احيت مدرسة الامام الخالصي هذا العام ثلاث ذكريات مهمة في تاريخ العراق المعاصر، وهي الذكرى المئوية لحركة الجهاد والمقاومة التي قادها العلماء الاعلام والمجاهدون معهم في سبيل الدفاع عن العراق ضد قوات الاحتلال الانكليزي، وكان على رأس العلماء سماحة الامام الشيخ مهدي الخالصي (رضوان الله عليه) مع الإمامين العلمين المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي والسيد مهدي آل السيد حيدر (رضوان الله عليهما) ويرافقهم جمع كبير من الشيوخ المجاهدين من بغداد والكاظمية وباقي مناطق العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه والتي شكلت بمجموعها محطة مضيئة من محطات التاريخ العراقي، ووضعت بصمة مهمة في مسيرة المرجعية الميدانية المجاهدة التي تحركت بنفسها للدفاع عن المقدسات، وكان لهذا التحرك العلمائي أثره الكبير في زيادة معنويات المقاتلين والمدافعين عن حياض الوطن، وكذلك ما أوجده كتاب الإمام الخالصي (الحسام البتار في جهاد الكفار) الذي كتب في جبهات القتال في جنوب العراق والذي نشر في الصحف العراقية الكبرى آنذاك من حماسة واقدام وتوجه نحو جبهات القتال.
وكذلك مرور خمس وتسعون سنة على انطلاق ثورة العشرين التي انطلقت شرارتها بعد خطاب الامام الراحل الشيخ محمد الخالصي (رضوان الله عليه) بامر من مراجع الدين في زمانه الميرزا الشيرازي والشيخ مهدي الخالصي (رضوان الله تعالى عليهما)، حيث اثبتت هذه الثورة ان شعب العراق بقيادة مرجعياته الدينية لا يقبل الذل والاحتلال ويقدم كل شيء من اجل الحرية والاستقلال الوطني وعدم ولاية الكافر على المسلمن.
ولأجل كل ذلك انطلق ابناء العراق في ثورتهم البطولية التي خلدها التاريخ وكانت درساً موجعاً للاحتلال واذنابه. وفي الثالث عشر من شهر رمضان من كل عام نعيش ذكرى شهادة المرجع الكبير الامام الشيخ مهدي الخالصي (رضوان الله تعالى عليه) في بلاد ايران على يد اتباع القنصلية البريطانية وجواسيسها، بعد ان رفض الخضوع للضغوط التي مورست عليه في بلاده أو منفاه في ايران، وكان له الاثر الواضح في تحركات الشعب العراقي والتفافهم حوله خصوصاً بعد ان قاد جموع المجاهدين بنفسه في معارك الجنوب ضد الجيش البريطاني ثم القيادة الميدانية لحركة المعارضة التي شكلت ضغطاً كبيراً وحرجاً واضحاً على الحكومة البريطانية والمتعاونين معها، خصوصاً بعد الفتاوى التي أجمع العراقيون في كل فرقهم ومللهم على الالتزام بها وذلك لمقاطعة مشروع الانتخابات التي أرادوا منها تمرير العملية السياسية الاستعمارية آنذاك وتثبيت المعاهدة البريطانية على العراق، وكان لموقفه الرافض في التوقيع على وثيقة التنازل والاستسلام التي وقعها بعض العلماء ودعوته اياهم للترجع عنها وان يكونوا في خندق المقاومة والتحرك من اجل اخراج المحتل البريطاني من ارض العراق اثره في الجريمة التي ارتكبت بحقه، لتجري مؤامرة اسكاته وقتله بالسم على يد بعض الجواسيس الذين زرعتهم القنصلية البريطانية في منفاه في بلاد ايران في ليلة مباركة من شهر الله الفضيل وبعد الافطار مباشرة ليلبي نداء ربه راضياً مرضياً.
