عالية محمد حسن
الخلق اسم عام للخلقين الحسن والقبيح معا ً . انما يختلف باختلاف السلوك الذي يبرز به في معرض الوجود فأذا برز عمل نافع للفرد او للمجتمع في الحياة او بعد المماة . فذلك الخلق الكريم وغيره الخلق الذميم وينقسم الناس اتجاه الاخلاق انقسام الخلق نفسه فالأنسان الذي يسير بأمياله واعماله ضمن منطقة المصالح والدين والوجدان هو الانسان الطيب والرجل الكامل ، والاخر الذي يتنكب في سلوكه سبل الخير والفضيلة متطرقا ً مقاحم الشرور والجرائم طوع شهواته واهوائة هو الانسان الشرير والرجل المتناقص في شرفه ودينه وعقليته . واولى له ان يريح الله من جرثومته الخبيثة ماحوله من مجتمع قبل ان يسري دائه معاشريه ومخالطيه فيفاقم الشر ويستفحل الخطر (وان كثيرا ً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليلا ً ماهم).
وهناك مذبذبون بين القسمين لم ينطبعوا بطابع خاص ولم يثبتوا على خلق مستقيم وهم المنافقون في الاخلاق (واشبه بهم المنافقون في الدين ) ((الذين يعقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم)) فيتلونون بأميالهم واعمالهم تلون الحرباء . يقابلهم الكريم فينفذ فيه حب السخاء فيبذلون ، ويعدهم البخيل الفقر فيدعوهم الى الشح فيضنون وهكذا تراهم مذبذبين تتغير اميالهم واعمالهم من حين الى حين ! وفي كل امة مهما توفر حظها من الرقي والسعادة توجد الاقسام الثلاثة كلها وانما تتمايز الامم بتغلب القسم الاول على الاخيرين او بضعه وقلة نصرائه ازائهما فالمجتمع الراقي هو الذي يتكون من اكثرية طبعت على الخلق الفاضل فهي تسعى لتعميم نفسيتها بين الطبقات الاخرى على السواء ، وبضده المجتمع الذي تفشى فيه الخلق السيء او كانت اكثريته مثبثبة بين الخلقين . ولترقية الاخلاق وتعميمها بين الافراد والجماعات عوامل اكثرها تكوينا للخلق ، البئة الاجتماعية _ بما فيها المنزل والمدرسة والدين . فتربية الناشئ وما يسمعه من ابويه او يراه من اخلاقهما ، والنظام الذي يسير عليه بيته او يصادفه من المدرسة وما يسمعه من مدرسيه ومايلزمونه بقراته من الكتب وما يحببونه اليه من عظايم العمال ومزايا الابطال ، والدين الذي يعتنقه وما يحويه من نظام ومايرسمه في نفسه من شكل الحياة الاخرى – كل ذلك له اكبر الاثر في تحوير وجهة الاخلاق بصورة عامة وكذلك غرائز الانسان الطبيعية فالحوادث الطارئة التي تثير مكنونات النفس . فالاميال الموروثة من شجاعة وكرم وهمة او جبن او بخل وخمول . كل ذلك مما يعين على تكوين الخلق وتنسيقه التنسيق المنشود وما الامراض الاخلاقية في الغالب الا وليدة خرقاء او عقل اشل او نشأة في وسط منحط ولذلك ترى اكثر المجرمين والمصابين بمرض الخلق السيء من اولاد الشوارع والطرقات . الذين لم يترعرعوا في احضان تربوية ولا تخرجوا على مدارس صالحة ولاتمسكوا كما يجب بنواميس الشرائع الالهية . التي كان بها خير وازع لهم عن اقتراف أي رذيلة ولكنهم اهملوا فأثر بهن سوء ما يكتنفهم من امراض بيئتهم! وكم للبيئة ونظمها الاجتماعية من تأثير سريع المفعول في النفوس سواء في جانب الخير او جانب الشر كالنبات فالمنبت السوء لاتزال بيئته به حتى تاتي على حياته وفي المنبت الصالح يربوا او يعجب الزراع نباته ( والبلد الطيب يخرج نباته بأذن ربه والذي خبث ليخرج الانكدا ) ومهما كانت اكثر تيقظا ً في واجبات الحياة وفي سائر حقوقها كانت اقدر على تكوين البيئة الصالحة واحرص على تعميم الخلق الكريم ومهما روينا في تاريخ الامم ماوجدنا عناية كعناية شريعة الاسلام الغراء في ذلك ونضرة بسيطة في نصايح القران الكريم ووصاية النبي المرسل به (صلى الله عليه واله وسلم ) تلك الوصايا وهاتيك النصائح التي اخذت من كل فضيلة بلبابها الصريح . لتكفينا شاهدا ً على مانقول . ولأن كان الدين الاسلامي جاء لتشييد كلمة التوحيد الخالصة من كل شائبة . فأنه جعل هذه الكلمة المقدسة . في وسط اطار واسع تقومه شتى الفضائل وانواع الاخلاق الكريمة . فالاسلام جاء بتوحيد الله سبحانه وتعالى وجاء بتوحيد الكلمة وتوحيد الافكار ممؤسسا على العلم والعدل والمواسات والحرية الحقة والتضحية دون الحق والتفادي للمصلحة العامة والتساهل والتسامح بين الاخرين وكظم الغيظ والعفو عن الناس . والجد والثبات والعتماد على النفس وقوة الارادة والاخلاص في الرأي والعمل . والتعاون والتزاور والرحمة والوفاء والصدق والسخاء والعزة والاياء والتزام الصراحة والامانة والورع والنزاهة ان الدين والتاريخ والعروبة عليهم ان يتريثوا قليلا فلا يناصعوا بكل هذه الهرولة العجيبة الى رفض مانبتت عليه اصولهم ووشجت عليه عروقهم من عقائد وعوائد وتربية واخلاق وقد كان احرى بهم ان يبحثوا بأخلاص عما ولدتهم الحوادث والظروف منوهن اوضعف او مرض او فوضى فيصلحوه ويعالجوه قبل ان يبتعدوا عنه وينبثوه وهل هذه الا الرقي المعكوس ؟