يجادلني بعضُ صحبي بسطح الفكرة، فأجادلهم بما تحتها، فينفرون ويولّون الأدبار وهم إليَّ ليسوا براجعين. هذا الصنف من الصحب ينتمي إلى ما صار يُعرفُ وفق قاموسنا الصائح المشعّ الذي لا تخذلهُ في الصحّ قولةُ غفلٍ رجيم، إنه صنف الذين يأكلون ويوصوصون، وقد عِبنا عليهم وعيّرناهم وأخزيناهم في غير موقعٍ وموضعٍ ومنزرعٍ، بأنهم قومٌ يحبّون ساخن الطعام ومبهجَ الشراب، حتى صارت مِعَدُهُم مكبّات ومدافن حيوانات بائتة.
قلتُ لواحدٍ منهم: لماذا لم تكتبْ شيئاً والبلاد وأهلها تشتعل بنار البارود ونار الفكرة المفخخة؟ قال كتبتُ رعاكَ الله وعافاكَ وشافاكَ ومنحكَ ما تيسّر من وقتٍ متاحٍ تقرأني فيه وتنصفني، قلتُ أَسمِعني إذن يا شقيقي ما كتبتَ أو رسمتَ أو غنّيتَ. قال خذْ هذه لنرى بُعَيدَها ماذا تقول:
سمادُ الفكرة يقتل عصيّات الهيولى،
ألألكترون يتكهرب،
حيامنُ النواة تتراصف منصتةً،
فحيحُ عشتروت يلبطُ في شقّ اللوغوس،
حصان طروادة يسكرُ ببطنِ سيدوري،
زوربا يقنصُ غزالاً أحوَلَ بسبعة حروف سنسكريتية،
رأسُ الفنار يعيّطُ بأوشال الجنِّ:
يا آنو اركبْ معنا،
الصيّادون الهيروغليفيون يتسلّقون برجَ اللذة،
أضلاع المثلّث أربعة،
اللوغارتم يشخرُ في مخدع الدائرة،
خيمياء العالم السفليّ، تغوي جنحَ ذبابة الوصل،
سوسةٌ في سنّ اللذة،
عشبة الخلود في حلق المدفع،
و.. آخ يا بلدْ
و.. والله يا زمن.
يا صديقي المخبول المهبول، قد يكون هذا الهراء قصيدة مدثّرة بالتباس المصطلح، لكنني لا أرى في حشوها ومتنها، أي طعمٍ مما تيسّر من طعوم البلاد العليلة؟
استنكر صاحبي ما ذهبتُ إليه من تفسير وتأويل وقهر، وزاد أنه جاء على آخِ البلاد في ذيل القصيدة، وإنه حمّسَ الرعيةَ على دكة التثوير، وأخذهم صوب سبعينات القرن البائد، وشتلهم عند أعتاب بكائية السيدة العظيمة شادية:
والله يا زمنْ، مكتوب علينا ومين عارف مصيره فين!!
يا إلهي الجميل، بي رغبة ضخمة تسحلني الليل، كي أتقيّأ فوق مائدة هذا الوغد.