كتبت: نادية العبيدي
يجي يوم إنلم حزن الايام
وإثياب الصبر
وإنرد لهلنا
يجي ذاك اليوم
لجن آني خايف
كبل ذاك اليوم
تاكلني العجارب
صافيناز كاظم: النواب عراق افترش العالم واخترق الحدود ونقاط التفتيش
غناء النواب المتفجع يحلق عبر ازمنة الالام العراقية جاذبا معه نداءات الاستغاثة البشرية
لماذا يطلب الشاعر الراحل محمود درويش سماع الاغنية العراقية (جي مالي والي)؟
كيف حفر النواب نفقا في سجن الحلة الرهيب كي يهرب الى حريته ؟
نحت مظفر النواب بأزميله العذب مدنا سحرية تعج بالحسناوات الشعرية الخلابة
الكثيرون ممن يلفطون اليوم الملايين من أثداء خزينتنا المكتنزه بالدر العراقي الثري لا يساوون والله شسع نعل مظفر
هو نهر ولكن للشعر
وهو نهر ولكن للابداع
وهو نهر ولكن للتمرد النبيل
وللثورة المدافة بطين احلام الفقراء
هو احد النقوش التاريخية على مسلة الابداع العراقي العظيم
هو مظفر النواب
القامة الشعرية العربية التي لاتشبه اية قامة
ولا تشبهها اية قامة
هو مظفر النواب
الرمز السري للشجن العراقي
والثورة العر اقية
هذا الرمز يعاني الامرين الان: تهالك صحته وبعده عن بغداد التي عشق.
قالت فيه المبدعة اليسارية العربية صافيناز كاظم: كلمة من هنا وخبر من هناك، فهمت منه أن الشاعر مظفر النواب يعاني من مرض خطير، وأنه حاليا يعالج في لندن أو دمشق. إذن فقد عرفت، أخيرا، ولو بالتقريب، أين يحط مظفر النواب رحاله بعد أن ضاعت منا أخباره في الدنيا الواسعة، محروما من العراق، حتى صار بذاته عراقا كاملا مفترشا العالم، مخترقا الحدود ونقاط التفتيش مواصلا الحسم: «جرح صويحب بعطابه ما يلتم…». كان ديوان مظفر النواب «الريل وحمد» دائما أمامي، ولكني حين بحثت عنه امتلأت يداي بغبار مكتبتي ولم أجده. «مظفر النواب»، شاعر الوجع العراقي العظيم، قابلته لأول مرة عام 1969 في دمشق، ظل رحالة بين العواصم العربية ولا يمكنه العودة إلى بغداد، إلى «شريعة النواب»، المنسوبة إلى عائلته والمنسوجة في الغناء الشعبي العراقي.
في دمشق سوريا، وفي القاهرة المصرية، وفي طرابلس ليبيا، كان التقائي بمظفر النواب يأتي قدرا، وكان غناؤه المتفجع ينتشله، حين يبدأه، من لمّة الجالسين ليحلّق به وحيدا عبر أزمنة الآلام العراقية جاذبا معه نداءات الاستغاثات البشرية. غناؤه مدويا حتى الآن في أذني: «أضحك؟ إيش لون أضحك؟ أبكي؟ إيش لون أبكي؟» ينطق الضاد: ظاء، والكاف: شينا، وفقا للهجة العراقية، التي يصر بها العراقي على أن لغتنا العربية هي: «لغة الضاد»! غناء مظفر النواب مغزول من النحيب والولولة الموسيقية الغائرة كالنصل في القلب. كتلة شعر وموسيقى وغناء، كلها فنون مظفر النواب. الشعر شعره، واللحن والغناء ارتجاليات لحظية كنت أراها عرضا مسرحيا لا مثيل له.
