صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

مذكرات السيدة تحية كاظم زوجة الزعيم الخالد جمال عبد الناصرعبدالناصر يخصص نزهات عائلته لايصال خطابات الثورة ضد النظام المالكي – الحلقة الثالثة

فى الساعة التاسعة حضر صف ضابط وقال إنه من القيادة العامة فى كوبرى القبة، وإن الذى أرسله البكباشى جمال عبدالناصر ليخبرنى بأنه بخير والحمد لله حضر زائر قبل رجوع جمال من الشغل وجلس فى الصالون ينتظره، وبعد حضور جمال طلب الغداء مع الضيف. ثم حضر الزائر بضع مرات ينتظر جمال ويتغدى معه، وكان المراسلة عندما يفتح الباب له ويدخله الصالون يقول لى: إنه الضيف الذى يحضر وينتظر جناب البكباشى ويتغدى معه.

وطبعا لم يكن يترك ورقة مكتوبا عليها اسمه. قال لى جمال: إنه ضابط مكان شغله ليس فى القاهرة، ويسكن الروضة، وهو الآن حضر فى إجازة.. وكان هذا الزائر أنور السادات وبعد بضعة أشهر والوقت ابتداء صيف سنة 1952 على ما أذكر.. حضر زائر وكان بعد خروج جمال فى المساء قبل المغرب، وكان المراسلة غير موجود ففتحت له الباب وسأل عن البكباشى جمال عبدالناصر، فقلت له إنه خرج.. فكتب ورقة وانتظرته حتى أعطاها لى.. وضعتها فوق البيانو كعادتى، وبعد رجوع جمال أخبرته بحضور الضيف وأنه أعطانى الورقة بعد أن كتبها، وقلت: إنه أسمر شديد السمرة،

 فقال: إنه متزوج حديثا وزوجته بيضاء جدّا.. وكان هذا الضيف أنور السادات نحن الآن فى الأيام السابقة على 23 يوليو ابتداء الصيف.. شهر مايو ويونيو سنة 1952 فى شهر رمضان البيت كما هو.. الحركة والخروج والسهر حتى السحور، وحضور الزوار قبل موعد الإفطار وبعد الإفطار. وانتهى رمضان وكان يوم العيد فنذهب لزيارة أخواتى.. قال لى جمال: نذهب لشقيقاتك فى الجيزة.. وكانت اثنتان تقطنان فى عمارة واحدة. ركبنا العربة.. هدى ومنى وخالد فى الخلف وأنا بجواره أحمل ميدو البيبى . عندما اقتربنا من البيت، وهو على شارع الجيزة نظر لى جمال

وقال: تحبى أمشى بكم شوية للهرم والجو لطيف. قلت له: نعم إنه يسرنى ومعنا الأولاد.. شكرا ومشينا بالعربة فى طريق الهرم، وأوقفها بالقرب من صندوق بريد، وفتح مظروفا كبيرا كان فى العربة وأخرج منه جوابات صغيرة الحجم وعددها كبير.. كمية جوابات، ووضعها فى صندوق البريد ومشى بالعربة حتى قرب الهرم، ثم نظر لى وقال: نرجع بقى؟ قلت: نعم.. وأدركت أنها المنشورات.. ولم أقل كلمة ورجعنا والأولاد من الفسحة فى طريق الهرم لزيارة أخواتى . بعد العيد مباشرة قال لى: عندى إجازة لمدة أسبوعين فقط، وسيكون امتحان الضباط فى كلية أركان حرب وانشغل.. نسافر إسكندرية نقضى عشرة أيام مع الأولاد؟ قلت: نعم نذهب للإسكندرية.. وكنت لم أذهب هناك منذ زواجنا أى منذ ثمانى سنوات، أما هو فقد ذهب مرات قليلة لمدة يوم أو يومين لزيارة والده وإخوته الذين يقيمون بها. وكان ذلك فى يوم 29 يونيو سنة 1952.

