لا سوار ذهب في الحاوية علي السوداني

تيقنت الليلة تماما من ملامحه. كان طويلا أقرب إلى الرشاقة من البدانة. لحية خفيفة وشارب ينقطع قبل وصوله ضفتي الحلق. وسيم يشبه ممثلي الستينات. خلطة من كمال الشناوي وأحمد رمزي ورشدي أباظة. أنزلت من يميني كيس الزبل وزرعته قرب الحاوية الممتلئة. مددت له يدي لمصافحته فانحنى قليلا وقدّم لي ساعده العاري، ففهمت أنّ كفّه كانت ملطّخة ببعض فوائض المزبلة. سألته سؤالا سخيفاً عن حاله فأجاب بأنه على ما يرام. لا أظنه كذلك أبدا وقد نام رزقه الحلال ببطن المزبلة.

لم أتأكد من أيّ بلاد أتى هذا الكائن المسالم ليقصف قلبي. لا ذرة فرصة لمحاورة معه. كان يغطّي رأسه بقبّعة رجل كاوبوي. القبعة هنا فائضة وقد تكون ساترا من عيون لا يريدها أن تراه ساعةَ رجوعه إلى الدار والعيال. كان بودّي أن أتصرف قليلا بوجع امرؤ القيس عند موضع عسيب، فأخبره يا صاحبي إنّا غريبان ها هنا، وكلّ غريب للغريب نسيب. نتفت الفكرة من رأسي وودّعته وعدت إلى شرفتي ثانية.

من مقعدي كان بمستطاعي أن أرى الفتى الهوليودي الطويل، وهو يعبث بأكياس القمامة. رزقه كان مقسوما بعلب البيبسي والبيرة. لا أظنه سيعثر على سوار ذهب أو شدة دولارات بزبل الفقراء. كانت بي رغبة قوية لأن أملأ كيسا ببعض لعب ودمى نؤاس وعلي الثاني، وأهبط ثانية صوب الحاوية، لكنني خفت من إشعاره ببعض مذلّة. بلعت فكرتي الجديدة هذه، وواصلت تمطير المنظر بما تبقّى من شجن. عيناي تشيّعانه الآن حتى نهاية الدربونة، وهو يحمل فوق ظهره الذي زاد انحناؤه، كيسا كبيرا ضاع لونه بكدمات الأيام.

ما تبقى قبل زحف الفجر الدبق، سأواسي به روحي بزخّة رحيمة من نظرية الاحتمالات. سأتخيل أنّ الفتى الوسيم قد فعل حسنا لأنه لم يصعد على ظهر تايتانك الفقراء، فيبلعه بحر الظلمات ويصير طعما للحوت. نبش المزبلة أحسن من دقّ أوتاد خيمة لجوء بعيدة.

حسنا عندي فكرة حلوة. في الليلة الآتية سأشتل كيسا ضخما بموضع بائن من وجه الحاوية، به حشد علب. سأدسُّ به بنطلونا وقميصا وحذاء من نوع نصف عمر. سأضع بجيب القميص الأمين خمسة دنانير. سأُطفئ قنديل الشرفة كي لا يكشف الفتى العالي أمري المبين.

Facebook
Twitter