وقد كان الحفل برعاية مدرسة الامام الراحل الكبير وبحضور حفيده وسميه الامام الشيخ محمد مهدي الخالصي، وشارك في الاحتفال جمع كبير من علماء الدين وطلبة الحوزة العلمية في النجف الاشرف ووفد من المجمع الفقهي لعلماء العراق ووفد من هيئة الافتاء لأهل السنة، ووفد ترأسه سماحة السيد احمد الواعظ نجل آية الله العظمى المرحوم السيد محمد مهدي الواعظ، ووفد من مكتب الشهيد الصدر برئاسة السيد حازم الاعرجي، ووفد ترأسه سماحة السيد عماد العلوي، ووفد من قادة وأبناء المقاومة الاسلامية والقوى الشعبية المتحدة لمواجهة مخطط الارهاب والتقسيم، بالاضافة الى عدد كبير من شيوخ العشائر الذين حضروا من مختلف مدن العراق ليعربوا عن ولائهم وتمسكهم بمنهج هذه المدرسة ومرجعيتها التي علمت الجميع دروس الثبات والمقاومة ورفض الخضوع للظالمين، وكذلك شارك في هذا الحدث الكبير شخصيات وطنية وأكاديمية ومثقفون وباحثون متخصصون بتاريخ العراق الحديث، حيث كانت لهم مشاركة في هذا المهرجان التاريخي، وكذلك شعراء العراق الذين تغنوا بقصائدهم المعبرة تخليداً لهذه الذكريات الخالدة، وجمع غفير من المؤمنين الذين حضروا الى مدرسة الامام الخالصي مبكرين ليكون لهم موقفهم مع هذه الذكريات العظيمة والكبيرة. وكان برنامج الاحتفال كالتالي: قراءة القران الكريم تبركاً بالافتتاح، ثم بعدها ارتقى المنبر سماحة الشيخ علي الجبوري ليلقي كلمة ترحيبية بالمناسبة وشاكراً كل من حضر هذه الامسية المباركة في سنة مميزة جمعت ثلاث ذكريات مهمة في تاريخ العراق أولاً وتاريخ مدرسة الإمام الخالصي ثانياً، كون هذه المناسبات الثلاث ترتبط مباشرة بمسيرتها ومرجعيتها المجاهدة وتربط مباشرة بالمرجع الراحل الشيخ مهدي الخالصي الكبير (رضوان الله تعالى عليه)، الذي قاد حركة الجهاد وقاد الثورة ثم كان شهيداً لها من اجل اهدافها، واكد في كلمته على أهمية هذه المناسبات واثرها على حركة هذا الشعب وانهاضه من رقدته وسباته، خصوصاً في هذه الايام التي تعيش الامة فيها اسوأ الظروف واقساها، وتسائل عن اسباب تجاهل الجهات الرسمية عن احياء هذه الذكريات المهمة وعدم الالتفات اليها، والاقسى من ذلك التجاوزات الكبيرة عليها من خلال طمس معالمها ومن ذلك ما جرى على ساحة ثورة العشرين في مدينة النجف الاشرف. بعد ذلك تكلم الاستاذ والباحث الدكتور حميد هدو عن مرجعية الشيخ مهدي الخالصي (رضوان الله تعالى عليه) ودوره الوطني ومسيرة مدرسة الامام الخالصي وتواصلها مع حركة الجهاد والمقاومة ورفض الظلم والظالمين، فضلا عن مقارعة المحتلين سواء في الاحتلال البريطاني أو الاحتلال الامريكي اليوم، وأكد ان ثوابت هذه المدرسة لم تتغير منذ أن اسست والى يومنا هذا، ثم تطرق على أهمية قراءة كتابين مهمين يمثلان بنظره – كونه متخصص بالتاريخ_ مرحلة تاريخية مهمة في تاريخ العراق وتاريخ المرجعية المجاهدة لابد من الاستفادة منها في كتابة تاريخ العراق المعاصر وهما (بطل الاسلام الخالد الشيخ مهدي الخالصي وكتاب في سبيل الله للشيخ محمد الخالصي) لكي يطلع الجيل الجديد على دور العلماء الاعلام في صناعة وبناء الاوطان