غامر بحياته من اجل سلامة وامن رئيس الوزراء ولم ينل استحقاقه بالترفيع
قاتل الغزاة الاميركيين في العام 1991 بشراسة وكاد يفقد حياته في واحدة من المواجهات الجوية، وعاد لمقاتلة تنظيم داعش الارهابي احدى صنائع المطابخ السرية الاميركية بشراسة ايضا حتى كبت طائرته باستهداف ارهابي.
انه العقيد الطيار العراقي الشهيد صباح صاحب العيداني من محافظة البصرة جنوبي العراق.
بعد التأكد من سقوط مروحيته ودخوله في عداد مجهولي المصير، تلقت ابنته “شمس” اتصالا من هاتف والدها بعد منتصف الليل، لكنه لم يتكلم معها، حينها اعتقدت بوجود خلل في الشبكة فقطعت الاتصال وعاودته مراراً وتكراراً دون أن تلقى رداً.
عند مغيب الشمس، يوم الجمعة (12 كانون الأول 2014) تلقت عائلته اتصالا هاتفياً من قيادة طيران الجيش العراقي يفيد بأن طائرته المروحية العسكرية تم إسقاطها بصاروخ في ناحية المعتصم ضمن قضاء سامراء، وأن مصيره لم يزل مجهولاً مع مساعده النقيب الطيار صادق عبد السلام صادق من محافظة المثنى.
وبالرغم من شعور عائلته بالصدمة، لكنها كانت تأمل بنجاته كما نجا خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 من حادث مشابه واجهه في الكويت، وماعزز من هذا الشعور، الاتصال الغامض.
بعد إبلاغ عائلة العقيد لقيادته بذلك الاتصال تولدت قناعة لدى القيادة بأنه ما يزل حياً، لكنه يعاني من إصابات شديدة حالت دون تمكنه من الحديث مع ابنته، وخلال أقل من ساعة بدأت قوة كبيرة من الفرقة الخامسة التابعة للشرطة الاتحادية هجوماً برياً من أجل الوصول الى موقع سقوط الطائرة لإنقاذ الطيارين، وبعد معركة استمرت لأكثر من خمس ساعات تمكنت القوات من الوصول الى الموقع.
وبهذا الخصوص يقول شقيق الطيار الفقيد، حيدر صاحب العيداني ، إن “القوات العراقية عثرت داخل حطام الطائرة على جثتي أخي ومساعده، وعلى ما يبدو إنهما استشهدا فور ارتطام الطائرة بالأرض بعد إصابتها بصاروخ حراري موجه من نوع (Strela) أطلقه إرهابيون من داخل بستان على الطائرة عندما كانت تحلق على علو منخفض نسبياً يتراوح ما بين 400 – 700 متر”.
ولفت العيداني وهو ضابط عسكري برتبة رائد، الى أن “الطائرة مجهزة بنظام دفاعي يستشعر الصواريخ المطلقة عليها، حيث يظهر إنذاراً صوتياً يحذر الطيار من وجود نيران معادية، حينها يجب عليه إطلاق أقراص حرارية وظيفتها تشتيت الصواريخ وتضليلها، وإذا لم يستجيب الطيار للتحذير يمكن أن تنطلق الأقراص تلقائياً”، مبيناً أن “تلك الأقراص لم تخرج من الطائرة، إما لوجود خلل فيها أو في أجهزة الاستشعار والتنبيه، كما أن الطائرة الحديثة التي كان يقودها مع مساعده غير مدرعة وأجزاء خارجية منها مصنوعة من ألياف زجاجية”.
وتابع حيدر أن “القوات الأمنية عثرت على بعد أمتار عن حطام الطائرة على هاتف أخي الذي ورد منه الاتصال بعد منتصف الليل، والهاتف كان تالفاً، وأحدهم قام بانتزاع شريحة الاتصال منه”، موضحاً أن “القوات الأميركية أبلغت فيما بعد قيادة طيران الجيش العراقي بأن طائرة مراقبة أميركية من نوع (AWACS) رصدت وجود شخصين مجهولين قرب الطائرة بعد إسقاطها، وفي ضوء ذلك يعتقد أن أحدهما استولى على شريحة الاتصال ووضعها في هاتف آخر، ومن ثم حاول استخدامها”.
من جانبه، قال الضابط المتقاعد أحمد عبد الأمير العيداني، وهو صديق مقرب للعقيد الطيار وجاره ومن أبناء عشيرته، إن “الشهيد صباح صاحب عباس كان شجاعاً وخبيراً ومخلصاً في عمله، بدليل انه كان كثيراً ما يجازف بحياته ويحلق على علو منخفض في مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي توخياً منه للدقة في إصابة الأهداف ولحرصه الشديد على عدم وقوع ضحايا من المدنيين”، مضيفاً أنه “كان الذراع اليمنى لقيادة طيران الجيش في قاطع عمليات صلاح دين، وكثيراً ما كان يكلف بتنفيذ واجبات صعبة في محافظات أخرى، فعلى سبيل المثال تولى خلال الأعوام القليلة الماضية قيادة الجهد الجوي في محافظة كربلاء لحماية المشاركين في زيارة أربعينية الإمام الحسين (ع)، وكذلك نفذ الكثير من المهام القتالية في قاطع عمليات الأنبار، وخلافاً لمعظم الضباط الطيارين الكبار لم يكن يفضل العمل الإداري”.