في ديوانه «الريل وحمد»، الذي يعني «القطار وحَمَدْ»، توجد قصيدته عن شهيد من الشعب، هو كل الشعب، اسمه «صويحب»، تصغير لاسم عراقي شائع هو «صاحب»، كنت كلما التقيت بمظفر النواب أبادره بمطلعها الصارخ في الباكيات: «ميْلن لا تنجطن كحل فوك الدم! ميْلن! وردة الخزامة تنكط سم!» وهي كلمات، ما زلت أحفظها، لأم الشهيد «صويحب» التي ترفض البكاء وتقول ما معناه: «ابتعدن! لا تسقطن الكحل فوق الدم! ابتعدن! حلية الأنف الوردة تسقط السُّم»، وكان مظفر ينطلق بعد هذين البيتين بآه ملوعة حين يكمل: «حااااه! شوسع جرحك يا صويحب…»، أي «آاااه! ما أوسع جرحك يا صويحب…» حتى يصل إلى القطع بأن: «جرح صويحب بعطابة ما يلتم…»، أي أن جرح صويحب لا يلتئم بدواء أو ضمادة! ـ ويعذرني العراقيون إذا كانت ذاكرتي قد أخطأت في كلمة مما ذكرت أو شرحت أو أسأت هجاءها لأن الديوان الذي كان أمامي قد تعمد الاختفاء.
دائما يبدو عمرا لا يتحدد بأيام الزمن وسنواته. حين زرت العراق لأول مرة عام 1969 علموني أن الموت عند العراقي هو: الهجرة، هو: النزوح، هو ألا يكون بالعراق يشمه ويحتضنه ويواسيه. كان العراقي إذا انتقل من حي إلى حي، في المدينة نفسها، يشكو اغترابه، أما أول ما تعلمته من غنائهم الشعبي فكان: «شي مالي والي، بو يا اسم الله، متعذبة بدنياي يا بابا، شي مالي والي… بطة وصدتني، صدقة لـ الله، بشريعة النواب يا بابا، بطة وصدتني…»، وهي أنشودة طويلة بلحن غاية في العذوبة، حملتها معي عام 1969 وعلمتها لكل أصدقائي المحبين للغناء في مصر، وكان منهم وقتها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي قال لي، بعد ذلك بسنوات عديدة، إنه كلما حضر حفلا موسيقيا عراقيا طلب منهم غناء «شي ,الي والي…» التي صارت تذكره بوقته في مصر عبر ذبذبات الوجد العراقي.
وتلك الأغنية التي تعني: «كي أن ليس لدي حاميا، متعذبة في دنياي؟»، هي واحدة من أغنيتين شعبيتين عراقيتين تشعلان القلب حنينا والصدر شوقا وأنينا ـ والسجع من عندي غير مقصود ـ والأغنية التي أعنيها هي: «يا زارعا بذر الجوش، ازرع لنا حنة، وجمالنا غربت، واويلي، للشام وما جنّا….يا محبوبي جرحتني داويني، جرحك يا قلب خزّن ولا تسكينة، يا زارعا بذر الجوش، ازرع لنا حنة…» واللحن يمزق الحشايا بالشجن والشكوى أن جرح القلب قد امتلأ بالصديد ولا مواساة يمكن أن تهدئ من الألم. أليس هذا صحيح تماما، وبالنطق العراقي: «جرحك يا كلب خزّن ولا تستشينه..)
ومع صافيناز نقول بابتهال(( يارحمة الله اغيثي.. اغيثي نهر الابداع العراقي مظفر النواب))
لم يكن أحد يعلم أن الطفل الذي تعسرت ولادته، وكاد أن يُجْهَضَ في عام 1934 هو نفسه هذا الشاعر الذي يحفظ الكثيرون من المعجبين به أشعاره ويرددونها في كل محفل، بل إن جدَّه لما أحب أن يسميه مظفرًا لم يسمه مظفرًا اقتناعًا منه بقدرته على المجابهة، قدر اقتناعه أن هذا الطفل الصغير عانى الكثير ليولد!
ولد مظفر النواب لأسرة ذات مستوًى اجتماعي عالٍ، دخل إلى الكتَّاب وهو في سن الثالثة، ثم إلى المدرسة في سن الرابعة، ظهرت إرهاصاته الشاعرة وهو في المدرسة، كان يحب الأوراق تقطيعًا وكتابة، وكان خجولا في البداية إلا أنه تغلب على خجله في ما بعد.
آمن بالمبادئ الشيوعية وصار مناصرًا لها، وبسبب ذلك تعرض للملاحقة والمطاردة. فهرب من البصرة إلى إيران محاولاً الوصول إلى روسيا عن طريق إيران، إلا أنّ المخابرات الإيرانية (السافاك) ألقت عليه القبض قبل أن ينجح في ذلك.
