ماكنة المالكي الاعلامية تستغني عن صحفييها وتحيلهم على ( رصيف البطالة)

الكثيرون من الصحفيين والمحللين السياسيين الذين عملوا ضمن الماكنة الإعلامية للمالكي فقدوا وظائفهم مؤخراً، فيما ترفض المؤسسات الإعلامية المحايدة تشغيلهم اليوم. حسين عسلاوي صحفي عراقي شاب وجد نفسه مضطراً لترك مؤسسته الإعلامية التي يعمل فيها بعدما باتت مهددة بالإغلاق لأسباب مالية ،إذ إن المؤسسة اليوم تبحث عن مستثمر يمولها لتعويض ما كانت تأمل أن تحصل عليه من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي وعدها بذلك في حال فاز بولاية ثالثة.
عسلاوي الذي شغل موقع مدير الأخبار في القناة التابعة لهذه المؤسسة بدأ يفقد زملائه الذين يعتمد عليهم في العمل الواحد بعد الآخر بسبب تقليص إدارة المؤسسة لأعدادهم مع ترجيحات بأن تُغلق قريباً مع صعوبة إيجاد المستثمر المنشود.
“قدمت استقالتي إلى إدارة القناة لأنني لم أعد أرى أن العمل فيها يسير وفق ما تم الاتفاق عليه عند تأسيسها والسبب يعود لربط إدارة القناة مصيرها بشخص نوري المالكي وتحديداً ولايته الثالثة كرئيس لمجلس الوزراء وهو ما أوصل الأمور إلى هذا الحد بعد خسارة المالكي في هذا الصراع”يقول عسلاوي.
ويضيف “إدارة المؤسسة استغلّت سعي المالكي للحصول على الولاية الثالثة فاستندت إلى هذا الأمر في البداية لتمويل موازنتها التشغيلية إلا أنها لم تحسب حساب عدم تحقيق المالكي لرغبته رغم تحذيراتنا لها وهو ما حدث أخيراً”.
ويستبعد عسلاوي أن تجد المؤسسة من يموِّل قناتها في المرحلة الحالية وهو ما يهدد وجودها مثل الكثير من القنوات التي باتت اليوم مهددة بالإغلاق أو أُغلقت فعلاً بعد تلاشي حلم الولاية الثالثة.
“إدارة المؤسسة حصلت على مبلغ مالي هائل من المالكي قبل مدة قليلة من الانتخابات ضمن موازنة خُصصت لهذا الغرض مقابل دعم تطلعاته الرئاسية وهذا الدعم كان مشروطاً بتغيير سياسة القناة بما يتلائم وهذا التوّجه،وهو أمر فاجأ الكثير من العاملين في القناة” يعلق عسلاوي
 تجربة عسلاوي تشابه تجارب عاملين كثر في مؤسسات ربطت مصيرها بمصير شخص ما في العملية السياسية ،وصحفيون فعلوا الأمر ذاته.
غير أن هنالك رأياً آخر يذهب إلى الدفاع عن موقف الصحفيين في هذا الإطار، فالصحفي والكاتب محمود المفرجي يرى إن المؤسسات التي تربط نفسها بشخصية سياسية هي التي تتأثر وليس الصحفيين الذين يعملون في تلك المؤسسات، ودافع بشدة عن خروج الصحفي في الكثير من الأحيان عن الحيادية.
“في ظل الأزمات السياسية وتحول مشهد الشعوب إلى مشاهد طائفية وعرقية تصبح الحيادية ضرباً من الخيال، ومن الطبيعي ان يتترسن الجميع خلف الطائفة والعرق والجذور القومية”يقول المفرجي.
ويضيف ” الصحفي فرد من أفراد الشعب فمن الطبيعي أن يتأثر بهذه المؤثرات ويتحول إلى مدافع عن طائفة أو عن عرق ينتمي إليه وهذا الأمر بدى واضحاً من خلال الأزمات الأخيرة التي مرت على العراق حيث تبّنى الصحفيون العراقيون مواقف سياسية واضحة”.
انضم الكثير من الصحفيين والمحللين السياسيين وغيرهم من خبراء أمنيين وقانونيين في السنوات الماضية إلى الفريق المكلّف بالترويج الإعلامي للولاية الثالثة لرئيس الوزراء نوري المالكي قبل أن يتلاشى هذا الحلم لدى المالكي أو الذين باتت مصالحهم مرتبطة بتحقيقه لتتوقف بذلك الماكنة الإعلامية المصّنِعة لهذا الهدف.
ومع توقف هذه الماكنة وجد هؤلاء أنفسهم خارج الحسابات سواء بالنسبة لمؤسسة المالكي والمقربين منه أو لبقية المؤسسات الإعلامية التي لم تعد تهتم كثيراً لظهورهم عبر وسائلها المرئية او المسموعة حتى المقروءةا، والأبعد من ذلك إن هذه المؤسسات لا تريد تشغيل هكذا شخصيات لأسباب عدة تلخصها بأنهم باتوا “أوراقا محروقة”.
