الشيخ جواد الخالصي
هذه هي سنوات الصراع الذي خاضته امتنا في كل مكان اصطدمت فيه بمخطط الإحتلال الغربي الظالم بما عرف بالاستعمار الجديد خلال السنوات المائة السابقة، ويتضح العنوان من اكمال قسمه الاول وهو (مائة عام من الخيبة- السلطات العسكرية تطيح بالقومية)، وهو عنوان المقالة التي كتبها الأستاذ طلال سلمان في صحيفة (السفير) ونُشرت في مجلة (معلومات) التابعة لها، واما القسم الآخر (مائة عام من المقاومة) فهو عنوان المقالات والبحوث المتعلقة بالفترة نفسها في مواجهة الهجمة الغربية المادية بجوانبها الفكرية والحضارية والعسكرية والاجتماعية المؤسسة بإطارها الشامل لحركة الأمة في طريق المقاومة والجهاد، ليشكل هذا كله عنوان المرحلة المرفوع (مائة عام من المقاومة)، وهذا كله ناتج طبيعي من قرار واع ومستوعب لطبيعة الصراع، فكل عملية استعمار واحتلال لابد من مجابهتها بحركة جهاد ومقاومة وهذا بالضبط ما قررته الأمة في هذه المرحلة والتي نحن في مئويتها الأولى ولا ندري الى اية مئوية ستستمر لتنتهي سنوات الخيبة بالنصر والوحدة والتمكين، ولا يخفى ان مخطط الهيمنة والاستعمار كان يستهدف كل بقاع الأرض من اجل الحصول على خيراتها وخاماتها ومواردها الأولية، ولتكون اسواقاً في في مرحلة تالية للبضائع المصنعة التي تنتجها تلك الدول المهيمنة والتي كانت بريطانيا وفرنسا وقبلهما ايطاليا وهولندا وبلجيكا هي الدول الأكثر انغماساً في العالم الذي استهدفته القوى الاستعمارية بشكل عام وان ظل العالم الإسلامي المستهدف الأول للاسباب المذكورة ولاسباب الصراع العقائدي والديني مع العرب والمسلمين. فكان القرن الماضي هو الفترة الضيقة والحرجة التي قاومت فيها الأمة العربية والإسلامية واصطدمت خلالها بالقوى الغازية التي جاءت بكل امكانياتها واخطر مخططاتها لتفرض لتفرض ارادتها على وجود الأمة وعقيدتها وشريعتها فكانت مئوية الجهاد والمقاومة، حيث شكلت في هذا العام بالذات 2015م وهو السنة الأخيرة من هذا القرن والمئوية المتنازع على احداثها بين العنوانين المذكورين، حيث اعيد طبع كتاب (الحسام البتار في جهاد الكفار) لأول مرة ، وهذا الكتاب الذي الفه الإمام الشيخ محمد مهدي الخالصي الكبير في جبهات الحرب في جنوب العراق يوم كان في مقدمة المجاهدين من العلماء ومن ابناء العراق كافة لمقاومة الغزو البريطاني الغادر لأرض الرافدين ضمن الواجب العام بالدفاع عن كل بلاد المسلمين.
