وانه موجود معه الان في مقره بوزارة الدفاع فطلبت منه ان يبلغ الزعيم اعتذاري وقراءة عدد الثورة ليوم غد وقد حمل عنوانها الرئيسي انذاك نقلا عن الزعيم التالي. فترة الانتقال تنتهي قريبا والدستور الدائم في الطريق فارسل لي قاسم عند ذاك كلمة شكر وهدية مالية
- الجواهري وقاسم باتحاد الادباء
كانت الساعة تشير الى التاسعة مساء عندما دخل عبد الكريم قاسم الى حديقة نادي اتحاد الادباء مع وصفي طاهر وعبد الكريم الجده٠٠كان هناك عدد قليل من الادباء وضيوفهم قد وزعوا انفسهم على موائدهم في حديقة النادي ٠٠بينما ضمت مائدتنا الجواهري وشمران الياسري ورشدي وماجد العامل وانا وربما عزيز سباهي ايضا٠٠ في الليلة السابقة كان يوجد معنا ايضا فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب وانذاك قام احدهم واعلن عن بيت من الشعر وطلب معرفة
صاحبه واستاذن من الجواهري تسمية اثنين من الشعراء للاشراف على هذه ( المسابقة ) كما وصفها ورحب بوجود المهداوي وحثه على المشاركة. وقد. فاز المهداوي على المشاركين الذين يتقدمهم الجواهري نفسه الذي نسب بيت الشعر للبحتري بينما قال المهداوي انه من قصيدة ابي تمام وقرا القصيدة بأكملها ٠٠نهضنا جميعا من موائدنا ورحنا نحاول التخلص من قناني المشروبات الكحولية فيما راح الجواهري يعانق عبد الكريم ويتعمد اطالة الوقوف معه لحين الانتهاء من تهيئة المكان لجلوسه وترتيب الموائد٠٠
جلس قاسم والجواهري وحدهما على اريكه بينما جلسنا نحن خلفهما مباشرة وجلس باقي الادباء وضيوفهم بعدنا.
بعد دقائق نهض الجواهري ورحب عبر المايكرفون الذي وضع على عجل٠٠ب (الزعيم الامين٠٠ابن الشعب البار عبد الكريم قاسم ) الذي كان امر باعتقال الجواهري واطلق سراحه بكفالة مهينة دون ان يذكر اسمه في هذه (الجريمة ) وذلك في اطار تراجعه عن ابسط مظاهر الديمقرطية ارضاء لليمين المتامر على حكومته ذاتها وفي مقدمتها حرية الرأي وخاطب الجواهري قاسم )نحن مجموعة الصحفيين يا سيدي بلية بيضاء ونحن نتمنى ياسيدي ان يطلق سراح زميلتنا الكبرى صوت الاحرار وان لا يقاضى صحفي امام المحاكم ) وهنا نهض عبد الكريم من مكانه وتوجه نحو المايكرفون
وصافح الجواهري وقال ( لقد انتدبنا نقيبكم ) وقبل ان يكمل عبارته مط الجواهري شفته كتعبير من قبله عن عدم معرفته بذلك فاثار بحركته هذه موجة من التصفيق والضحك دفعت بقاسم الى النزول من المنصة يتبعه الجواهري وعادا الى مكان جلوسهما السابق فيما صعد شمران المعروف باسم (ابو كاطع ) على المنصة وقال ان مؤذنا في احدى القرى رفع
اذان المغرب وسط عاصفة رملية حجبت كل شئ عن الرؤيا اذ لم تكن هناك كهرباء ولا توجد اجهزة راديو ولا مايكروفونات وسماعات وعندما صاح حي على الفلاح٠٠ طلعت الشمس فراح يكرر عبارة (جذبت والله جذبت ) وهنا نهض قاسم من مكانه واسرع بالخروج دون ان يودع حتى الجواهري الذي تبعه لتوديعه قبل صعوده الى سيارته (يتبع في العدد المقبل).