قصة (هُم ) من مجموعة (محطة ليل) للقاص ناظم مزهر كاظم حسوني

يستطيع المتابع لنتاج القاص المبدع ناظم مزهر ان يرصد فيوضات مخيلته وموهبته ، لما تزخر به لوحاته القصصية من رهافة وابعاد روحية ، والتقاط الجزئيات ، واللامرئيات المبثوثة في فضاءات الروح ، وفي سردياته تتضح طرائق السرد الشفافة الحالمة شديدة الحساسية ، بتلك الروح الوثابة المطلة من وراء السطور ، فالقاص ناظم مزهر شغوف بسحر السرد واستخدام جماليات الروي ، عبر تصويره لعوالم غرائبية ، فيها تمثيل واع لخصوصية المناخ وخلفيات البيئة المحلية التي تستدعيها عملية الابداع ، غرائبية ليس فيها تقمص او استنساخ اسلوبي للحداثة ، انما يشدنا العمق في صياغاته المشعة بحرارة النبرة وصدق الاحساس ، والكشف عما يعتمل في اغوار النفس، كما تجسد ذلك في قصص ( حديقة الروح ) و(قميص مآتة) و(عودة الملاك ) ، وقد تجلى ذلك اكثر في قصة (هُم ) المنشورة ضمن مجموعته الاخيرة (محطة ليل) ، ، وبمهارة حاذق يستدرجنا القاص منذ الجملة الاولى لينقل احساساتنا وافكارنا اتجاه عالم (الجن )! مثيرا فينا ركام الصور الغامضة والحكايات والاساطير والهواجس المترسبة في اعماقنا عن هذه المخلوقات الملغزة، التي روت عنها الكتب المقدسة وامتلأت بها مجلدات التراث . وهو يتناول (هُم ) اي (الجن ) بلغة رشيقة حين يدخلون احدى القرى على حين غرة ، فيشيعون فيها الخوف والتوجس (كانوا ينسلون الينا هجعا، مع خطى الليل ، كنفث من ضباب او سراب ، كما يخرج اليمام من بيض الاعشاش ، والفراشات من بياض شرانقها العذرية بعيدا عن الانظار ، يجوسون غرفنا الفارغة ، ونحن صامتون لا نكاد نقول شيئا ، وهم يمرقون بمحاذاة بيوتنا ، بتلك الهسهسة الجافة لانسحاق التراب او الاعشاب كما لو انها اتية من لا احد بل من لا مكان ) ، هنا نلحظ الصياغة السردية الدقيقة الراعشة الرهيفة في التصوير ، لحضور هذه المخلوقات التي اكتنز بها المشهد ، وتقصي اثارها حين تصمت الاشياء وتخلو ازقة القرية من ضجة النهار ، (اذ تبدأ اصوات (هُم) بالهجس الخفي وهم يتعثرون بوحل هنا وعلبة صفيح او حجارة هناك ، كمن يسيرون على عمى ) ترى اي خيال تخفق به القصة ، واي ترجيع للروح ، كمن يتقصى نداءات بعيدة ، يصيخ السمع لوقع اثرهم ، نشعر ان القاص يروي بعمق وصدق وفنية عالية عن عوالم (الجن ) واختلاطهم بالبشر والارض ، حابسا انفاسنا لما يحدث بمزج بليغ من الخيال والخلق الموحي والمؤثر والتحليق بعيدا ، رغم ان مايحدث كان وهما وربما هو وهم حقا !؟ الا انه زجنا في الدائرة التي يلتقي فيها الوهم بالحقيقة ويختلطان ، في دائرة الفن ، وعبر منطق السرد المكتنز بالايحاءات، جعلنا نحن القراء ، نترقبهم ! ونبحث عن ( هُم ) معريا بذلك حقيقة ارواحنا وايقاعات مخاوفنا ، رغم ان (هُم ) هم محض افتراض في لعبة النص .

 

Facebook
Twitter