ولفت العيداني الى أن “الشهيد لم يكن منتمياً الى أي حزب أو حركة سياسية، وكان خلال الفترة الأخيرة يشكو بهدوء من تأخر ترقيته الى رتبة عميد بالرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمها، خاصة وأن معظم الضباط الذين كانوا يدرسون معه أصبحوا يحملون رتباً أعلى منه”، مبيناً أنه “أصبح عميداً بعد أن نال شرف الشهادة دفاعاً عن الوطن، حيث يقضي قانون الخدمة والتقاعد العسكري بترقية المقاتل رتبة أعلى عند استشهاده، لكن كان من الإنصاف أن يرفع قبل ذلك، كما لم يكن من المناسب حرمانه قبل عامين من إكمال دورة تدريبية في ألمانيا بسبب حادث واجهه أثناء تنفيذ طلعة جوية قرب العاصمة بغداد”.
وأشار العيداني الى أن “الحادث وقع نتيجة تفاني صباح في عمله، فقد كان مكلفاً من قيادته بتوفير الحماية من الجو لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ولما لاحظ وجود أشخاص يقومون بأعمال حفر مثيرة للشك بجانب الطريق الذي كان يسلكه موكب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي سارع الى الهبوط بالطائرة الى مستوى أقل من 30 متراً ليرى بوضوح تام ما الذي يجري، حينها شاهد مجموعة من العمال، وعندما حاول الارتفاع بالطائرة مجدداً ارتطمت مروحيته بسلك للكهرباء، ما أدى الى إصابتها بأضرار طفيفة لم تستوجب الهبوط اضطراريا ولا إلغاء المهمة، لكن بعد عودته الى القاعدة الجوية وجهت له وزارة الدفاع اتهامات بالتقصير وقررت عدم إيفاده الى ألمانيا لإكمال دورة تدريبية على استخدام نوع معين من الطائرات، وهو الأمر الذي آلمه نفسياً، إذ كان يتوقع الثناء بدل المساءلة، خاصة وأن الطائرة التي كان يقودها غير مزودة بكاميرات تمكنه من رصد التحركات على الأرض بدقة من على علو مرتفع”.
وأشار العيداني الى أن “الحادث وقع نتيجة تفاني صباح في عمله، فقد كان مكلفاً من قيادته بتوفير الحماية من الجو لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ولما لاحظ وجود أشخاص يقومون بأعمال حفر مثيرة للشك بجانب الطريق الذي كان يسلكه موكب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي سارع الى الهبوط بالطائرة الى مستوى أقل من 30 متراً ليرى بوضوح تام ما الذي يجري “.
أما الصديق المقرب للعقيد الطيار الربان البحري سمير عبد علي مرزوق، فقال إن “الشهيد صباح صاحب عباس يعد شخصية نادرة في زمننا، فهو كان متصالحاً مع نفسه ومحباً للجميع، وكان خيمة لجميع أقاربه وأصدقائه، وكنا نلجأ إليه في حل المشاكل وفض الخلافات باعتباره شخصية اجتماعية تحظى باحترام وتقدير الجميع”، مؤكداً أنه “تمكن من تكوين نفسه بنفسه في عمر مبكر، وعاش معظم حياته ميسور الحال”.
يذكر أن العقيد الطيار صباح صاحب عباس العيداني ولد في البصرة عام 1963، وبعد تخرجه من إعدادية الجمهورية ألتحق بكلية الطيران الحربي وتخرج منها منتصف الثمانينات برتبة ملازم، كما درس القانون في كلية شط العرب الجامعة، وبعد احتلال العراق في عام 2003 ترك الحياة العسكرية وهو برتبة مقدم وانصرف الى ممارسة مهنة المحاماة والعمل التجاري، ثم عاد الى طيران الجيش في عام 2008، وفي عام 2012 تمت ترقيته الى رتبة عقيد، وهو أب لستة أولاد وبنات.
ويعد العيداني ثاني طيار عسكري من محافظة البصرة يفقد حياته خلال العام الحالي، فقد خسرت البصرة قبله اللواء الطيار ماجد عبد السلام التميمي الذي سقطت الطائرة المروحية التي كان يقودها في منطقة جبل سنجار بسبب خلل فني خلال قيامه بنقل مواد إغاثة وإجلاء نازحين ازيديين لاذوا بالجبل هرباً من بطش تنظيم “داعش”.