نادية العبيدي
في رسالة مستعجلة تلقيتها عبر البريد الالكتروني بها من الاسى ما يفطر قلب الحجر ساضعها بين ايديكم فقد تكون ابلغ مما سأصف وأقول: الى من يجلس خلف شاشات التلفاز وشاشات الحواسيب واللابتوبات الصامتة .. الى من تحلق حول المناضد الجامدة امام حفنة من اوراق فاكس ورسائل قصيرة واميلات تشرح الحالة عبر الاثير … الى من يجلس على كراسي المقاهي ويستمتع بشرب الشاي والقهوة وهو يتابع فواجعنا التي لم تخطر على بال اي منا ..!! في يوم مشمس كباقي الايام التي عشناها ومازلنا نعيشها رغماً عنا .. حين قسرنا على اختيار الغربة بعيدا عن وطننا … وعضضنا على جراحنا ودسنا على فراقدنا .. واخترنا المكان الذي يمكن ان يضمن لنا عيشا في ظل امان افتقدناه على ارض الوطن … وحملنا همومنا وربطناها وتمنطقنا بها وبلعنا غصتنا ورحلنا عن ارض الالمين …!! الالم الاول انا لفراق وطننا لمحزونون .. والالم الثاني انا اجبرنا على ان نغادره والمحتل باق يصول ويجول بحرية فوق ارضنا ويتمتع بخيراتنا دون رادع … لقد اطلت عليك سيدتي قبل ان اعرفك من اكون … انا امرأة عراقية … اختاً لك بهويتي العراقية .. او قد اكون اماً لك او عمة او خالة وفقاً لسني عمري .. وقد اكون بعمرك ولكن الهموم لعبت دورها فتركت اثارها القاتلة على كلينا فأصبحنا اكبر من عمرينا .. لا يهم ولا اريد ان اخذ من وقتك … لقد غصت شوارع القاهرة اليوم بآلاف المتظاهرين الذين يطالبون بتنحي رئيسهم مبارك … بغية الغاء عهد التسلط والقمع وتدشين عهد للعدل والمساواة.. والحق … والصدق ..!!! وهل لا يزال هناك صدق؟؟ رباه ما اوجع الفجيعة … ليس هذا اختلافنا .. فكل منا يرى حياته كما يشتهيها وكل منهم يتمسك برأيه حسبما يرى …!!! لقد غادرنا عراقنا هرباً من قدر احمق ساقه الينا حزب الشيطان ولاننا اناس لا نعرف الهوان ولا الذل .. لملمنا ماتبقى لنا من كرامة متبقية وغادرنا نحو قاهرة المعز .. بعد ان تأملنا اننا سنكون في منأى عن تلك الاحتقانات السياسية .. او اننا سنكون وسط اناس شربوا من الفراتين كما شربوا من نيلهم العظيم .. وبالفعل تلقينا الترحاب والتهليل وشعرنا اننا في بلدنا ووطننا كما لو اننا لم نغادر … ولم يكن في حسابنا ان الدولاب سيدور وسنقع في المأزق نفسه .. لكن هذه المرة اشد وأألم … حينما غادرنا البلاد لم يتبق لدينا اي شيء ولملمنا المال وحملنا ما يمكن حمله معنا كي يساعدنا ان نعيش في غنى عن السؤال … ولا اخفيك ان زوجي من ضمن الاشخاص الذين تعرضوا للتهديد ايام الاحتقان الطائفي … فهل اجرمنا ان اردنا ان نعيش .. وهل اذنبنا لاننا طمحنا ان يشعر اولادنا بالامان … ولاسباب كلكم تعرفونها ولا تخفى عن احد هو صعوبة عودتنا الى ارض الوطن ..!!! وما اثار ضحكنا هنا ان المالكي قد خصص طائراته لنقل الجالية العراقية والذين يرغبون بالعودة الى العراق مجاناً …!! وليس هذا كرماً منه .. بل اسلوب اخر لاستقدام من غادر وافلت سواء من قبضته .. ام من قبضة المليشات..!!! فهل ان قدمنا سيقدم لنا ضماناته بأنه سيصون حياتنا.. وان كانت الاعمار بيد الله .. بل هل سيوفر لنا ما وجدناه في ارض غير ارضنا وان كان قليلا ويعطينا ما اعطانا الغريب وليس اهل الدار … ومن يضمن لنا العودة بعد ان يسقط حقنا في الاقامة التي ابيضت عيوننا حتى منحت لنا ..!! نحن هنا نجتلس الهم والحزن والالم … وفوق كل هذا الحيرة .. قرر معظمنا التزام مكانه وليكن ما يكون .. اتعلمين سيدتي ان زوجي قد تعرض لحادث سيارة ادت الى تحطيم كلتا ساقيه وترك على قارعة الطريق ما يقارب الساعة حتى اوشك على الموت وكان اغلب سكان المنطقة من العراقيين لكن احدا منهم لم يتحرك فنقله احد المارة بسيارة نقل وعلى مسؤوليته التامة … هنا شعب يستحق الاحترام .. شعب لم يسكت عن الضيم .. شعب يحمل بين طياته حب عبد الناصر الذي رسخ في دواخلهم حب الارض قبل النفس … وحب الله قبلاً … وقد اطلع العالم اجمع كيف كان الجمع الغفير يصلي فوق احد الجسور رغم ان الشرطة كانت تعصف بالمياه كي تفرقهم .. ولكنهم لم ينزاحوا قيد انملة بل ان عددهم تزايد وجمعهم تكاثر واصرارهم تسربل باسم الله وباسم مصر…