وصيانتها من كل اشكال الاحتلال والانحراف، وكذلك ليعرفوا مرجعيتهم الحقيقية التي قدمت كل شيء من اجل الوطن والدين، ولم تبخل بشيء من أجل ذلك، بل وشاركت بنفسها في حركة الجهاد والمقاومة ولم تنقطع عن الامة في بيان احكام الشريعة وما هو مطلوب من كل مؤمن تجاه دينه وعقيدته ووطنه. وكان للشعر مكانه في هذه المناسبة حيث ألقى السيد أسد الله الحلي حفيد آية الله الفقيه والاستاذ البارز المرحوم السيد مسلم الحسني الحلي قصيدة بالمناسبات الثلاث وكان لذوقه الشعري اثره في صياغة ابياته الشعرية عندما مزج بين الدور المرجعي لمدرسة الامام الخالصي بين الامس واليوم ووحدة المنهج في مسيرتها من خلال الدعوة الى الوحدة بين ابناء الامة والدعوة الى احياء معالم الدين وان يكون الاسلام نصب اعين الجميع. ثم جاءت الكلمة الصادقة وصوت المرجعية المجاهدة على لسان المرجع المجاهد الامام الشيخ محمد مهدي الخالصي (حفظه الله)، حفيد صاحب الذكرى، الذي تحدث مع الحضور وحملهم مسؤولية الكلام الذي يدلي به كونه يمثل الخط الذي رسمه مراجع الجهاد والحد الفاصل بين من يتواصل مع مسيرة احياء الامة والدفاع عنها وبين من كان اداة بيد اعدائها ومنفذي مخططاتها، وقال نحن اليوم إذ نقف بينكم لا لأننا امتداد للشيخ مهدي الخالصي الكبير ولكن اقف بينكم كعراقي مسلم يحمل هموم الامة الساكتة عن حقها والمخدرة والمستهدفة في دينها، ونبه الى حجم المخاطر المحدقة بهذه الامة والدين، وهذه السنة من أقسى السنوات على الاسلام عندما يستهدف من خلال مجاميع مارقة ومسيرة من قبل الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية المجرمة بعنوان (الدولة الاسلامية)، وطالب الجميع بالتمسك بالاسلام الحق الذي يرفض الطائفية والعرقية والعشائرية والاسرية، فلا منجى لهذه الامة الا بالعودة الى دينها الحق، ودعا الحكومة الى بيان موقفها الرسمي تجاه قرار الكونغرس الامريكي الذي يمنع القوات الامريكية من الخروج من العراق، وهو اعتراف سافر باحتلالهم للعراق وعدم خروجهم منه، وان اعلانهم الانسحاب لم يكن الا كذبة اطلقوها ومرروها على السذج من الناس لذر الرماد في العيون، وتسائل اين هو موقف المرجعيات الدينية والزعامات السياسية والمثقفين واصحاب الرأي وابناء الشعب العراقي، لأن سكوتهم يستغل للدلالة على الرضا بالاحتلال واعطائه المشروعية في البقاء. وبعد كلمة المرجع الشيخ الخالصي (حفظه الله) ارتقى المنبر الناطق باسم هيئة الافتاء لأهل السنة سماحة الشيخ عامر البياتي الذي نقل تحيات رئيس الهيئة وشكر مدرسة الامام الخالصي على مواقفها المتميزة دائما والتي تدل على صدق العلاقة مع الله أولا ومع أبناء الامة جميعاً دون تمييز ثانياً، واكد ان المعركة بين الحق والباطل لازالت متوصلة ولابد لكل المخلصين من الوقوف في خندق الحق خصوصاً في هذه الايام العصيبة التي يقتل فيها ابناء الامة على ايدي الجهات التكفيرية خدمة لمشروع اعداء الاسلام والصهيونية العالمية، ولن يتحقق النصر الا بالوحدة تحت راية الاسلام ومناصرة المرجعيات الدينية التي تدعو الى ذلك واجب شرعي على كل مخلص