قصيدة محمولة على ظهر طبال علي السوداني

ولقد رأيتُ وسمعتُ في ما تأخّر من سنوات يابسات سبخاوات، جمعا متكاثرا من شعراء بعضهم يجيد الصنعة والمخيال وآخر يثرد بجنب الماعون، سمعتهم يلوكون القصيدة المنثورة ومصطلحها الملتبس، بحناجرهم المنغّمة وحركة أجسادهم المتوسّلة وقوة المايكرفون، وقد استعانوا مرات بواحد عوّاد أو طبّال أو مغنّ، كي يحمل على ظهر النوطة أشعارهم التي كتبوها من دون وزن ولا جرسٍ ولا طعم طيّب، لكنهم عادوا اليوم بحركة التفافية بائسة إلى مصاحبة موسيقي ماهر سيعبئ لهم نصف كراسي الصالة، أما الكراسي الباقيات على ذمة المكان، فلهُنّ بعض المارة والغاوين والزوجة وأمّها والعيال.

عندما كنّا نسألهم عن سرّ عماء القصيدة وطلاسمها وضبابها الكثيف وأحجياتها غير القابلة للهضم والفكّ، وإن عباد الله المنصت بعضهم حدّ الخشوع قد لا يفهمون ما يُقال، كان جوابهم الحداثوي الرنّان، إنّ الشعر مسألة خاصة والغموض سيرتفع بالقصيدة إلى ذروة الفنّ وإنهم غير معنيين بالمتلقي الذي همّشوه وعمموه وصَلَوهُ بمصطلح الآخر، الذي إنْ حضر حضر وإن غاب فليغبْ، فلماذا إذن جلبتم الموسيقي؟ ولماذا تركتم قولتكم المشهورة التي زبدتها هي أنّ قصيدة النثر موزونة ومموسقة ومطربة ويكاد صوتها الخفيّ يخرج من بطنها بقوة المعنى؟

في زمان غزو البلاد وموتها ومرضها وجحيمها، نجتْ كثرة من هؤلاء الحيّالين من ثقل الواجب فكتبوا قصائد يرتاح إليها الغزاة الأوغاد وتطرب لها منغلتهم لأنها حيادية جدا وغامضة طبعا ومريبة حتما، فإنْ قصفت أحدهم بمرسال عتب قويّ قال لك يا علّوكي الورد إنَّ المعنى بقلبي وإنْ اشتهيت إخراجهُ فعليك بكد فكريّ وقراءة ليست كسولة.

في غابة الفيسبوك تمّ عجن الحوابل بالنوابل، فصارت أمّ الخواطر شاعرة وأبو الذي ينادي حلوته “أنتي” قوّالاً بما يقول سعيدا ومصدّقا.

ولأنني لا أكتبُ عن هوى وعكرة مزاج غير مسندة بعِلمٍ جميل، سأقترح على أيّ واحد أو واحدة من هذا الصنف، أن يعطيني ثمن مبيت عشرة أيام وليلة عزيزة، بفندق مدهش يطلّ على كائنات المدينة وطرقاتها، مع كمشة من زجاجات العرق والمازة الطيبة والأكل القليل، وفي وَشَل الليلة الأخيرة، سأهبهُ ديوانَ شعرٍ قد يضيفُ إلى الضجيج طَبلةً ممكنة.

 

Facebook
Twitter