قويةجدا علي السوداني

وهذه حكايةٌ لطيفةٌ طازجةٌ من حكايات باب الفيسبوك الشاسع، تشبهُ واحدة كنتُ وقعتُ عليها قبل عشرين بائدات، وكانت زبدتها المُرّة هي أنّ واحدا فهلويا ضحّاكا عيّارا ذا مخيالٍ منزاحٍ من صعاليك الوسط الأدبي، كان وقع بغتةً تحت سطوة اللون والفرشاة، فأنتج على غير هدى وعلمٍ ومنهجٍ، عشر لوحات لابطات فوق قماش الكانفس، محبوسات بأُطرٍ فخمة، ودعا ثلةً من الأدباء والفنانين، وأولَمَ لهم مائدة من خمرة وطعام طيّب ساخن، وأخبرهم أنّ هذه اللوحات العشر، هي من نتاج “أمير” عربيّ من صنف الهواة الكرماء، وطلب من كلّ واحدٍ من ضحاياه، أن يكتب كمشة سطور عنها، فكتبوا مادحين مستأنسين مطمئنّين ضاربين الكأس بالكأس، كما لو أنّ واحدهم مشتول اللحظة قدّام بيكاسو.

حكايتنا الليلة – أحبّتي الحلوين وحبيباتي الحلوات – هي عن كائنة شاعرة مفترضة من سكنة الفيسبوك العظيم، تُمطر القوم بجميل الشعر الرقيق الذي يدغدغهم ويبطحهم على فراش قيس أو ساري العبدالله، المبلّل بالدمع وبالسهر وبالحمّى، فتتلقّى منهم الغفلون والصاحون الكاتبون الكبار، سِلالا متلتلة عامرة، من الإعجابات والانذهالات والاندهاشات والتنهدات والتأوّهات والتوسّلات والتماهيات.

شاعرتنا المنتحلة الافتراضية – ربما شاعرنا أو حدّادنا أو طبّاخنا – تعرّش فوق قصائدها، صورة ليلية مكتنزة صائحة بشفتين عنبيّتين، وصدرٍ ناهدٍ فائرٍ إن جعلتْهُ فرجةً على دكة تحتها كتيبة جندٍ بسلاء مخلصين، لخرّوا تحته راكعين ساجدين سكرانين، وإذ ترى إلى تعليقات الفحول دون الفحلات، فكأنك تراهم وقد استعملوا النصف السفليّ من أجسادهم التي تتناوح وتشكو ليلا ما إليهِ حبيبُ.

ربّما سيقول قائلٌ منكم، أو قائلة منكنَّ وتسأل: ولمَ يا علّوكي لمْ تترك هذه المتعوسة المنحوسة المهووسة، تتلذّذ بلعبتها ولعابِها، مادامت الناس تقرأ وتستمتع وتتدغدغ مكبوتاتها والمخيال؟

أمّا أنا وحتماً كثرة كاثرة منكم، فأظنّ والظنّ ليس كلّه من ضلع الإثم، أنّ المسألة وشبيهاتها، إنما تدخل في باب الاستغفال والغشّ والحرام والعيب، واللعبة التي تريد إنتاج مليون شاعرٍ برأسنا كلّ سنة، وصولاً إلى قتل الشعر والفنّ بوساطة “إغراق السوق” بهكذا نتاج، والأرضُ إنْ خلتْ من شعرائها وفنانيها، ستكون أرضا جدباء خلاء من الجمال ومن الرحمة. شكرا هاء. شكرا سين هههه.

 

Facebook
Twitter