سار ة القاهر : يصفّ الملثمون بضاعتهم على الطاولات التي وضعوها أمامهم مثلما يصف بائع الخضراوات بضاعته في أسواق الفواكه والمزروعات المختلفة ويتهامسون أحيانا بكلمات لا يسمعها المارة في سوق السلاح الأشهر في بغداد في مدينة الصدر.
قنابل يدوية موضوعة في بسطات على جانبي السوق تصطف إلى جانبها صواريخ وقذائف هاون وأسلحة وأعتدة لأسلحة منوعة وذات مناشئ عالمية، يدير هذه البسطات رجال بعضهم ملثمون وآخرون يرتدون نظارات وقبعات تخفي ملامحهم، هكذا يبدو الحال في سوق مريدي المتخصص بالسلاح.
وبرغم ان هذا السوق هو الأشهر في بغداد لكنه ليس الوحيد إذ تنتشر في العاصمة بغداد ظاهرة بيع الاسلحة بكل انواعها في مناطق شعبية تتميز بالنفوذ العشائري ما يجعلها في حصانة عن مداهمات الاجهزة الامنية.
اتسعت ظاهرة سوق السلاح والاتجار بالأسلحة بعد عام 2003 ويعتبر (سوق مريدي) في مدينة الصدر بمثابة البورصة العراقية الممولة لأنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة.
يشهد السوق إقبالاً متزايداً من قبل الراغبين بشراء الأسلحة بانواعها كافة لاستخدامها كسلاح شخصي او لدرء خطر ما او حتى لمجرد التبجح بحمل السلاح.
يقول بائع الأسلحة في سوق باب الشرجي علاء زامل ان الحصول على الاسلحة ليس بالأمر الصعب فهناك طرق عديدة للحصول عليه.
ويؤكد أن من اهم طرق الحصول على الاسلحة المنافذ الحدودية التي لا تحتوي على رقابة ومنها منافذ كردستان ويتم جلب الاسلحة من تركيا مرورا بكردستان وبعدها تصل الأسلحة إلى بغداد.
ويضيف أن الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش المنتشرة في الطرق الخارجية وصولا الى بغداد لا تمانع دخول الاسلحة ويمكن خداعها عن طريق استخدام (هويات خاصة) او رشوتها بالمال اذا تطلب الامر ذلك.
زامل اشار الى ان أكثر هذه الأسلحة يتم الحصول عليها من خلال تسربها من مخازن ووحدات الجيش خصوصا تلك الوحدات العسكرية المتواجدة في جبهات القتال اذ لا يحاسب الجنود على اسلحتهم المفقودة في ساحات الحرب.
وفي حال موت احد المقاتلين فانه يتم تسجيل أنواع من الأسلحة باسمه ويتم سحب عدد من الأسلحة من المخازن وتسجل بذمة المتوفى ثم يتم تسريبها إلى تجار السلاح حسب ما ذكر زامل.
ويضيف ان الطريق الثالثة للحصول على الأسلحة هو شراؤها من مقاتلي فصائل المقاومة التي يحصلون عليها من الجبهات.
زامل يصف هذه الأسلحة بأنها كثيرة وأجود بكثير من الأسلحة الموجودة في وزارة الدفاع، لافتا الى ان بعض ضباط الجيش يرتادون سوق السلاح لاقتناء ما يلزمهم من سلاح.
ويتابع انه يتم استخدام الاسلحة حاليا في النزاعات العشائرية والحماية الشخصية فقلما تجد بيتا في بغداد يخلو من السلاح.
ويواصل انه يجني مع زملائه بائعي وتجار السلاح أموالاً طائلة تصل الى الاف الدولارات يوميا وهذه المبالغ لا يمكن تأمينها من غير هذه المهنة.
وبخصوص إقبال الناس على شراء السلاح يقول زامل ان لديهم زبائن يطلبون انواع الأسلحة والاعتدة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي او عن طريق الاتصال في حال تعذر وصولهم الى السوق لأسباب شتى.
ويسرد قائلا انه ومع ظهور موجة الهجرة غير الشرعية في العام الماضي قام العديد من منتسبي الوزارات الأمنية ببيع أسلحتهم لغرض الحصول على المال ومغادرة البلاد.
أما حسن الياسري فهو الآخر يعمل في تجارة الأسلحة وبيعها في سوق (مريدي) يقول ان اسعار السلاح ترتفع ويزداد الطلب على الأسلحة عند اشتداد الأزمات الامنية والسياسية وان اسعار السلاح تهبط في الأزمات الاقتصادية.
ويضيف نحن نبيع الأسلحة الخفيفة ومنها المسدس الكلوك والرشاشات ومنها الكلاشنكوف و (PKC) وصواريخ الهاون والرصاص بكل انواعه وقذائف الهاون والقنابل اليدوية الدفاعية والهجومية.
الياسري قال إن زبائن سوق السلاح ليسوا الناس العاديين فقط اذ يقصد السوق ضباط ومسؤولون في الدولة إضافة الى الأشخاص العاديين.
ويضيف أن طلب الزبائن يزداد على الأسلحة الخفيفة مثل مسدس برته (16 ملم) الذي يحمله ضباط الجيش وافراد الحمايات الشخصية بشكل خاص ويصل سعره الى (1300) دولار.