تعرض لما يفوق احتمالات البشر من التعذيب والإهانة، حتى تم تسليمه في نهاية عام 1963 إلى الأمن السياسي العراقي؛ فحُكِم عليه بالإعدام، إلا أنّ مساعي أسرته استطاعت أن تتوسط له لتخفيف الحكم القضائي إلى السجن المؤبد، وقد هرب من السجن عن طريق نفق على طريقة فيلم الهروب الكبير، بشكلٍ دراماتيكي إلى أقصى حد، وظل هاربًا مختبئًا في الأهواز حتى عام 1969م، حين صدر العفو التام عن المعارضين، ولم يلبث أن اعتقل مرة أخرى ثم أطلق سراحه للمرة الثانية بعد وساطة من علي صالح السعدي.
بعد ذلك قام بمغادرة بيروت إلى دمشق، وظل يتنقل بين العواصم العربية والأوروبية إلى أن استقر في دمشق.
أخيرًا يرقد مظفر النواب في بعض المستشفيات يعاني من مرضه الذي أقعده، وأبعده عن الساحة الشعرية، وقد أعطت له سوريا الجنسية السورية بشيء من الفخر
ومظفر النواب شاعر عربي واسع الشهرة ، عرفته عواصم الوطن العربي شاعرا مشردا يشهر أصابعه بالاتهام السياسي ، لمراحل مختلفة من تاريخنا الحديث…
وقد جاءت اتهاماته عميقة وحادة وجارحة وبذيئة أحيانا.. انه يصدر عن رؤية تتجذر معطياتها في أعماق تاريخ المعارضة السياسية العربية ، وتمتد أغصانها في فضاء الروح حتى المطلق.
هو مظفر بن عبدالمجيد النواب ، والنواب تسمية مهنية ، وقد تكون جاءت من النيابة ، أي النائب عن الحاكم ، إذ كانت عائلته في الماضي تحكم إحدى الولايات الهندية.
فهذه العائلة العريقة ، بالأساس ، من شبه الجزيرة العربية ، ثم استقرت في بغداد ، لأنها كانت من سلالة الإمام الورع موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ، الذي مات غيلة بالسم في عصر الخليفة هارون الرشيد ، فهاجرت العائلة ومن يلوذ بها الى الهند باتجاه المقاطعات الشمالية: بنجاب- لكناو-كشمير. ونتيجة لسمعتهم العلمية وشرف نسبهم ، أصبحوا حكاما لتلك الولايات في مرحلة من المراحل.
وبعد استيلاء الإنكليز على الهند ، أبدت العائلة روح المقاومة والمعارضة المباشرة للاحتلال البريطاني للهند ، فاستاء الحاكم الإنكليزي من موقف العائلة المعارض والمعادي للاحتلال والهيمنة البريطانية ، وبعد قمع الثورة الهندية-الوطنية عرض الإنكليز على وجهاء هذه العائلة النفي السياسي على ان يختاروا الدولة التي تروق لهم ، فاختاروا العراق ، موطنهم القديم ، حيث تغفو أمجاد العائلة على حلم الحقيقة ونشوة الماضي الشريف والعتبات المقدسة.. فارتحلوا الى العراق ومعهم ثرواتهم الكبيرة من ذهب ومجوهرات وتحف فنية نفيسة.
ولد مظفر النواب في بغداد-جانب الكرخ في عام 1934 من أسرة ثرية أرستقراطية تتذوق الفنون والموسيقى وتحتفي بالأدب. وفي أثناء دراسته في الصف الثالث الابتدائي اكتشف أستاذه موهبته الفطرية في نظم الشعر وسلامته العروضية ، وفي المرحلة الإعدادية أصبح ينشر ما تجود به قريحته في المجلات الحائطية التي تحرر في المدرسة والمنزل كنشاط ثقافي من قبل طلاب المدرسة.
تابع دراسته في كلية الآداب ببغداد في ظروف اقتصادية صعبة ، حيث تعرض والده الثري الى هزة مالية عنيفة أفقدته ثروته ، وسلبت منه قصره الأنيق الذي كان يموج بندوات ثقافية ، وتقام في ردهاته الاحتفالات بالمناسبات الدينية والحفلات الفنية على مدار العام.
في عام 1963 اضطر لمغادرة العراق ، بعد اشتداد التنافس الدامي بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا الى الملاحقة والمراقبة الشديدة ، من قبل النظام الحاكم ، فكان هروبه الى إيران عن طريق البصرة ، إلا ان المخابرات الإيرانية في تلك الأيام (السافاك) ألقت القبض عليه وهو في طريقه الى روسيا ، حيث أخضع للتحقيق البوليسي وللتعذيب الجسدي والنفسي ، لإرغامه على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها.
