يقف شاب من مدينة بعقوبة يدعى زيد خالد عباس قرب مستشفى بعقوبة التعليمي العام , يصطاد البشر الذين يبحثون عن كلية لهم لإنقاذ أنفسهم أو من يحبون، فالعوز المالي والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعراق وديالى تحديداً، جعلت بعض الشباب يمتهن عملية بيع وشراء الأعضاء البشرية.
وتحولت عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية إلى ظاهرة، لتنشأ عصابات متخصصة في هذا المجال أشبه بالمافيات التي تتعامل بشكل منظّم وسري.
ويقول عباس إن “تجارة الكلى مربحة وتدر علينا المال الكثير، وأنا تحولت من بائع مخدرات إلى تاجر في سوق بيع وشراء الكلى، حيث يأتي أي زبون لي ويطلب شراء الكلى، ونقوم بإجراء الفحوصات له في عيادة مختصة لدينا لتحديد نوعية الكلية وسعرها”.
ويشير إلى أن سعر الكلية يبدأ من 5 آلاف دولار وصولاً إلى أكثر من 25 ألف دولار، وعملية نقل الكلية تتم في شمال العراق او احدى مستشفيات قضاء خانقين .
واكمل بالقول ” بعد إجراءات نتبعها تكون في غاية السرية والكتمان، لأن الشرطة تلاحقنا واعتقلت العديد من المتاجرين بالكلى ، تتم عملية بيع الكلى بصورة صحيحة بعيداً عن الغش”.
وأضاف أنه “بعد أن نجد المشتري ونحدد السعر، نقوم بجلب البائع ونتفق في عيادة الدكتور الذي يقوم بإجراء العملية مقابل 2500 دولار”.
ويقول عبدالرحمن علوان العزاوي احد النازحين من قضاء جلولاء إن” حاجته للمال أجبرته على بيع إحدى كليتيه، لكثرة ديونه، حتى صار الدائنون يهددونه بالقتل ما لم يسددها”.
وتابع “اضطررت للهرب إلى بغداد العاصمة في وقت من الاوقات قبل عودتي مرة اخرى الى بعقوبة ، بحثا عن مخرج من أزمتي المالية، وقد ضاقت بي السبل، بعدما أنفقت آخر ما في جيبي أجرة لسائق السيارة التي أقلتني من جلولاء الى بعقوبة واصبحت أمام خيارين اما التسول او بيع كليتي فاخترت الثاني”.
وأضاف “لم تكن عملية البيع بالأمر الصعب، يكفي ان تجلس في مقهى قريب من المستشفيات المتخصصة بإجراء مثل هذه العمليات، لتجد العديد من سماسرة الأعضاء البشرية (الدلال) الذي تكون مهمته ايجاد متبرع لمريض ما، اتفق معه مسبقا على مبلغ معين”.
وقال :”وفي حالتي وجدته قرب مستشفى ديالى الاهلي والذي تمتلكه احدى النائبات في مجلس النواب العراقي ( في اشارة منه الى النائبة عن اتحاد القوى الوطنية غيداء كمبش ) واتفقنا على ان يكون مبلغ الكلية 19 مليون دينار (15 الف دولار) مناصفة بيني وبين السمسار”.
من جهته، يقول مدير قسم الجريمة المنظمة في مديرية شرطة ديالى ، العقيد حسين غالب التميمي إن مديرية شرطة ديالى تمكنت منذ مطلع العام الجاري من تفكيك نحو عصابتين تقومان بمهمة بيع الكلى في محافظة ديالى “.
وأوضح التميمي أن “العصابات تقوم بتزوير هويات الأحوال المدنية للبائع والمشتري، ثم تقوم بعملية نقل الكلية في المستشفيات الاهلية في ديالى واحيانا في أربيل، على أنها تبرع “.
ويتابع “هذا الأمر يعتبر جريمة كبرى بحق المجتمع، وإذا ما قارنّا السماسرة الذين يسهّلون الصفقات بين البائع والمشتري فهم أفضل بكثير من تلك العصابات التي تمتهن سرقة الأعضاء البشرية”.
من جانبه، يقول خالد حنون مهدي الذي باع كليته قبل مدة ” أنا خريج جامعي وعاطل عن العمل منذ عام 2009، بعت كليتي مقابل 10 آلاف دولار، وأنا الآن بكلية واحدة، لكنني اشتريت سيارة أجرة للقضاء على الفقر ونظرات الحرمان بوجه أمي وإخوتي بعد وفاة والدي في موجات العنف الطائفي”.
ويشير مهدي إلى أن ” هناك من يستغل عوز الشباب ويقوم بشراء الكلية، وليس في كل مرة تكون عملية البيع سليمة، فمرات كثيرة يقع فيها البائع في حبل عصابات الاتجار ويقومون ببيع كليته دون إعطائه الثمن ، لأنه سيبقى تحت تأثير المخدر في العملية، ومرات سمعت من أصدقاء بأن الكثيرين يقعون ضحية عمليات نصب واحتيال”.
ويرى عادل الحسني أستاذ الطب الباطني في جامعة ديالى أن “مافيات تجارة الأعضاء مقابل المال برزت، بسبب غياب العدالة الاجتماعية، والفقر المدقع والحرمان، ولعل أكبر هذه المافيات في الصين والهند، وفي العراق تبدو قليلة”.
واشار إلى ان العراق يجري بحدود 100 عملية خاصة بزرع الكلية سنويا، فضلا عن عدم وجود عمليات زرع للأعضاء الأخرى، لضعف البنية التحتية للمؤسسات الطبية العراقية، علما ان العراق أول دولة في الشرق الأوسط أجريت فيه عملية زرع كلية، وذلك عام 1973 .
واكدت عضو لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب غادة الشمري ” وجود تقصير من قبل عدة وزارات معنية بهذا الأمر كوزارات الصحة والداخلية والعمل وحقوق الإنسان والمرأة، لعدم اقتراح مسودة مشروع قانون يهتم بالحد من تجارة الأعضاء “.
وأضافت أن” تجريم تجارة الأعضاء موجودة في قانون العقوبات الجنائية، لكن وفقا لقاعدة (الخاص يقيد العام )، باعتبار ان تجارة الأعضاء تحولت من حالة الى ظاهرة متكررة ومتعددة، وأصبح لها سماسرة منتفعون منها ، لذلك فإن الموضوع يحتاج الى تشريع قانون خاص بتجارة الأعضاء البشرية لتقيد الخاص والعام وبالتالي الحد من تلك الظاهرة الخطرة”.