علي السوداني
فأن جادلوك بما يوغر صدرك ويقيح قلبك ويتلف كبدك ويثبط همتك ويقنط روحك ، فخذهم بالتي هي أحسن ، فيخجلوا ويستحيوا وتذهب حجتهم وتتسفه أسانيدهم فيأتونك وحداناَ وزرافات قانطين نادمين بائلين مما جنت أيمانهم ، تالفين منهكين مما طبعت أيسارهم . أخفض لهم جناح الحب والرحمة وأقم متكأ لهم وأقرأ ما تحت يمينك من طيب الكلام وعذبه وبيانه ومبينه المسند بمريح الحجة وعظيم البرهان وجميل السحر ، فأن أعيوك وعييت بالجدل وبالعناد ، فأقرأ عليهم دعاء الأمة التي لعنها الله فوهبها الجدل وأذهب عنها العمل . قالوا أنبذوا الفتى وأعزلوه وجففوا موارده الآدمية حتى يتوب ويعقل ويكتب ما نفهم ونؤمن ونعتقد ، ويهجر ما لا طاقة لنا على بلعه وهضمه واخراجه . ان رموك بعفطة تيس ، ارم عليهم بردتك المبروكة واسترهم وخذهم الى كتاب العرفان والطهر حتى يرعووا فتعود الى مجلسهم فيناوشك واحد مخدة تغرس فوق خاصرتها اللينة ، كوعك ، ويذهب آخر الى فناء المضيف فيترس فنجانك قهوة صرفاَ مرّة صحة وعافية وصحصحة ، ويشيل ثالث سبابته كما تلميذ ابتدائي ويصيح بك : زدنا من شجنك وعلمك وبهائك وقولك الحق ، فأنت والله ممن تطرب له النفس وينشرح به الصدر ويثلج ويستريح ويأنس ، ونحن عصبة عطاشى يستأهلون مرادك وكلمك . قل الدنيا فانية ، فأن قالوا الثانية باقية خالدة ، فأعلم أنهم على هواك ساروا ولقولك قاموا ، فأئتمنهم على ظهرك وأرضك وعرضك ، وان عادوا الى الخناس الوسواس الذي يوسوس في قلوب الناس ، فأصنع بهم ما صنع الرب في أهل لوط والأخدود وصالح ، واعمل لنفسك سفينة عملاقة ، شل بها من كل زوجين أثنين ، فأن تعلق بأذيالك تائب خائف قلبه طافر الى البلعوم ، مرتد عنهم ، قل له : يا فتى اركب معنا فلا عاصم لنا ولا غالب الا الله الرحمن الجليل الرحيم القادر القوي البديع . ها أنت في قلب المعمعة كامن وفي سورة البلبلة متبلبل . القوم أشكال وأصناف ومنازل وكل على شكله وشاكلته يقع وينطبق فلا تحتر ولا تدخ ولا تهن ولا تحزن وانت العارف العالم المتكهن المخمن بما تفعل ويفعلون . احذر واحتسب وتحسّب من الرجل الأصفر وجهه وطقطقة حنجرته لغة جوانية مبطنة ، ورجيف أصابعه وجفاف شفتيه الزرقاوين ، فأن باسك من وجنتيك ورقبتك ، فأعلم أنه سائر الى ذبحك ، فلا تفرد له مجلساَ أو مخدة وامنحه وجهاَ عبوساَ قمطريراَ وأتق شره أذ كنت أحسنت اليه يوم جدب وقحط لا تجارة فيه ولا خلال . اعلم يا فتى ان الناس ألوان كما هي شهور الروم ، فأختر لونك وهواك ، تنجو أنت وعترتك التي أبعد الرب العالي ، الرجس والأثم عنها بقدره وقدرته التي لا تردّ ، فأن أغراك شيطان ديوس دنغوز وفرش قدّامك مائدة نطيحة متردية حرام ، فأهرب منه وتمتم وبسمل بعبك سبع بسملات وأستغفر العالي العالم الرائي ، مائة ومئات وقف له ليلك ، وواصله بنهارك ، حتى يطمئن فؤادك ولا يكون مثلك كمثل أحمق رقيع أرعن جيء به الى متلتلة لحم نطيحة مبهرة متبلة ، هبرة فوق هبر وقيل له : كل من زادنا وأنت أبننا وأبن عمّنا والخال والعترة ، فأكل الغفل لقمة مخمسة ولم يأكلوا نتفة منتفة ، فثنوا عليه ، أن كل من مزيد طعامنا الطيب الحلال ، فخمش الأثول المثولّ لحمة عظمى من خواصر النطيحة البائتة ، ولم يأكلوا وذرة ولم يشفطوا نقيعة منقوعة ، وما زال صاحبنا على هذي الحال من السرط والشفط سائر ومجاهد ، حتى زاع معدته ولفظ كبده وطاح على الأرض ولم يقم حتى قيام القيامة .