كذبة التاسع من ابريل

ذكرى محمد نادر

هل تعرفون شكل الحرب سادتي .. هذا شيء في ذكراها:
قالوا.. صبيحة ذلك اليوم أن الدبابات الامريكية تقف على فم جسر الجمهورية في قلب عاصمة الرشيد!
        كان النهار محشورا بين غبار القنابل, وأدخنة الحرائق , وألجثث المحترقة على قوارع الطريق , ورائحة شواء الجلود البشرية ,ووجوه الناس ما بين الحيرة وعدم التصديق ..بعض منها يفترس ملامحه التشفي! .. قالوا تلك الصبيحة أن أرتالا أجنبية تجوس الطرقات.. والشوارع يطمس معالمها السراق, بعضهم يسرق الوطن,  فيما تُقطف رؤوس موتانا بغير عد!
      عند أخر الحي حيث أقطن كانت مضادات الطيران تطلق النار, وأسراب الطائرات تَغير, شخص لا أعرفه جاء راقصا , سألت على مّ ترقص؟ قال أنتهت الحرب وسلمنا!
 رصاصة واحدة أخترقت صدره فمات قبل أن يُصدق أكذوبة التاسع من أبريل!
      الاباتشي تَغيرما زالت.. وأبني يَلتمس مني البقاء, وفي القلب حرقة أن ألامر لا يعقل, كيف تسقط أرض الرجال, فأخبار أم قصر طبولها تدوي, ومعارك المطار ما زالت تشتعل نيرانها, خمسة جنود مغبرين بعيون دامية, عبروا بنا, أحدهم كان على وشك البكاء ,حديث السن جداً لخوض الحرب, قلت: خبرني عنكم ؟ قال مات ربعي..! قُتل آمر اللواء, خالة, قولي لي أنت أين أنا,؟ أُسقيه شُربة ماء , أُربتُ على رأسه الذي شاب مبكراً من هول حرب كاسرة.. سألته أين بقيتكم؟ صفن بوجهي ثمة, ثم بكى بصراخ ولطم صدره: ماتوا .. ماتوا… رأيت بعضا ممن يحملون متاع ما, يتعاركون على بقية أغراض …وعلى الناصية الاخرى كان هناك قتيل يحمل طفلا!
       الرشاش في أخر الشارع لم يصمت بعد يحكي عن مقاومة العدو.. جاء ولدي راكضا يصيح بي: أُمي المقاومون هناك عند ساحة اللقاء ماذا نفعل لاجلهم؟ في البيت بقية خبز أحملها اليه وأقول له أمضي به اليهم خَبرهم أننا معهم.
       الربيع لا يأبه للموت ويعلن عن نفسه, شاهدت الدبابات ألامريكية قرب جسر الاعظمية تدهس ألاعشاب الخضراء فيعلق بسرفاتها دم ربيع أخضر.. فجاة يصير الربيع أسود.. من أين يأتي هذا الصرير الهائل.. لا أعرف مصدراً له سوى السماء.. أنهم يشقون زيقها بطائراتهم ويطلقون النار كيفما أتفق.
       عند الظهيرة مازلت أغاني الوطن وأناشيد الحرب تعزف جولاتها ..فأين الجند ؟
        بعد الظهيرة جاء أخي يعلو وجهه التراب قال: الرجال عند مستديرة ساحة أم الطبول يتبارون بالموت.. تعالي معي فهناك جرحى.
أترك اطفالي بعهدة بعضهم, فما يعني أن نحيا بوطن محتل؟
      ساحة أم الطبول تغص بجثث المدنيين.. سيارة تحترق في عمقها جثث ..كان هناك رأس صغير يتدلى منها.. قلت لاْخي , لا جدوى أن نمضي اليهم.. سبقنا موتهم!
      قرب شارع المطار في بداية حي العامل كانت هناك بقايا جندي سَألنا أهلُ الحي عما يمكن فعله.. فأقترحنا الدفن لاكرامهُ. أسال نفسي ماذابعدُ أكثر؟
      ألقيامة تعلن عن نفسها على وجه عاصمتي.  تطل ألنارَ من شبابيك بعض البيوت والشوارع تفترسها أدخنة الحريق.. ما عدنا نعرف مصدر الطلقات من عدو أم صديق..الطائرات تحوم حول العاصمة كأسراب الذباب, تشوه وجه سمائها, أسأل اخي أحقيقة أن بغداد ألان محتلة؟
يصرخ بي : محال, ألمعركة ستبدأ توا!
       جاء رجل يركض على فرح, يصيح أنهم يسلبون سيارت حكومية وأشار الينا للننضم له, ذهبت نحوه ..بصقت بوجهه, على مقربةٍ, من قتلى البارحة أوما قبلها في فرارهم نحو الابدية.. شتمني هو جداً, ثم مضى لسرقته!
أمرني أخي قائلا: أرجعي..
     كنت, مأخوذة بما يحدث.. مجزرة تُقيم أَودها بأرواح الناس.. صراخ مذعور يأتيك لا تعلم من أين!
     قريبا من حي ألجامعة نفد منا وقود السيارة قال أخي, نتركها هنا, ونعود مشيا .. مضاد للطائرات عند أخر الحي, وجندي وحيد ربما, يطلق نيرانه رأيت رشقات منها تخترق السماء نحو الطائرات ..بغداد ما زالت تقاوم ..مر بنا عند المغيب رجل  جريح ملوث بالدماء .. هممنا اليه : كيف حالكم ؟ قال :
بَعدَنا نقاوم.. التاسع من أبريل كذبة.. لمن يصدقها
ثم مضى


 

Facebook
Twitter