الصحفي محمد عبد الكريم يروي تجربته التي يصفها بالرهان الخاسر في العمل ضمن ما تُعرف بالماكنة الإعلامية للمالكي.”ويقول محمد عبد الكريم: “بدأت العمل مع ما يعرف بالمكتب الإعلامي للمالكي منذ عام 2007 واتفق معي أحد الأشخاص العاملين في هذا المكتب على تأدية خدمات صحفية للمالكي من خلال نشر الأخبار التي يطلبون نشرها في وسائل الإعلام التي أتعامل معها من وكالات إخبارية وصحف” .
ويضيف محمد: “كنت أتقاضى مبلغاً مالياً شهرياً تحت مسمى المكافأة نظير هذا الأمر ثم تطور الأمر بعد طلب مكتب المالكي أن أقوم بعمل المحلل السياسي من خلال نشر مقالات تدافع عن كل ما يقوم به والظهور في وسائل الإعلام بهذا المسمى للهدف نفسه”.
ومنذ تكليف رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لحيدر العبادي بتشكيل الحكومة ومحمد عبد الكريم لا يتقاضى أي مبالغ مالية من المالكي الذي بات نائبا لرئيس الجمهورية، الأسوأ أن محمد تقدم بطلب للعمل ضمن أكثر من مؤسسة إعلامية إلا أنه فوجئ برفض هذه المؤسسات لطلباته رغم كونه من الصحفيين البارعين في عملهم والسبب هو رفض إداراتها لوجود صحفي معروف بانتمائه ودفاعه عن جهة ما داخل هذه المؤسسات.
“وجود محمد عبد الكريم أو أي شخص في نفس حالته وإن كان سيلتزم بالمعايير التي نتبعها هنا في وكالتنا الإخبارية ستبعث رسالة مفادها أن وكالتنا منحازة إلى المالكي وهذا مخالف لتوجهاتها” يقول حيدر الشمري رئيس تحرير وكالة إخبارية عاملة في العراق.
ويضيف الشمري “رهان هكذا صحفيين على شخص معين هو رهان خاسر ولا بد أن يتحملوا تبعاته لأن على الصحفي أن يكون متيقناً أكثر من غيره فالمناصب لا تدوم لأي شخص”.
تقدّر أعداد الذين عملوا ضمن الماكنة الإعلامية للمالكي أو لولايته الثالثة بين 200-300 شخص معظمهم من الصحفيين والمحللين السياسيين والخبراء الأمنيين والقانونيين أيضاً وغيرهم ممن له سبب أو صفة تمكنانه من الظهور في وسائل الإعلام للدفاع عن قرار أصدره المالكي أو قانون يريد تشريعه أو أي إجراء آخر.
 يتقاضى هؤلاء مبالغ مالية تحت مسمى المكافآت تتراوح بين 100 دولار أمريكي شهريا لمن يقدم خدمات توصف بالثانوية وبين 2000 دولار لمن يظهر أمام وسائل الإعلام بصورة مستمرة بصفة محلل سياسي أو خبير قانوني.
غير أن هنالك من تقاضى مكافآت كبيرة جداً وصلت إلى حد الحصول على سيارة حديثة أو قطعة أرض أو وحدة سكنية أو الحصول على مقاولة ما فضلاً عن السفرات السياحية داخل وخارج العراق ضمن الإيفادات الرسمية للمالكي وغيرها.
“هناك شخصيات نراها اليوم عادت لتؤدي دورها التي كانت تمثله إبان حقبة المالكي ولكن لحساب جهات أخرى ليست بالضرورة شخصيات بعينها” يؤكد المحلل السياسي خالد البياتي.
ويضيف “هذا الأمر يعكس تفننها في تبّني فكر معين أو مشروع معين والدفاع عنه باستخدام مبررات لها تكون في ظاهرها وطنية لكنها في الحقيقة تخفي الهدف المبتغى”.
لا يبدو أن مشغلي الماكنة الإعلامية التي صُنعت أخيرا لرئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي سيعيدون أخطاء نظرائهم في عهد المالكي.
علي الأعرجي وهو أحد العاملين في الماكنة الجديدة  قال بأن العاملين اليوم ينفذون ادواراً محددة يوتقاضون عنها أجوراً معينة وهم أما من الموظفين في مجلس الوزراء أو من المنتمين لمكتب العبادي أو حزبه وهم لا يريدون أن يتبنوا فكر العبادي والدفاع عن قراراته وإجراءاته كما كان الأمر في السابق بل إن مصطلح الماكنة الإعلامية غير موجود مطلقاً في حال تمت مقارنة الحال بين المالكي والعبادي.
تجربة الماكنة الإعلامية ورغم نجاحها لسنوات طويلة بالنسبة لمشغليها إلا أنها اثبتت ان لها سلبيات، وفي حال الفشل ستطغى على كل تلك النجاحات المتحققة فالهدف الأسمى لها والمتمثل بالولاية الثالثة لم يتحقق وهو ما شكل الضربة القاضية للعاملين فيها ،سيناريو لا يريد أحد من الصحفيين أو المحللين والخبراء تكراره ولاسيما أن العبادي لا يزال في ولايته الأولى

Facebook
Twitter