نرمين المفتي
وسط الرماد الذي يعشش كالخراب في كل مكان، يحاول القمر ان يتسلل إلى شقتي. اطفيء الشمعة، منتظرة ان ينجح القمر التعب من الليالي الموحشة و نهارات الرماد في محاولاته. تتلصص طائرة عمودية ، و ترمي بقذيفة تنوير نحوي. مشتبهة بي، بشخص لا تعرف ملامحه، يقف منتظرا على شرفة في الطابق الثالث عشر في أكثر شوارع بغداد سخونة و رعبا. تتوهج القذيفة. ادخل مسرعة بعد ان يفقدني الوهج اتجاه القمر. تستمر العمودية بدورانها و ترمي بقذيفة أخرى، يضيء وهجها المزعج، البقعة التي تكومت فيها بعيدة عن مقعدي المفضل. و يواجهني الإطار الفارغ من صورتك التي مزقتها شظية ساخنة، جرحت صورا عديدة و قررت ان تستقر بين عينيك. كم أحببت تلك الشظية التي شعرت بوجعي و صورتك جامدة أمامي، بينما حقيقتك الأنانية دفعتك إلى الهروب. ينطفئ الوهج و تبتعد العمودية. بعيدة عن الشمعة، يمتلكني الخوف. من نافذة جانبية، أحاول ان أجد القمر الذي اختبأ خلف غيمة، ظهرت فجأة.. قد تكون جاءت لأجله.. و لأجله أيضا، تتحول إلى قطرات مطر. و لأجلي، تبدأ القطرات بالتعلق بشعاع القمر.. و بالتزحلق نحوي. يوما قلت لك أنني بدأت أخاف قطرة المطر. أخاف ان امسكها و تفجر كفي. و قلت لي ان المطر لن يتوحش و لن يحاول ان يتعلم العنف.. و ” لا تخافي طالما أنا بقربك”. لكنك رحلت و معك صورك.. الآن اكتشف بأنك لم تكن سوى صورا مجمدة في حاسوبك.. صور كالفقاعة، كنت تخشى ان أفجرها برأس دبوس، حينها كان الآخرون سيعرفون بأنك لم تكن سوى صور باهتة نساها الزمن. تتزحلق قطرات المطر واحدة بعد أخرى. و تتمسك واحدة بالشعاع الذي يبدو تعبا من ثقلها. ينقطع الشعاع. تختفي الغيمة. و يكرر القمر محاولاته بدخول شقتي. أتجرأ و اخرج إلى الشرفة ثانية. ليل موحش و نباح كلاب تنبئ بأنها اكتشفت جثة (مجهولة). علمتني الكلاب بأنها لا تنهش جثة قتل صاحبها للتو، إنما تنتظر ان ( يطبخها) الشارع و ( تفوح)! رائحتها النتنة. يرتفع نباح الكلاب و يبدو قريبا.. هل تكون الكلاب تتسلق الجدران؟ و هي كالطائرة العمودية، تشتبه بي.. ان أكون جثة و تأتي لتفوز بي و تنتظر ان تتعفن جثتي.. و اكتشف بأنها فعلا تتسلق. يحاول القمر و تحاول الكلاب و أنا متجمدة على شرفتي، تنتهي الشمعة الوحيدة التي كانت قد بقيت من ليلة أمس. و… هل ألوم نفسي لعدم وجود فانوس نفطي او مولدة كهربائية صغيرة لدي؟ كرهت دائما رائحة النفط و هدير المولدة. الاثنان يثقبان الذاكرة، و أنا بالكاد أتذكرني. يتسابق القمر مع الكلاب. اشعر بكلب يحاول ان يتمسك بساقي من سياج الشرفة. أتراجع مغمضة العين، لا أريد ان أرى منظر الكلب و هو يهاجمني. أتمسك بالباب و اشعر بضوء يخترق جفني و يسكت النباح. افتح عيني و أرى القمر أو بعضه معي، على الشرفة. اصطحبه إلى الداخل. و تمتلئ الصالة بضوء مختلف، و القمر يبدو مبتسما و صغيرا. لم اعرف القمر صغيرا و حيا هكذا. و هو يبعث بنوره، بدأ يصغر و يصغر.. و إذ تحاول صورتك الممزقة ان تقفز من خلف الإطار مخافة ان تحرقها حرارة ضوء القمر المتوجهة نحوها. يقفز القمر، و يوقف محاولات صورتك. يحرقها كليا. و يجلس داخل الإطار. و يستمر الضوء داخل الشقة. صوت انفجار كبير في الشارع، يوقظني من نومي المضطرب في ساعة الصباح المبكرة. بكسل أغادر الفراش لأفتح النافذة كي لا يتشظى زجاجها. في طريقي إلى الشرفة لأراقب الشارع. أرى القمر تحول إلى صورة في الإطار الذي كان يضم صورتك. هل كنت احلم؟