حسن النواب
حتى لو استشهد قمر السراي فجر غد مذبوحا بحرابهم المظلمة ، سيصبح قمرا للفقراء في السماء ، وهناك مليون احمد سيقف تحت نصب الحرية بعد غد يحمل صوته ، حتى لو كمموا شهقاته ، فهناك صياح نوارس دجلة فوق جسر الجمهورية في كل صباح بغدادي تبقى تلهج بإسمه ، حتى لو غيبوه ، فهناك الإمام المهدي الذي يترقب بزوغه جميع الفقراء على وجه البسيطة وسنرى قمر السراي الى جنبه ، حتى لو احرقوا جميع قصائده ونثره ورسائله الغرامية التي كتبها بحبر روحه الى حبة ومنجم جنونه ، فهناك خطى الأطفال الملائكية وابتساماتهم بوجه الصباح وهم يحملون حقائبهم على ظهورهم وعلى رؤوسهم تتراقص الفراشات ستنشد معهم شعره ، حتى لو علقوه على صليب في قبو مظلم ، هناك امهات سيضعن رسمه على ابواب البيوت مؤطرا بالحناء ، حتى لو بزلوا شجاعته بسياطهم ، هناك حمام الحضرة الذي سيهدل فوق المنائر الذهبية لطيف ذهبي يحمل وجهه والذي مازال مضيئا على نصب الحرية ، حتى لو هشموا اصابعه التي كتب بها سطور الحق بعرق جبين الفقراء ، فهناك عبرات الفتيات البتول التي ستكون اصابعه وهو يكتب على جبين البلاد شهامة ضميره المضيء ، حتى لو حبسوا عنه الهواء الأخير ، فهو يدرك ان جنة عدم هذه الأرض ، حتى لو اغتالوا ابتسامته ، ستهبط نجوما من الفردوس باسمة وملائكة تطش الحلوى وفاكهة الطوبى والورد البتول على وجهه الطعين ، حتى لو كسروا حبات مسبحته التي صنعها من ضياع المنفى وعبرات الحروب ، فهناك مسبحة من صلواته الذبيحة معقودة على شباك الحسين ، حتى لو تركوا بين حاجبيه جرحا ، فهذا الجرح يشبه فم نبي يردد بسملات الله على ارض السواد ، حتى لو تركوا ثقوبا من رصاص كاتم الصوت على جسده النحيل ، هذه الثقوب انما هي العيون التي يبصر بها الله الى القتلة ، حتى لو مشطوا شعره الشاعري بحراب البنادق ، فهناك خصلة منه ستبقى تعويذة على جبين بغداد يؤطرها حفيف اجنحة الملائكة ، حتى لو احرقوا الأحلام في رأسه ، فهناك ثمة اسراب حمام ستطير من فم شهيد وتغني بهديل الحلم اليه ، حتى لو قطعوا وتر الكمان من اوردة قلبه ، فهناك جذور النخل التي ستعزف له اغاني الجنوب ، حتى لو هشموا الناي الذي يئن في حنجرته ، فهناك قصب الأهوار ستمر عليه شهقات الفقراء ويردد الأنين السومري العجيب على نعشه ، حتى لو صعدوا المنابر زيفا يبكون عليه ، سيرى الناس دمعهم ذرق خفافيش يسيل على لحاهم ، حتى لو احترفوا الموت بجسده العراقي النبيل ، فثمة موت مهين ينتظرهم في شوارع البلاد ، حتى لو شعروا بالندم بعد ذلك على جريرتهم وجريمتهم ، لكن سيوف عاشوراء لن ترحمهم ابدا ، حتى لو انتصروا عليه ..
لكنهم لا يمكن ان يشعروا بلذة النصر ..
مادام حرمان الفقراء مازال يتوهج في عينيه ..
لقد اجلوا شهادته .. اتعرفون لماذا ؟
لإنهم لا يجرأون على وأد ثورة الحسين القادمة هذه المرة مع قمر السراي والفقراء وهم يرونها تتكلم بوضوح من جراحهم وساطعة على شفتيه كلوح سومري كتبه الله بنور دم سرمدي يدعى العراق.