 خرجنا فى الصباح فى العربة الأوستن السوداء ومعنا أولادنا للإسكندرية وكان ميعاد زواجنا.. هنأنى وهنأته بعيد زواجنا الثامن، وفى الطريق قال لى: إنها مصادفة.. اليوم عيد زواجنا ونحن نذهب سويّا ومعنا أولادنا بعد ثمانى سنوات منذ ذهابنا سويّا. وقال: هناك سأبقى معك فى الصباح على البلاج حيث أستحم فى البحر مع هدى ومنى وخالد وسأحملهم وأعومهم، وبعد الظهر سأخرج ثم أرجع قبل المغرب وأخرج معكم فى العربة حتى الليل.. يعنى الساعة الثامنة أو التاسعة وأرجعكم اللوكاندة، وكان قد سافر من قبل وحجز لنا فى لوكاندة بسيدى بشر وكانت جديدة البناء وعلى البحر، ثم قال: وبعد ذلك سأخرج بمفردى لأقابل ضباطا هناك.. فقلت له بالحرف: هم إياهم دول برضه رايحين ورانا فى إسكندرية؟

فضحك جدّا وهأهأ من كلمة إياهم وقال: كثير منهم سبقنا إلى هناك، ومنهم باقون فى القاهرة كنا فى سيدى بشر وكل الحكومة تسكن سيدى بشر.. وأسمعه يردد اسم حسين سرى ويقول: حسين سرى سافر.. حسين سرى حضر.. وكان منزله بالقرب من اللوكاندة، وكلما مررنا بمنزله فى طريقنا ينظر إليه.. أى منزله، ويردد اسمه وأنا لا ألتفت ولا أشعر بأن وجود حسين سرى فى إسكندرية أو عدم وجوده شىء مهم.. وكنت أرى أنها مجرد ملاحظة كنا نذهب إلى البلاج أمام اللوكاندة ونجلس تحت الشمسية وينزل البحر ويأخذ هدى ومنى وخالد ويعومهم ويحملهم فى المياه.. وأنا جالسة تحت الشمسية ألاحظهم وبجانبى كرسى الأطفال جالس فيه ميدو البيبى الذى لم يتجاوز الثمانية شهور.. ونرجع وقت الغداء، وبعد ذلك يخرج ويغيب حتى الغروب ــ موعد خروجنا ــ ويقول: أنا كنت جالسا قريبا من اللوكاندة فى الكازينو مع بعض الضباط. وبعد أن نمشى بالعربة على الكورنيش يركنها ونتمشى سويّا ساعة غروب الشمس، وفى المساء يوصلنى اللوكاندة وقت العشاء، ثم يخرج وينام الأطفال وأبقى فى الفراندة بعض الوقت وأنام حتى يرجع. فى يوم 10 يولية رجعنا للقاهرة. قبل مغادرتنا إسكندرية قال: نرجع من الطريق الزراعى. فى أثناء عودتنا رأيت اللافتات مكتوبا عليها تفتيش الأمير… تفتيش الباشا… وعليها أسماء لأمراء من الأسرة المالكة وباشوات من الإقطاعيين، والطريق الزراعى أغلبه ملك للملك والأمراء والباشوات

فقلت: كل الأراضى والتفاتيش دى ملك للملك والأسرة والباشوات؟ فنظر لى جمال وأنا بجانبه وقال: سوف لا تكون هناك أراض ولا تفاتيش يملكها أمراء ولا باشوات!.. ولم أنتبه لقوله، ولم أعلق بكلمة ولم أفهم شيئا. رجعنا من إسكندرية، وبعد أيام قليلة حضر أشقاؤه عندنا. والحياة فى البيت كما هى والحركة فى ازدياد بشكل غير معقول.. إذ كان عندما يرجع جمال من الشغل يكون فى انتظاره ضباط، ويبقى معهم ويطلب الغداء ويظل معهم، وعندما يخرج لا يرجع إلا عند طلوع الفجر.. والوقت صيف والجو حار.. أنام وأصحو وأجد الوقت فجرا ولم يحضر.. أقوم وأنتظر حضوره.. أنظر من الشباك.. وظل يخرج بالمسدس الأسبوع الأخير قبل الثورة بعد رجوع جمال إلى البيت بعد طلوع الفجر دخل الحجرة، وبعد أن حيانى كعادته قلت له: إنى أخاف عليك وأخاف التشرد والأولاد.. فرد وقال: يا للأنانية كل ما يهمك فى البلد هو زوجك وأولادك.. عائلتك فقط؟ يعنى أنك لا تفكرين إلا فى نفسك.. وانتهى الحديث ولم أقل كلمة، ومشى ليخرج إلى الصالة فالتفت لى وقال: تعالى نجلس سويّا مع إخوتى فى حجرة المكتب.. إنهم استيقظوا من النوم، وكان شقيقه يضع سريرا فى الحجرة أثناء الليل. جلست معهم.. وبعد قليل استأذنت وقمت لأخرج من الحجرة فقال لى: أين أنت ذاهبة؟