في 28/12/1963 سلمته السلطات الإيرانية الى الأمن السياسي العراقي ، فحكمت عليه المحكمة العسكرية هناك بالإعدام ، إلا ان المساعي الحميدة التي بذلها أهله وأقاربه أدت الى تخفيف الحكم القضائي الى السجن المؤبد.
وفي سجنه الصحراوي واسمه (نقرة السلمان( القريب من الحدود السعودية-العراقية ، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل الى سجن (الحلة) الواقع جنوب بغداد.
في هذا السجن الرهيب الموحش قام مظفر النواب ومجموعة من السجناء السياسيين بحفر نفق من الزنزانة المظلمة ، يؤدي الى خارج أسوار السجن ، فأحدث هروبه مع رفاقه ضجة مدوية في أرجاء العراق والدول العربية المجاورة.
وبعد هروبه المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد ، وظل مختفيا فيها ستة أشهر ، ثم توجه الى الجنوب (الأحواز) ، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة. وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع الى سلك التعليم مرة ثانية.
عادت أغنية الشيطان مرة ثانية.. حيث حدثت اعتقالات جديدة في العراق ، فتعرض مظفر النواب الى الاعتقال مرة ثانية ، إلا ان تدخل علي صالح السعدي أدى الى إطلاق سراحه.
غادر بغداد الى بيروت في البداية ، ومن ثم الى دمشق ، وراح ينتقل بين العواصم العربية والأوروبية ، واستقر به المقام أخيرا في دمشق.
كرس مظفر النواب حياته لتجربته الشعرية وتعميقها ، والتصدي للأحداث السياسية التي تلامس وجدانه الذاتي وضميره الوطني
وفي وجع دام وارهاف مسؤول كتب الشاعر جبار عودة الخطاط تحت عنوان ( جيوش الوجع تداهم مظفر النواب) قائلا: علمت من قبل احد الاصدقاء القادمين من سوريا قبل ايام بتردي صحة الشاعر الكبير مظفر النواب فتملكتني مشاعر الحزن والالم .. لذا اجد من قبيل الوفاء لهذا الرمز العراقي الشامخ ان اعيد ما كتبته قبل فترة عن شاعرنا الكبير تحت عنوان ( إنه مظفر النواب ايها السادة ) مع ابتهال الى الله سبحانه وتعالى ان يكلل هام النواب بتاج عافيته.
مو حزن
لكن حزين
مثل بلبل كعد متأخر
لكه البستان
كله إبلايه تين
مثل صندوك العرس
ينباع خردة عشك
من تمضي السنين
بهذه المقاربة الشعرية المؤثرة والتي تحمل في ثنايا سطورها النازفه كل اوجاع وإحباطات السنين العجاف يصف الشاعر الكبير المناضل مظفر النواب مآل أحواله وهو يصارع آلآم الوحدة والمرض في لجج الغربه
وحين يبادره الدكتور قاسم حسين صالح في رد يكتنز كل محبة العراقيين له فيقول :
– لا يمكن ان يصير مظفر النواب مثل صندوق العرس الذي يباع ( خردة عشك ) !..يأتي جواب مظفر النواب بضلع كسير :
– هاي تبقه يم العراقيين وأنا حزين على الناس أولا وعلى المبدعين وعلى الوضع العالمي وحزني حزن شجاع جسور …يحاول حرق خبايا تبدو غريبه لكنها اقرب الى الحقيقة !
