زرعت حرب العراق في نفوس الأميركيين (الخوف من المستقبل) وإلى الأبد، بحسب تعبير محلل سياسي، تابع ما قالته 44 صحيفة أميركية مهمة ولها تأثير في الرأي العام الأميركي خلال ساعات الإنذار الـ24 التي وجهها بوش لصدام قبيل إعلان غزو العراق.
ويقول غريغ ميتشيل، المحلل السياسي في مجلة النيشن الأميركية: لقد مرّت الذكرى السابعة لبدء حرب العراق من دون أن تلفت الانتباه في وسائل الإعلام إلا بحيز ضيق. بالرغم من التكلفة الكبيرة والمستمرة للحرب، وليس اقل من موت اكثر من 4400 جندي أميركي، وعلى الأقل مائة ألف مدني عراقي .
وما سمعناه من المعلقين ، مرة أخرى في هذه السنة، هو أن الولايات المتحدة ذهبت الى الحرب بدعم غامر من الرأي العام والصحافة حقيقة، وهذه خرافة. والحقيقة –يضيف ميتشيل- هي أن الاستطلاعات أظهرت أنّ الأميركيين يعتقدون أنّ صدام كانت لديه أسلحة دمار شامل، وليس من العجب، افتراض البروغندا الخادعة من إدارة بوش، وبأنها ساندت الغزو إذا تعلق الأمر بذلك. ولكن معظم الاستطلاعات أظهرت أيضا انقساما واضحا بين هؤلاء الذين أرادوا الذهاب الى الحرب سريعا، وهؤلاء الذين أرادوا التريث للمزيد من الدبلوماسية أو بإعطاء مراقبي الأمم المتحدة المزيد من الوقت للعمل (ولنتذكر انهم لم يجدوا شيئا وعندها انسحبوا).
ويتابع المحلل السياسي حديثه قائلاَ: الخرافة الأخرى: الصحافة الوطنية الأميركية التي ساندت في مقالاتها الافتتاحية الغزو بصورة قوية. ويجب أن تكون مدهوشا لتعلم، بأنه قبل خمس سنوات مضت بالتحديد، وعلى الأقل ثلث كبار الصحف في هذا البلد –أميركا– أصبحت ضد الرئيس بوش بسبب قيادتنا للحرب في ذلك الوقت ، وربما تحسست العديد من الصحف غطاء أسلحة الدمار الشامل، واثارت فقط الأسئلة بصورة جبانة حول الحاجة للحرب ، ولكن حينما جاء الاندفاع للانطلاق قبل خمس سنوات، أرادوا الانتظار مطولا للمضي ضد صدام ، أو عدم المضي أبدا . وكتبنا أنا و آري بيرمان الذي كان رئيسا لقسم التحرير في النيشن: "بشكل ظاهري وللمرة الأولى في التاريخ المعاصر، فان الحكومة الأميركية بدت مندفعة للذهاب الى الحرب وهي لا تفتقد الدعم فحسب من العديد من حلفائها الأساسيين في الخارج، ولكن أيضا الحماسة للمساندة من أغلبية الصحف في الداخل " في 19 آذار 2003.
وبالتأكيد فقد كنت ناقدا لمعظم التغطيات الصحفية عن الحرب – وكتاب الافتتاحيات وكل الإعلاميين الذين ساندوا المغامرة لعدة سنوات – ولكن بالنتيجة قد كان هناك بعض الإحساس بالاعتراض على حافة الغزو. وبمتابعة إنذار بوش لمدة 48 ساعة لصدام حسين في 17 آذار ، فقد أخذت الصحافة فرصتها الأخيرة للتعبير بصوت مسموع قبل أن تبدأ الحرب.
ومن بين 44 صحيفة أصدرت افتتاحيات حول الحرب، فان ثلثها أبدى دعما قويا مكررا للبيت الأبيض، وكرر ثلث آخر المعارضة الثابتة لها والباقي – بمزيد من النقاشات التي تعتبر الان بدون فائدة – اتخذت أسلوبا اكثر فلسفيا. ولكن في النهاية ، وافقت الأغلبية بان إدارة بوش قد تعاملت بشكل سيئ مع الأزمة.