ويواصل الياسري سرد انواع الأسلحة الموجودة في السوق فيقول ان مسدس سيزر (13 ملم) و(16 ملم) من افضل انواع المسدسات ويصل سعره الى (1400) دولار.
ومسدس ولتر الذي يحمله ضباط الجيش والشرطة يعد من أفضل الانواع المسدسات في العراق ويمنع حمله لغير منتسبي الاجهزة الامنية ويصل سعره الى (1800) دولار.
اما السلاح الرشاش فهناك عدة انواع من سلاح الكلاشنكوف ومنها ما هو روسي وبلجيكي وروماني وايراني ويوغسلافي ويتجاوز سعر البندقية الواحدة العشرة ملايين دينار.
ويضيف ان هناك أنواعا اخرى من الأسلحة ومنها (RBK 47) وهو سلاح يخترق الدروع العادية ويكثر استخدامه في النزاعات العشائرية.
اما عن سلاح (BKC) فيوجد منها نوعان في سوق السلاح كما يقول الياسري وهي الروسية والإيرانية ويبلغ سعر الواحدة منها (2000) دولار.
وهناك ايضا الرمانات اليدوية وهي قنابل متفجرة يتم رميها باليد لكن ومع تطور السلاح لم تنحصر طريقة قذف الرمانات باليد فقط بل يمكن رميها ايضا بواسطة البندقية وتصل اسعارها الى (50) دولارا للقنبلة اليدوية العادية او كما يسميها العراقيون (الرمانة).
ويتابع الياسري ان هناك أنواعاً من قذائف الهاون تباع في سوق السلاح وتستخدمها المجاميع المسلحة كونها خفيفة ويسهل إخفاؤها والرائج منها في السوق هي قاذفة (RBG) ويبلغ سعر القذيفة الواحدة (1000) دولار او اكثر قليلا.
الياسري اكد ان معظم الأسلحة التي تباع هي أسلحة يمنع القانون حملها من قبل الأشخاص العاديين، لكنه يقول إن باعة السلاح يوفرون لزبائنهم إجازة ترخيص مزورة من خلال المكاتب الموجودة في سوق مريدي وهي مكاتب تضم أشخاصا محترفين في عمليات التزوير.
ويقول الحاج احمد خشان وهو رجل التقيناه وهو يتفحص الاسلحة في السوق ان حالة عدم الاستقرار التي يعيشها العراقيون وغياب الدولة والقانون والأوضاع الأمنية المتردية في العاصمة بغداد دفعت العراقيين الى اقتناء السلاح والتزود به لحماية أنفسهم.
ويضيف الحاج خشان ان وجود التنظيمات والفصائل المسلحة في العراق والاوضاع الامنية في سوريا المجاورة افرزت ازدهار سوق السلاح وانتشار الاسلحة في البيوت ومؤسسات الدولة الامنية وغير الامنية.
ولفت إلى ان المعارك والقتال المتواصل بين العشائر يدفع الناس الى شراء السلاح والاحتفاظ به للدفاع عن النفس طالما تطلب الامر ذلك.
وأشار الى ان معظم الاسلحة التي تعرض في سوق مريدي وفي الباب الشرقي واماكن بيع السلاح الاخرى يمكن الحصول عليها من الجنود الذين يبيعون سلاحهم احيانا بسبب العوز او أولئك الذين يسقطون في المعارك.
ويضيف ان منتسبي الوزارات الأمنية يبيعون الأسلحة في السوق السوداء بعد تسجيلها في سجل المفقودات من اجل الحصول على المال في ظل غياب المسؤولية والرقابة.
وفي ظل تفشي ظاهرة بيع السلاح والاتجار به بشكل علني، لم يخف الناطق باسم عمليات بغداد العميد سعد معن قلقه من هذه الظاهرة، مشيرا الى ان الجهات الامنية تعتقل كل من يخالف قوانين حمل السلاح او بيعه والاتجار به.
معن أشار الى أن مديرية شرطة الإجرام في بغداد تقوم بعمليات دهم مستمرة للأسواق التي يشتبه في بيعها للأسلحة.
وأشار الى ان مديرية شرطة الاجرام القت القبض على عدد ممن يبيعون السلاح او يحملون اسلحة غير مرخصة وصادرت كميات كبيرة من الاسلحة المختلفة وانها تعمل جادة لإنهاء هذه الظاهرة الخطرة التي تهدد امن المواطنين.
وحول تهريب الأسلحة من جبهات القتال من قبل المقاتلين وتسجيل الأسلحة كمفقودات من المقاتلين الذين يسقطون في الجبهات قال معن إن “السلاح الذي كان بذمة من يسقط في المعركة يعود الى المشجب من خلال آمر فصيله من اجل تسجيل براءة ذمته”.
ونفى تهريب الجنود والمقاتلين للاسلحة المختلفة من جبهات القتال لوجود نقاط تفتيش ومفارز امنية تشدد في تفتيش المقاتلين العائدين الى بغداد والمحافظات الجنوبية وتمنع مرور الاسلحة.
ويبدو ان الإجراءات الأمنية التي ذكرها المتحدث باسم عمليات بغداد ماتزال قاصرة عن فرض القانون والحد من هذه الظاهرة المنتشرة بوضوح والتي يعتبرها كثير من المواطنين المسالمين خطرة تهدد الأمن وخاصة في العاصمة بغداد اذ تشجع على القتل وتؤجج فتيل النزاعات العشائرية بشكل غير مسبوق.