فقد شاءت الإرادة الحكيمة ان يطبع الكتاب لأول مرة في هذه السنة –حيث انه نشر في سنة كتابته قبل مائة عام في صحيفة صدى الإسلام الواسعة الانتشار في بغداد- وقد تم نشر ذلك على عدة حلقات، ولم يطبع في كتاب موحد، وقد اختار المشرفون على ذلك الجهد عنواناً توجيهياً قبل عنوان الكتاب الأصلي، فكان عنوان مئوية الجهاد والمقاومة. وقد جاءت هذه التسمية لتعالج الآثار الخطيرة لما اصاب الأمة خلالها من الخيبة والهزائم والانكسارات التي اشار الى قسم منها العنوان الآخر (مائة عام من الخيبة)، وجرى فيها الحديث عن دور الاستبداد العسكري والديكتاتوريات الطاغية في تحطيم اي حلم جميل يراود مخيلة وعقول جماهير هذه المنطقة المحاصرة والمستهدفة. فمن يبني مشروعه في الحكم على الفردية والديكتاتورية والبطش والتنكيل خصوصاً مع التعاون الأجنبي وضمن تنفيذ مشروعه وارادته، فانما يبني وجوده على شفير الهاوية، ويسحب امته وبلاده الى التطاحن والصراعات والتقيد بمعاهدات وارادات الأجنبي التي لا تسير ابداً مع ارادات الشعوب ومصالح أبنائها والفقراء منهم بالذات.فجاء هذا العنوان الجامع في هذه المقالة، ليصور المشهد العادل لهذا الصراع ولهذه المقابلة بين االخيبة التي فرضها المستعمرون المخربون الغرباء والحاقدون، وبين جهاد وثبات وصلابة المخلصين من ابنائنا والقادة من علمائنا.
اما اوضح محطات الخيبة واهم محطات النصر والمقاومة فيمكن ان نشير الى اهمها بجدول عام، ولكنه لا يحصي كل الأحداث بشكل كامل.
ففي حين بدأت الحرب العالمية الأولى سنة 1914، حاولت بريطانيا ان تستميل بعض الساسة العرب، وبعض المثقفين والمخدوعين ليخدموا مشروعها الاستعماري وصراعها مع الدولة العثمانية الحاكمة على اكثر هذه البلاد، فكانت هناك ممارسات ومراسلات لجلب هذا العدد المطلوب من الساسة المؤثرين على شرائح من الناس، اساءت اليهم السياسات الحاكمة في تلك الدولة، فاقتنع البعض على يد امثال ماكماهون ولورنس على القيام بالثورة على الاتراك لاقامة خلافة عربية اسلامية، بدل الخلافة التركية والسلطنة العثمانية، وصدق هؤلاء وعود الأنكليز وتحدثوا عن حدود هذه الدولة وهل هي من جبال طوروس او ما بعدها وهل تشمل شمال افريقيا؟ ام تبقى خلافة عربية في القسم الآسيوي فقط، وخلال هذه المحادثات الجادة والخطيرة والألقاب المخدرة والطويلة التي استخدمها الأنكليز مع بعض العرب لتمرير مشروعهم، كان وزيرا خارجية فرنسا وبريطانيا جورج بيكو و مارك سايكس يجلسان في العتمة ليخططا لتقسيم البلاد العربية التي وعدوا باقامة الخلافة فيها، ولما اكتشف العرب ذلك بعد نشر الاتفاقية التي عرفت باسم سايكس- بيكو، بواسطة البلاشفة بعد انتصارهم في روسيا عام 1917، اكتشف هؤلاء الساسة انهم –كما قالوا عن انفسهم- لم يكونوا الا (بدوا) سذجاً، حتى قال احدهم عن نفسه (خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين)، فكانت اتفاقية سايكس بيكو وغدر الأنكليز وتقسيم البلاد العربية واحدة من اخطر محطات الخيبة والهزيمة والخذلان، لقد ثاروا على العثمانيين لبناء دولة عربية موحدة، فاذا بهم ينقسمون الى دول اقليمية متصارعة يديرها الفرنسيون والبريطانيون بما يضمن سيطرتهم على مقاديرها وسرقة ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها،وغرسوا وبدون خجل او وجل وفي قلب العالم الاسلامي وعلى منطقة التماس بين البلاد العربية الآسيوية والأفريقية، كياناً غريباً مصطنعاً حاولوا بكل الوسائل تهيئة اسباب القوة الغاشمة له، ففي لحظة مأساوية في تاريخ الانسانية تحولت فلسطين الى اسرائيل وشرد شعب كامل من دياره وهذا ما جاء بعد وعد بلفور وزير الخارجية البريطاني سنة 1917 والذي حققوه عملياً سنة 1948.