أولا, شكرا للدكتور قاسم حسين صالح الذي أتحفنا بمحاورته غير الصحفية الحميمه مع الشاعر الرمز مظفر النواب عبر الامسية الدمشقية التي اغبطه عليها حيث جمعه اللقاء بالشاعر الكبير في مقهى الهافانا بدمشق و الذي دأب مظفر على إرتياده وقضاء جل وقته فيه وقد نشرها في الملحق الثقافي لجريدة طريق الشعب في عددها ليوم الاحد 1 أذار 2009
والحق انني تألمت كثيرا لدى قراءتي لما نقله الدكتور قاسم حسين صالح عن الكبير مظفر …فهل حقا إننا هكذا نتعامل بكل هذا الكم الهائل من الجفاء مع رمزنا الكبير مظفر النواب ؟! نتركه يكابد ويلات الغربه القاتله المعمّده بنافورة المرض في شقة صغيرة أعارها له أحد الاشقاء السوريين بدون مقابل…ثم يقوم على خدمته شاب سوري من مريدي مظفر إسمه حازم الشيخ وهو كما يصفه الدكتور قاسم شاب دمث الاخلاق مهذب السلوك يرعى مظفر أكثر مما يفعل الولد لابيه
فهل اصبح قدر رموزنا المزيد من المعاناة والاهمال من حكوماتنا المتعاقبة ؟! يصف شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري حال الرصافي في أواخر ايامه فيقول : ( في تلك الغرفة الجرداء التي لا انساها ابدا وكأنما فيها الآن وكان الرصافي هو الذي ينام عليه , سرير من السرر الرخيصة لولا ان الرصافي هو الذي ينام عليه وكأن هو الان وقد أحس بي وأنا ادب على أطراف أصابعي لئلا اوقضه وكانت الحيرة في اين أجلس إذ ليس في الغرفة كرسي أو خشبة او حتى حجر للجلوس وكأنما هي في هذه الساعة لا غيرها إذ تبددت الحيرة بإستيقاظ الرصافي وبوجودي محلا على طرف السرير فيتحامل على نفسه فألح عليه ملتمسا ألا يفعل فيأبى فأطيع فأتحدث اليه آخر حديث أرجعه قبل ان يموت بأيام وقد أنقضى عصر الرصافي في هذه الغرفة الجرداء ولم يسدل عليه ستار وكان الجو مشمسا والضوء يؤذي العيون وكان الجو على درجة من الحرارة لا يطيقها مريض مثقل لابد من ان يمد عليه الغطاء أحلف صادقا إنه لم يكن في غرفة صاحب هذا الجيل أي ستاره ) !!
نعم …هكذا نكرم رموزنا !!
وان مما يزرع الغصة في الجوانح أن يكون مظفر كما ينقل الدكتور قاسم مصابا بمرض باركنسون رغم ان الدكتور قاسم يقول ان ثمة اعراض خفيفة تشي بهذا المرض بادية على شاعرنا الكبير !
إنـه مظفر النواب…أيها السادة !!
مظفر النواب الذي طالما ضفر لنا بيديه الجميلتين جدائل الجمال والالق الذي يلامس وجعنا العراقي فليت شعري اهكذا يجازى هذا الرمز الذي جمع بين شعريته الفذة كقامة شعرية عربية كبرى وبين مواقفه النضاليه المبدئية. وما اجدر ان اسجل هنا ما عبر عنه المفكر العراقي الشهيد عزيز السيد جاسم واصفا حال الشاعر يقول ( الشاعر كائن لا يطأطئ هامته تحت سقوف الدهاليز والاماكن الضيقة , وإن كانت ترفل بكل الانوار التي تضخها المصابيح المصنوعة ، الشاعر الحقيقي يحمل مشكاته التي يفجر بها نور النهار ، الاسود من الظلمة فما قيمة بهرج ظاهر لنهارات زائفة بإزاء الحقيقة التي يبحث الشاعر عنها فيطارد غيلان الارض وحجب الفضاء وسدفها مخترقا اللجج متجها هناك حيث ترقد الارواح المستنيرة التي تبهت دونها الشمس ) ومظفر النواب هذا الرمز الشفيف الذي أستطاع أن ينحت بأزميله العذب مدنا سحرية تعج بالحسناوات الشعرية الخلابة لتتوهج جمرة الشعر في كفه العراقي النقي هو شيخ شعراء العراق والعرب فهل يعقل ان تنام معاملته التقاعدية في رفوف وزارة المالية العراقية في الوقت الذي يتقاضى فيه الساسة مرتبات خرافية جدا ؟ وهذه أمامنا ما يسمى بالرئاسات الثلاث تتسلم سنويا مليارات الدنانير كمنافع اجتماعية فضلا عن مرتباتهم الخرافية العجيبة ثم اين مجلس النواب العراقي مما يكابده رموزنا الكبار كمظفر النواب ام انهم في وارد الانهماك في ترتيب الامتيازات المالية الهائلة كحصول النواب وجميع افراد عوائلهم على جوازات دبلوماسية مدى الحياة وتخصيص قطع اراض سكنية فاخرة تبلغ مساحتها 600 متر مربع في أي مكان ينتقيه السيد النائب ! ومخصصات اضافية بملايين الدنانير تضاف على مرتباتهم الضخمة وتخصيص مبلغ 200الف دولار لكل نائب لشراء سيارة مدرعة لفخامته !!! وغيرها الكثير الكثير من البلاوي ! هذه لعمري قسمة ضيزى !
