علي السوداني
وها نحن رعية الله على أرضه ، نعيش باباَ جديداَ من علل ما كنا ندريها ، فمن جنون البقر ، الى فلاونزا الطيور ، وفلاونزا الخنازير ، وصولاَ الى فلاونزا الخيار وما شابهه من خضرة وخضار ، نعيش رعبها الآن . أما فلاونزا زمان الأبيض والأسود العتيق ، فكانت علة رحيمة وسهلة ولا تكلّف الناس الّا وسعهم ، من مثل حمّام ساخن متبوع بأستكان دارسين ، مطحون بعرق حار ، صحبة دعاء والدة مستجاب ، فأن حرنت النشلة ، واشتدت وأغلقت الخشم والقصبات ، راح العليل الى صيدلية رأس الشارع ، وابتاع منها ماسورة بيضاء بحجم سبّابة ، رأسها مدبب مريح يلج المنخرين بيسر عظيم ، ومع كل عملية شم واستنشاق ، ينفتح الخشم وتنتعش مجاري وزواريب الهواء ، وتبرد لهاة الفم حتى ساعة شفاء يقين . حقاَ أن العالم يحيا على خطر بائن . الأنسان مجنون ، يصنع أطناناَ من قنابل نووية وجرثومية وكيمياوية ، ويشتلها على مقربة من سكنه وزرعه وضرعه ومائه وملكه وحضارته وفنه وجماله ، فأن زلزلت الأرض زلزالها ، شال ابن آدم ، ما خفّ من خزانته ، وجر خلفه قطار العائلة ، وهام صوب منجى قد لا ينجي ولا يحمي من طوفان . تسونامي يستولد فرخ تسونامية ، ونتاج الأرض يكاد لا يكفي تأمين معد ساكنيها ، لكن شركات الأستطعام ، فاقدة الضمير والوجدان ، ما زالت في ماراثون وحشي من أجل تبديل وتطوير عادات الأستهلاك الآمنة ، فلفّة الهمبركر صارت من ثلاث طبقات ، والمقبّلات أتت على عناصر أساسية من طعام الناس ، وزوائد أخرى من مثل الصاص والخردل والكاتشب والمايونيز والتشيز ومسميات أخرى تكلّف اوروبا – مثلاَ وليس حسداَ – مصنع دولارات يكفي لأشباع جياع أفريقيا وابرائهم من فتك الأيدز . عالم مخبول في ركضة سريعة نحو الأنقراض ، لا يدري ما الذي سيحدث لو سقطت القنابل الذرية ، تحت يمين واحد مخبول مزاجي عصبي ، ميت الشرف والروح والضمير والآدمية . لقد وقع هذا الأثم قبل ست وستين سنة ، عندما استعملت أمريكا الوغدة المتوحشة ، هدايا الموت تلك ، ضد مدينتي هيروشيما وناغازاكي المسالمتين الآمنتين ، فقتلت وعوّقت من أهل اليابان ، آلافاَ مؤلفة ، ومازالت جراثيمهم تلبط في أرحام النساء . لا الشعر ولا الموسيقى ولا الرسم ولا منظر وجوه الأطفال الغائصين بأحضان أمهاتهم ، بمقدورها أن تمنع الوحوش من التلذذ بكل ما هو خسيس ودوني ّ ورذيل ، اذ عاد الأمريكان ثانية ، فرشّوا أرض العراق الطاهرة ، بقاذوراتهم من اليورانيوم المنضب ، وفسفور الفلوجة الأبيض ، وقنابل التكتيك التي تذيب لحم البشر ، وتسخّم الحجر . عالم قاس وعنيف ومفصوم ، تقوده شركات وسماسرة ومرتزقة أوجاع ، عندهم برميل النفط ، أغلى من برميل الدم ، وأحسن من كتاب الديمقراطية وحق البشر في البقاء . عنف يزورك في بيتك ، تقدمه لك ولعيالك ، مؤسسة هوليود العملاقة . أفلام عن مصاصي دماء ، ومروجي مخدرات ، ومؤججي غرائز بدائية ، وتمارين في القتل والنذالة ، لم تسلم منها حتى أفلام الكارتون التي ينطرها أطفالنا ، أكبادنا التي تدب على الأرض وما درت صوب أي حتف تسير . أيها الناس فوق أرض الله الواسعة ، امتنعوا عن مسح شطيرة الهمبركر بمادة المايونيز – مثلاَ – ، ثم تعالوا بعد شهر واحد وبيمينكم ، كلفة هذا التدبير من دنانير دسمة مدسمة ، واصبروا عليّ قليلاَ من دهر ، أبتني فيه لكم ولأطفالكم ، مدارس ورياضاَ ومشافي ، فيها شفاء وبراء من كل علة وكدمة في القلب أو في الضمير