اذاً وبجدول سريع نحصر محطات الخيبة في:
- الانخداع بالوعود البريطانية والفرنسية.
- تقسيم البلاد العربية بالشكل المعروف.
- وعد بلفور وقيام الكيان الصهيوني لاحقاً.
- الهيمنة على الدول العربية مع قيام ثورات فيها، (العراق نموذجاً)، وحركة الجهاد عام 1914 وهي التي اشار اليها الكتاب وثورة العشرين 1920م.
- تجزئة دول الخليج والجزيرة العربية الى امارات متنازعة ومشتتة، يمكن لشركات يملكها افراد او عوائل معروفون استغلالها والسيطرة عليها.
- استبدال الأنظمة المتهرئة والميؤس منها بانظمة استبدادية بواسطة انقلابات عسكرية.
- تصفية القادة الشجعان في الأمة من علماء ومفكرين وساسة ومنهم الملك غازي في العراق حسب بعض التقييمات، وعبدالسلام عارف في الستينات.
- محاصرة الدول العربية بالفتن والأزمات بعد الحروب الفاشلة والهجمات العسكرية، حرب48، حرب56، حرب67 والى الاحداث الراهنة في حريق اللهب العربي.
- نشر الفساد والاستبداد واغراق الأمة في تداعياتهما الخطيرة.
- الهجوم على الدول العربية والاسلامية على شكل حروب عدوانية شاملة آخرها احتلال العراق وافغانستان.
- دفع الكيان الصهيوني الى شن حروب على الدول العربية المجاورة وتدمير امكانياتها العسكرية والاقتصادية، والسعي الى تفكيك بنيتها الاجتماعية في سوريا ولبنان ومصر والأردن والحروب التي جرت فيها نماذج واضحة .
- ابتلاع كل فلسطين بما فيها القدس بعد عدوان 67 وجر الامة وساستها الى متاهة المحادثات العقيمة.
- اجبار الساسة المخلصين على الاستسلام بعد الحروب الداخلية المدمرة بين ابناء الأمة ودولها، حرب ايران، حرب الكويت وما ادت اليه من شرخ عمودي في المجتمع العربي والاسلامي بعد سحب جيش العراقي من الجهة الشرقية في الأردن منذ عام 1969، وتفتيت الجبهة الشرقية.
- محادثات السلام الماراثونية التي ادت الى انتشار الاستيطان وسرقة المزيد من الاراضي وتهويد القدس، ونحن نرى صفحاته الأكثر قسوة وبشكل علني هذه الأيام.
هذه جدولة سريعة وملخصة في تحديد سنوات الخيبة وما جرى فيها على امتنا وشعوبنا، ومع ذلك نحاول ان نلاحظ الجانب الآخر من المشهد وندرس ما فيه من صور مشرقة ومعبرة لعل كتاب (الحسام البتار) المطروح مع هذه المقابلة يشكل واحدة من بداياتها المبكرة عبر حركة الجهاد والمقاومة ضد المشروع الاستعماري في المنطقة وفي العراق.
- الجهاد عام 1915، ونحن في مئويتها.
- ثورة النجف عام1918 .
- ثورة العشرين الشاملة.
- لقاء العلماء في مؤتمرات عامة تدعو الى نصرة الأمة في طرابلس الغرب (ليبيا) وسوريا ولبنان وايران والبلقان ضد الغزو البريطاني والروسي والفرنسي.
- توعية الأمة والدعوة الى الوحدة والنهضة على اساسها.
- المقاومة الواعية التي قادها العلماء الاعلام للعملية السياسية التي اراد المستعمر البريطاني فرضها على الشعب العراقي لتمرير ارادته الباغية والمعاهدة التي عقدها مع ادواته في الحكم آنذاك عام 1922م.
- استمرار الجهود لمقاومة المشاريع الغربية في كل مراحلها، من الاحتلال البريطاني الى الاحتلال الامريكي للعراق وافغانستان، وما بينهما من حروب ومؤامرات ودعم غير محدد للمشروع الصهيوني وكيانه الغاصب.