أقولها بكل صراحة ان الكثيرين ممن يلفطون اليوم الملايين من أثداء خزينتنا المكتنزه بالدر العراقي الثري لا يساوون والله شسع نعل مظفر بل ان ما هو أدهى وأمر إن بعضهم قد ولغ بدماء العراقيين الابرياء !!
ماذا اقول… ان الصدمة تفوق حد التصور…هذا هو ديدننا دائما نتجاهل مبدعينا ورموزنا الكبار حتى إذا ما لفظوا أشعارهم الاخيرة وغادورا هذه الدنيا السافلة تدافعنا بالمناكب للبكاء عليهم وإقامة الاماسي والمهرجانات و….وو !
لماذا لا نكرمهم وهو يتنفسون بين ظهرانينا إبداعا وفرادة عراقية كي نشعرهم باننا نحاول ان نرد لهم الحد الادنى من إستحقاقهم من فروض تكريمهم والاحتفاء بهم قبل ان يغادرونا نحو العالم الآخر….فلابد ان يأتي اليوم الذي نستقبلهم بالاحضان ليقول لهم الوطن مرحى بنوارس الجمال والحضارة
لابد أن يأتي هذا اليوم وعلينا جميعا ان نبذل قصارى جهودنا حتى ندرك ذلك اليوم
يجي يوم إنلم حزن الايام
وإثياب الصبر
وإنرد لهلنا
يجي ذاك اليوم
لجن آني خايف
كبل ذاك اليوم
تاكلني العجارب
ويختمها مظفر النواب بمقطع يودع فيه كل اوجاعه واسفار روحه الباسقة فيقول :
يجي ذاك اليوم
وإذا ما جاش
إدفنوني على حيلي
وكصتي لبغداد …
ذكرتني كلمات النواب هذه ببيت شعر كتبه العارف و الشاعر الصوفي الشهير جلال الدين الرومي يقول فيه ( بعد أزوفات تربت مادر زميني مجوى
در سينهاي مردم عـارف مزار ماست
وترجمته بالعربية : يا من تبحث عن مرقدي بعد شد الرحال / قبري في صدور العارفين من الرجال !
فمظفر يقول :
يجي ذاك اليوم
وإذا ما جاش
إدفنوني على حيلي
وكصتي لبغداد
نقول نحن عشاق مظفر النواب نقول للكبير مظفر ستبقى سيدي متربعا في واحات قلوبنا المتعطشة لصوتك المترع بالدفء والفرادة اما اذا شاء الله وانتقلت للدار الآخرة قبلنا فكما يقول جلال الدين الرومي قبري في صدور العارفين من الرجال ونحن نقول سيكون قبرك النابض بالحياة والشعر في قلوب الشعراء والشرفاء…أطال الله عمرك سيدي أبا عادل فأنت حقا ولي صالح من أولياء الشعر والنضال الحقيقي
اختم كلامي برسالة شعرية كتبتها الى الرمز الكبير تتحدث بلسان كل العراقيين الذين عشقوا مظفر وانتظروا مظفر فأقول :
الى المبدع الكبير الرمز مظفر النواب :
ياريل وصل حمد
مني سلام وشوك
كله الشِعر ياحمد
الصايته ايلوك
ياملح شِعر العرب
يلشَعر راسك شلب
سافر إبجسمك سفر
وروحك تظل ياوفي
مشتوله وي الكصب
***
ياطير من ينذبح يجفل
يغرّد تعب
يسـَكت إغراب النعب
رفة إجناحك سحر
رفة إجناحك شعر
عندك قصايد نوك
عندك فخاتي شجن
عَ النجمه غنن فوك
عَ النسمة ناحن شوك
***
آنه ارد اروح الحمد
ماروح انه الغيره
وأحجيله …
صارت صدك
وباعوني إبليرة
والليره طلعت شبه
وإشتعلت الحيره
والناس تنطر حمد
يرجع بريل السعد
محمّل أشعار ورد
ويكحّل الديره
آنه ارد أروح الحمد
ماروح أنه الغيره
***
ياريل وصّي حمد
خل يطوي ليل السفر
ويجمع تصاويره
ياريل شنهي العذر
ماتعباه السفر ..