لدينه. ثم جاء دور الشعر من جديد وهذه المرة على لسان الرادود حيدر الانباري الذي ألقى قصيدة حماسية لشاعر الكاظمية الاستاذ صادق الشيخ عبدالكريم، خلد فيها معارك الجهاد وتحرك العلماء ومواقفهم ودور الشيخ مهدي الكبير في كل ذلك وادان في الوقت نفسه الهجمة التي تتعرض لها مدرسة الجهاد والوحدة من قبل اعداء الامة وادواتهم من المتخاذلين والمسيرين، ودور الشيخ الخالصي الحفيد في اعادة امجاد جده الشهيد من خلال مواقفه ضد الاحتلال الامريكي ودعوته الى مقاومته ورفض مشرعه السياسي كما رفضه جده. وكان مسك الختام للباحث السيد محسن العارضي الذي سلط الضوء على تاريخ تأسيس مدرسة الامام الخالصي عام 1911م ومراحل النهوض والرقي فيها وما انتجته مرجعيتها من اسفار علمية وكتب فقية واصولية وتحرك ميداني نابع من سيرة الائمة من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله، ومواقف وطنية كانت الفيصل بين من يريد حرية هذا البلد واستقلاله وسيادته وبين أهل الاطماع والباحثين عن حطام الدنيا، والمتآمرين على البلاد، ثم تطرق الى الدور العلمي لهذه المدرسة وكيف اسمى الشيخ محمد الخالصي جامعته باسم مدينة العلم تيمناً باسم امير المؤمنين (عليه السلام) وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((انا مدينة العلم وعلى بابها))، وتواصل عطاء هذه المدرسة حتى كان آخر محطاته تأسيس كلية مدينة العلم الجامعة باقسامها العلمية والهندسية استجابة لوصية الامام الراحل الشيخ محمد الخالصي (رضوان الله عليه). وتخللت الكلمات اهازيخ شعبية اطلقها الملة عدنان الكاظمي تخيلدا واحياءاً لذكرى حركة الجهاد وثورة العشرين والهوسات والاهازيج التي اطلقت فيها. كما وزعت وثائق مهمة وقع عليها الحاضرون وهي:
1- وثيقة رفض قرار الكونغرس الامريكي وجاء في الوثيقة:
وثيقة حول استقلال العراق وذكرى ثورة العشرين ووفاة الامام الخالصي الكبير بعد قرار الكونغرس الامريكي بإلزام الحكومة بعدم الانسحاب من العراق، تتأكد الحقيقة التي قلناها مراراً، بأن ما أعلن عن سحب قوات الاحتلال لم يكن خروجاً حقيقياً وكاملاً من العراق، وهو أمر واضح ومعلوم لكل المتابعين، ولكن أن يأتي الاعتراف عبر قرار من الكونغرس الامريكي فإنه يشكل إقراراً خطيراً بالتدخل في شؤون العراق عبر سفارتهم في بغداد وما بقي من قواتهم المسلحة ومستشاريهم العسكريين . ونحن إذ نؤكد عبر هذه الوثيقة على استقلال العراق ووجوب خروج كل القوى الاجنبية منه، فإننا نؤكد على ما ورد في خطبة صلاة الجمعة وهي أول جمعة من شهر رمضان وعلى لسان المرجع الشيخ محمد مهدي الخالصي (حفظه الله) على وجوب اجماع العراقيين على المطالبة بهذا الحق واستنكار دعوة الكونغرس واعترافه السافر، والاعلان بأن استقلال العراق ووحدته هو الكفيل بتخليصه من الكوارث والازمات ومنها كارثة الارهاب والتكفير. انسحبوا بقواتكم ومستشاريكم من العراق، تخرج الفتنة والازمة والارهاب معهم 13 رمضان 1436هـ الذكرى التسعون لوفاة الامام الخالصي الكبير 30 حزيران 2015م الذكرى الخامسة والتسعون لثورة العشرين الاسم والتوقيع العنوان