ولاحظ ميتشيل أن معظم الصحف انتقدت بقسوة جهود واشنطن الدبلوماسية التي وضعت الولايات المتحدة على حافة الحرب الوقائية بدون دعم من مجلس الأمن الدولي، وعبرت عن المخاوف من المستقبل بالرغم من النصر الحتمي . وبدأت الصفحات الافتتاحية للصحف تشير مباشرة الى النقطة، وجادلت صحيفة النيويورك تايمز: "هذه الحرب هي قمة فترة الفشل الدبلوماسي المخيف ، وسوف تشهد واشنطن ذلك في الأجيال المقبلة، وتشرف إدارة بوش الان على إمكانية أميركية غير مسبوقة. وماهية الأخطار التي تسرف فيها ليست القوة الأميركية، ولكنها جزء أساسي من عظمتنا".
وتابع يقول: بعض الصحف الأخرى كانت اكثر حدة. وجريدة الصن الصادرة في بلتمور، وهي الراسخة في أقوى معارضة للحرب، بدأت افتتاحيتها بجملة: "هذه الحرب خاطئة، وهي خطأ كمسألة مبدأ، ولكن الأكثر أهمية، فهي خاطئة كمسألة ممارسة سياسية. وطلبت صحيفة يو أس أي تودي من بوش، بان يعلن أخيرا المخاطر، والتكاليف والتقديرات الحكومية الديمقراطية للعراق ، في حين تساءلت صحيفة سان لويس بوست: “كيف سيبدو المدخل السلمي لـ 280 ألف جندي؟”. وقالت صحيفة جمهورية أريزونا في ولاية فونيكس بان بوش و "حلفه للارادات" ومع حث فرنسا “قد ترك الأمم المتحدة كخرقة بالية”. وقالت هيوستن كرونيكول بأنه بقي "من عدم القناعة" بان الهجوم كان مفضلا للاحتواء ، وأعلنت صحيفة اورنج كاونتي في كاليفورنيا بأنه كان: "من غير المقنع" بان التهديد المطروح من صدام يبرر العمل العسكري الان. وكتبت الصن جوزيه ( كاليفورنيا ): “كان يمكن تجنب الحرب لو كانت الإدارة مخلصة في تفاديها”.
وحتى جريدة الهوكش عبرت عن انتقادها: “سوف تمارس الحرب بدعم قليل عما كان يجب تحديد السبب”، وكتبت الواشنطن بوست في دعمها الهجوم: “لقد أظهرت إدارة بوش المخاطر من خلال إصرارها على جدول زمني سريع، وخطاب مبالغ به ودبلوماسية غير حساسة ، لقد نفرت الحلفاء وتلاعبت بعدد المحتجين في العواصم الأجنبية”. وكانت هناك دوما في التحضير مجموعة من عشرات الصحف التي دعمت بقوة تغيير النظام باعتباره الوسيلة الوحيدة المقبولة من اجل نزع سلاح العراق . وتضمنت الوول ستريت جورنال ، والنيويورك بوست ، والنيويورك ديلي نيوز ، وشيكاغو صن تايمز وبوستن هيرالد .
وقد استمروا في امتداح الرئيس في هذا الأسبوع واحتفلوا بحقيقة أن " نظام صدام حسين ملعون " كما كتبت صحيفة كنساس سيتي (ميسوري).والغالبية من الصحف بالرغم من ذلك ، بقيت بإشكالية عميقة بالموقف الذي وجدت الولايات المتحدة نفسها فيه . وحتى كبار الصحف مثل اللوس أنجلس تايمز ، والاورنيتون في بورتلاند والنيوز دي في نيويورك، والتي دافعت مطولا (أو على الأقل قبلت) في استعمال القوة لنزع سلاح صدام، انتقدت رئيسهم حيث حضر لإرسال الشباب والشابات الى المعركة. وكتبت صحيفة البوفالو (نيويورك): “الطريق للحرب الوشيكة كانت محفوفة بالمطبات، وكانت رحلة خرقاء من إدارة بوش”. وأضافت: “الائتلاف الدولي ضد الإرهاب بعد الأعمال الوحشية في 11 أيلول ثبت أنه مبعثر. والتوضيح عن لماذا يشكل العراق تهديدا وشيكا ويتطلب عملا فوريا، لم يكن صحيحا ولا مقنعا”. وعبرت العديد من الصحف عن الآمال بان عالما افضل يمكن أن يسود، وقالت التايمز: “وإذن فان الولايات المتحدة يبدو بأنها ستذهب الى الحرب مع حلفاء قليلين وفي مواجهة معارضة دولية كبرى، وهذا سبيل غير مسلوك … الى مستقر غير أكيد . ونأمل بيأس بان نكون مخطئين في ذعرنا حول العواقب هنا وفي الخارج”.