وهوَّ بجحيل العمر
والدنيه فريره
***
ياريل بلكت تمر
توصّل سلام الِشعر
وبوساتنه إبكجه
ياريل اوصل حمد
ياساحر الحِسجه
ياريل لا تشتمر
إضلوعي الك سجه
***
( ياريل صيح بقهر
صيحة عشك ياريل
هودر هواهم ولك
حدر السنابل كطه)
ياريل خاف إتعَثر
بخيال ذيب السِطه
اليحوف نص الليل
ياريل حّمل نده
من هور اِلغموكه
وإخذ الجفن لو رحت
سويه غلك فوكه
وضم النده والدمع
الحوشيه لتبوكه
***
الشعر عندك وطن
والوطن عندك شعر
الوطن عندك جرح
الشعر كمر الصبح
والشعر كيمر ملح
عالناس خضر ضوه
فتّحت باب الِشعر
خليته يشتم هوه
حسيت بيه مخنوك
خاويته من الزغر
وكل ساعه بيه محروك
الشعر عندك شعر
يجري بسواجي الفجر
وعد غيرك اصبح سوك
***
ياحمد هلبت تمر
ويشتعل بينه الحيل
وإنرد ندك اكهوه
ويرجع يشمنه الهيل
مر بينه مره حمد
وصافح صبحنه اريوك
ياريل بلغ حمد مني سلام وشوك
مني سلام
وشووووووووك
مختارات من القصيد النوابي
القدس عروس عروبتكم
من باع فلسطين وأثرى بالله
سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام
ومائدة الدول الكبرى ؟
فإذا أجن الليل
تطق الأكواب بان القدس عروس عروبتنا
أهلا أهلا أهلا
من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة ؟
أقسمت بأعناق أباريق الخمر وما في الكأس من السم
وهذا الثوري المتخم بالصدف البحري ببيروت
تكرش حتى عاد بلا رقبة
أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة
لن يبقى عربي واحد إن بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الكسبة
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ؟؟
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فما أشرفكم
أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة ؟
أولاد القحبة
لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم
لا تهتز لكم قصبة
الآن أعريكم
في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي
في كل زقاق أجد الأزلام أمامي
أصبحت أحاذر حتى الهاتف
حتى الحيطان وحتى الأطفال
أقيء لهذا الأسلوب الفج
وفي بلد عربي كان مجرد مكتوب من أمي
يتأخر في أروقة الدولة شهرين قمريين
تعالوا نتحاكم قدام الصحراء العربية كي تحكم فينا
أعترف الآن أمام الصحراء
بأني مبتذل وبذيء كهزيمتكم.
يا شرفاء المهزومين
ويا حكام المهزومين
ويا جمهورا مهزوما
ما أوسخنا .. ما أوسخنا.. ما أوسخنا ونكابر
ما أوسخنا
لا أستثني أحدا. هل تعترفون
أنا قلت بذيء
رغم بنفسجة الحزن
وإيماض صلاة الماء على سكري
وجنوني للضحك بأخلاق الشارع و الثكنات
ولحس الفخذ الملصق في باب الملهى
يا جمهورا في الليل يداوم في قبو مؤسسة الحزن
سنصبح نحن يهود التاريخ
ونعوي في الصحراء بلا مأوى
هل وطن تحكمه الأفخاذ الملكية ؟
هذا وطن أم مبغى ؟
هل أرض هذه الكرة الأرضية أم وكر ذئاب ؟
ماذا يدعى القصف الأممي على هانوي ؟
ماذا تدعى سمة العصر و تعريص الطرق السلمية ؟
ماذا يدعى استمناء الوضع العربي أمام مشاريع السلم
وشرب الأنخاب مع السافل (فورد) ؟
ماذا يدعى تتقنع بالدين وجوه التجار الأمويين ؟
ماذا يدعى الدولاب الدموي ببغداد ؟
ماذا تدعى الجلسات الصوفية قي الأمم المتحدة ؟
ماذا يدعى إرسال الجيش الإيراني إلى (قابوس) ؟
وقابوس هذا سلطان وطني جدا
لاتربطه رابطة ببريطانيا العظمى
وخلافا لأبيه ولد المذكور من المهد ديمقراطيا
ولذلك فتسامح في لبس النعل ووضع النظارات
فكان أن اعترفت بمآثره الجامعة العربية يحفظها الله
وأحدى صحف الإمبريالية
قد نشرت عرض سفير عربي
يتصرف كالمومس في أحضان الجنرالات
وقدام حفاة (صلالة)
ولمن لا يعرف الشركات النفطية
في الثكنات هناك يراجع قدراته العقلية
ماذا يدعى هذا ؟؟
ماذا يدعي أخذ الجزية في القرن العشرين ؟
ماذا تدعى تبرئة الملك المرتكب السفلس ؟
في التاريخ العربي
و لا يشرب إلا بجماجم أطفال البقعة
أصرخ فيكم
أصرخ أين شهامتكم..؟
إن كنتم عربا.. بشرا.. حيوانات
فالذئبة.. حتى الذئبة تحرس نطفتها
و الكلبة تحرس نطفتها
و النملة تعتز بثقب الأرض
وأما انتم فالقدس عروس عروبتكم
أهلا..