- الثورات الجهادية بعد ثورة العشرين والمقاومة في انحاء العالم الاسلامي ، في سورية وفلسطين وليبيا، وثورة الجزائر والسودان والمقاومة الشعبية وثوراتها في تركيا وايران وافغانستان والهند ودول العالم الاسلامي من المغرب الى اندونيسيا.
- حتى الانقلابات العسكرية كانت تتم تحت نفس شعارات التحرر والثورة التي تبنتها الجماهير، وفي بعض الاحيان اقتربت الانقلابات العسكرية من ارادة الجماهير وحظيت بدعمها وتأييدها كما حصل في مصر 1952 والعراق 1958.
- حتى جاء عصر الصحوة وما شهده من احداث جسام كالثورة الاسلامية في ايران وظهور المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق بعد الاحتلال الأمريكي، فشكلت نقلة نوعية في حركة الأمة، وما حققته المقاومة من تسجيل اول هزيمة للحركة العسكرية الاسرائيلية عام2000، ثم هزيمة العدوان سنة 2006، وفي فلسطين الانسحاب او الهزيمة في الحقيقة من غزة وهزيمة العدوان المتكرر عليها منذ آخر سنة 2009.
- والمقاومة العراقية وما سجلته من موقف اعاد التوازن الى وضع الامة المرتبك بعد احتلال العراق وتمكنها في النهاية من ترجمة ارادتها وانسحاب القوات الأمريكية وهزيمتها في الحقيقة بلا قيد او آخر سنة 2011.
هذه خلاصة سريعة وهي مخلة حتما بالضبط التاريخي الممنهج ولكن اوردناها كابرز الأمثلة على احداث الجهاد والمقاومة مقابل احداث الخيبة والهزيمة، بحيث ان النتائج المستخلصة منها يمكن ان تقدم صورة اولية عن واقع حركة الأمة بين هذين المحورين الهزيمة والانتصار، لتضع مائة عام من الخيبة والهزيمة مقابل مائة عام من الجهاد والمقاومة، والخلاصة يمكن ان نوضحها في صورة حركة الخط البياني الموضوعة عن الواقع الامة في القرن الماضي، ففي اوائله كان الخط البياني لحضارة الأمة وصوتها في ادنى مراحله بينما كان الغرب قد وصل الى مرحلة الأوج وهذا ما مكن الغربيين بكيدهم السياسي وآلتهم العسكرية من احتلال العالم الاسلامي وتقسيم البلاد العربية، ولكن عبر المواجهات الصعبة والقاسية بدأ موقع الأمة بالارتفاع التدريجي من نقطة القاع ليبدأ التسلق ولو ببطء شديد وصعوبات بالغة، في حين اجتاز الموقع البياني للعالم الغربي نقطة الأوج التي وصلها بعد الحرب العالمية الثانية وبدأ بالانحدار بشكل واضح منذ عقود الستينات والسبعينات وما اصابته من هزائم في العالم بشكل عام. ومع هذا مازال الفارق كبيراً بين الموقفين، ولكن كلما امكن ان تستمر حركة المقاومة وتتسع أمكن للأمة ان تستمر في حركة النهوض والوعي وهذا يستلزم من القوى المخلصة والعقول المفكرة ان تستوعب كل نقاط الاثارة الواقعية والمختلفة والتي تؤدي الى الخلافات والصراعات والانشغال بازمة الداخل، ونسيان حقيقة الصراع مع المشروع الصهيوني وداعميه التاريخيين في سياسة العالم الغربي الظالمة.
ومن هنا تتضح نقطة التحدي في المواجهة ، امة تتحد على خياراته المصيرية لمجابهة اعدائها التاريخيين، او امة تخضع لخيارات اعدائها وتسير خلف مقررات العدو في مؤتمرات هرتزيليا لتدخل في حرب ابادة وتدمير داخلي يقضي على الحاضر والمستقبل بحجة الاختلاف على الماضي السحيق.