قلت سأذهب لأصلى.. فنظر فى ساعته وقال: أسرعى حتى لا يفوتك وقت صلاة الفجر فالشمس قربت من الشروق.. وبدا على وجهه الارتياح والحب والعطف وحتى الآن لم أفهم ما الهدف وما الغاية.. لم أفهم إلا خطورة ما يجرى أمامى قبل الثورة بأيام قليلة قال لى إنه مشغول جدّا فى امتحان كلية أركان حرب، وإنه يشتغل فى تصحيح أوراق الامتحان، وقال لى: اخرجى واتسلى واذهبى إلى السينما مع أخواتك، واصحبى معك هدى ومنى وخالد ــ وكان عمره سنتين ونصف ــ ليروا ميكى ماوس وتذهبى إلى سينما الفالوجة.. وهى قريبة من منزلنا وممكن نذهب لها مشيا، أو أى سينما تعجبك فى مصر الجديدة وأغلبها صيفى الآن والجو حار.. فقلت: نعم سأذهب.. وبقيت كما أنا سعيدة هانئة كل وقتى مشغول، وذهبت للسينما واصطحبت الأولاد كما قال لى قبل خروجه فى الصباح قال لى: جهزى أكل زيادة لعدد من الضباط.. ويخرج بعضهم ويحضر غيرهم ثم ينصرفون، ويخرج إما بمفرده أو مع واحد منهم ثم يرجع البيت، ويظل يشتغل وينام ساعات قليلة.

 وظل جمال هكذا حتى قبل الثورة بيومين، وفى الليلتين قبل الثورة لم ينم وظل بملابسه العادية جالسا فى حجرة السفرة على الترابيزة يشتغل. وفى الصباح فى الساعة السابعة يدخل الحجرة ليستبدل بملابسه الملابس الرسمية ونتناول الإفطار سويّا، وقبل خروجه يقول لى: جهزى غداء زيادة لأننا سنجلس كالأمس فى تصحيح أوراق الامتحان.. ويحيينى ويخرج وكان عبدالحميد ــ ابنى البالغ من العمر ثمانية شهور ــ قد حصل له توعك، وكنت أريد تغيير غذاءه ويلزم أن يراه الدكتور الذى يعالج أولادنا، فعندما رجع جمال من الشغل فى الظهر دخل كعادته يلاطفه ووجده متوعكا فقلت: أريد الذهاب للدكتور لينظم له غذاءه.. متى لا تكون مشغولا حتى نذهب؟

فقال لى: إنى مشغول جدّا، فاطلبى الدكتور ليحضر هنا أو يمكنك الذهاب فى تاكسى.. وكانت تلك أول مرة لا يجد وقتا للذهاب معى للدكتور، وفى اليوم التالى ذهبت بمفردى. وكان قبل خروجه قد طلب أيضا تجهيز غداء زيادة لعدد من الضباط ليلة الثورة اليوم الثانى والعشرون من يولية سنة 1952 الساعة السابعة صباحا.. دخل جمال الحجرة وكان يلبس الملابس العادية.. القميص والبنطلون ولم ينم طوال الليل.. جلس فى حجرة السفرة يشتغل كالليلة السابقة.. حيانى واستعد للخروج واستبدل بملابسه العادية الملابس العسكرية وتناولنا الإفطار سويّا خرج ورجع عند الظهر، وتناول الغداء مع الضباط وظل معهم فى الصالون وحجرة السفرة وقتا ثم خرج الضيوف.

Facebook
Twitter