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل السيلانات إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فأي قرون أنتم
أولاد قراد الخيل كفاكم صخبا
خلوها دامية في الشمس بلا قابلة
ستشد ضفائرها وتقيء الحمل عليكم
ستقيء الحمل على عزتكم
ستقيء الحمل على أصوات إذاعتكم
ستقيء الحمل عليكم بيتا بيتا
وستغرز أصبعها في أعينكم
أنتم مغتصبي
حملتم أسلحة تطلق للخلف
وثرثرتم ورقصتم كالدببة
كوني عاقرة أي أرض فلسطين
كوني عاقرة أي أم الشهداء من الآن
فهذا الحمل من الأعداء
ذميم ومخيف
لن تتلقح تلك الأرض بغير اللغة العربية
يا أمراء الغزو فموتوا
سيكون خرابا.. سيكون خرابا
سيكون خرابا
هذي الأمة لابد لها أن تأخذ درسا في التخريب !!
.زرازير البراري
حن وأنا حن
و انحبس ونة ونمتحن
مرخوص بس كت الدمع
شرط الدمع حد الجفن
…
جفنك جنح فراشة غض
و احجاره جفني و ما غمض
يال التمشي بيا ويا النبض
روحي على روحك تنسحن
حن بويه حن
حن عمي حن …
..
..
عيونك زرازير البراري
بكل فرحها بكل نشاط
جناحها بعالي السحر
و الروح مني عوسجة بر
ما وصل ليها الندى
و لا جاسها بكطرة المطر
وصفولي عنك بالنباعي تفيض
و تعليت ليلة ويا القمر
وصفولي عنك كل مسامة تفيض منك عطر
يالحسنك نهر..
تنزل بصدري ويا النفس
و بدمي غصبن تنعجن
و أشهك و اصعدك للسما
بحسرات و بعنة حزن
حن.. حن بوي حن
..
**********
شفافك ولا كولن ورد …..
عنابه معكودة عكد
تمتلي بكد ما تنمرد
لا هي دفو ولا هي برد
أنا بوصفها راح اجن
حن بوي حن
***************
سكتاتك تشكل خواطر بالقلب …
مالي عرف بيهم كبل
مبروم برم الخياط يا ريان
و الخوصر خصر لف العقل
كل كلمة منك …
نبعة البردين .. بالدلال …
ما تحمل ثكل
وصفولي عنك
وردة من قداح ريش جناح
زاهي بالسحر
وصفولي عنك
شال منك غيظ بستان الورد
والنرجس الرايج سكر
حنو طواريز ولحن …
و حنة حمامات السجن
حنة إلي …
و حنة إلك …
واللي يعجبه خلي يحن
حن بويه حن
*************
آنه من أشوفك
يمتلي الماضي الجدب
زهرات بيض من الوفه
وروحي سواجي من الحنين تصير
وأتنبه وكت بيها غفه
يا محجل إن مريت بيه ردود
أرد أردود بالعشرين ….
من عمر الجفه
وأنصف عمر منك
فما أنصفت إلا بالهجر …
والهجر منك ما كفه
حتى الهجر يا روحي
منك ما كفه
وكلبي عله هجرك دوم يحن
حن …
وآنه حن
وأنحبس ونه …
ونمتحن
مجبور أرخصك على الدمع
شرط الدمع حد الجفن