قصة تجنيد الارهابي ابو بكر البغدادي للمخابرات الاميركية وزراء خارجية اميركا السابقون: سياسة اوباما حيال سورية كارثة

الفكر التكفيري الظلامي ابتدأ بالخوارج وروجه نظام بني سعود

 

 

 

 

 

تعود جذور الفكر التكفيري الظلامي إلي أول خلاف حدث في فجر الإسلام، بين الإمام علي بن أبي طالب ‘رضي الله عنه’، ومعاوية بن أبي سفيان في أعقاب قضية التحكيم بينهما، الذي أفضي إلي إنهاء عهد الخلافة ليحل بدلاً منه عصر التوريث.
منذ هذا الوقت ظهر ما سُمِي بفكر ‘الخوارج’، حيث انطلق هذا الفكر من رؤية سياسية مغايرة ومعارضة لمبدأ التحكيم من الأساس، وكان من رأيهم ‘أن التحكيم سيقود إلي نهاية عهد الخلافة’، مما دعاهم إلي رفض حكم معاوية بن أبي سفيان وتكفير الإمام علي بن أبي طالب هو ومَنْ أيدوه في فكرة التحكيم من الأئمة والدعاة.
غير أن هذا الفكر وجد له أنصاراً في كل مكان وزمان منذ هذا الوقت، حيث اعتُبر ابن تيمية  عماد هذا الفكر المتطرف، وأصبحت فتاواه بمثابة الأساس الفقهي لجماعات التطرف والعنف الأصولي في العديد من البلدان العربية والإسلامية.
ويُنظَر إلي تنظيم ‘داعش’ في العراق وسوريا باعتباره من أكثر هذه التنظيمات تشدداً وتطرفاً، بما في ذلك تنظيم ‘القاعدة’ الذي خرج منه أبو مصعب الزرقاوي الذي يُعَدُّ بمثابة الأب الشرعي لتنظيم ‘داعش’.
لقد سعي الخوارج والأمويون وغيرهما، إلي استخدام كافة أساليب القهر والترهيب وارتكاب المجازر الجماعية، إما بهدف توطيد أركان حكمهم أو فرض ثقافتهم بحد السيف، وكل ذلك كان يجري تحت راية القتال في سبيل الله وشريعته.
إن الملاحَظ في كل هذه الحروب والمواجهات هو استدعاء نصوص الدين والأحاديث النبوية وتوظيفها وفقاً للحسابات السياسية، وهو نفس ما ينطبق علي تنظيم ‘داعش’ الذي أضاف علي ذلك استدعاء رواية نهاية العالم بخروج المسيح عليه السلام وكذلك معركة ‘هرمجدون’، بالضبط كما حدث مع جهيمان العتيبي الذي هاجم الحرم المكي في نوفمبر1979، بادعاء أنه ‘المهدي المنتظر’.
هكذا قدَّم ‘أبوبكر البغدادي’ نفسه في صورة ‘المخلِّص’ الذي سيحرر العالم بسيفه، مستنداً في ذلك إلي روايات تاريخية ودينية متعددة، فباسم الشريعة الإلهية أقام المذابح والمجازر واستخدم أساليب السحل والعبودية، وباسم الحرب علي المرتدين امتدت أنهار الدماء من تكريت والموصل بالعراق إلي الرقة وحلب وإدلب وحمص في سوريا. وإذا كانت ‘داعش’ قد أشهرت سلاح ‘الشريعة الإلهية’ بزعم أن السماء منحتهم التصريح المطلق لشن حرب مقدسة ضد من تسميهم الكفرة والمرتدين، فإن الثقافة التي أصبحت سائدة بين عناصر هذا التنظيم هي ثقافة الدم والانتقام بلا حدود.لقد قامت ‘داعش’ بنشر واستغلال صورة لطفل من بوليفيا بعين واحدة، وراحوا يروِّجون في محاولة لتجنيد المزيد من الشباب بأن هذا الطفل هو ‘المسيخ الدجال’ الذي يأتي في آخر الزمان.
‘أوباما’ تأكد من خطورة ‘داعش’ بعد أن خرجت عن السيطرة وأرسل ‘كيري’ للشرق الأوسط لبناء تحالف دولي لمقاومة التنظيم
لقد نشرت مواقع أمريكية عديدة قصة هذا الطفل الذي وُلد مشوهاً لأسباب جينية وصحية مختلفة، إلا أن ‘داعش’ راحت تبث الذعر بين الشباب وتطالبهم بسرعة اللحاق بقطار الآخرة قبل فوات الأوان.
ويقوم التنظيم بالترويج لحلم الخلافة علي أوسع نطاق إعلامي، محاولاً بذلك إعادة إنتاج التاريخ بأحداثه ووقائعه، بل حتي عندما أصدر صحيفة ‘دابق’ فقد كان يهدف إلي نسبتها لمعركة ‘مرج دابق’، التي انتصر فيها السلطان سليم الأول علي قنصوة الغوري بالقرب من حلب وبموجبها فُتحت الشام.
لقد استطاع ‘داعش’ استقطاب الشباب والنساء من أصحاب نزعات العنف والتطرف ليكونوا فاعلين أصليين في لعبة الدم والموت التي باتت تجذب البعض من الساخطين والمرضي النفسيين والباحثين عن العيش داخل مجتمعات تمنحهم الحق في الخروج عن المألوف والسعي إلي بناء عالم آخر مختلف عن صورة الحياة التي عاشوها في مجتمعاتهم.
إن مثال الضابط السابق بالشرطة ‘أحمد الدروي’ الذي كان مرشحاً لعضوية البرلمان المصري، هو خير دليل علي هذا النمط من السلوك النشاز الذي يدفع هؤلاء إلي المضي قُدماً نحو طريق العنف والدم بلا هوادة.
لقد فشل ‘الدروي’ في الحصول علي عضوية البرلمان المصري عام 0102، رغم الأموال الضخمة التي قام بصرفها علي دعايته الانتخابية، ثم اكتشف في وقت لاحق أنه مصاب بمرض صداع مزمن أدي إلي مضاعفات صحية خطيرة، فسافر إلي أمريكا لإجراء عملية جراحية ومنها إلي تركيا، ثم إلي سوريا حيث تولي منصب القائد العسكري لجماعة جند الخلافة الإرهابية باللاذقية. وبعدها بفترة من الوقت بايع ‘الدروي’ أبوبكر البغدادي وانضم إلي ‘داعش’، وقُتل في عملية انتحارية، بعد أن عيَّنه البغدادي قائداً عسكرياً للتنظيم في تكريت. وعندما نشر ‘أبومصعب المصري’ القيادي في تنظيم ‘داعش’ خبر مقتل الدروي في شهر أكتوبر الماضي، كانت الصدمة كبيرة لكل من عرفوه، ولم يظن أحد منهم ولو للحظة أن هذا الرجل ‘الهادئ الصامت دائماً’ يمكن أن يتحول إلي مشروع ‘انتحاري وإرهابي’ يقتل بلا رحمة ودون وازع من دين أو ضمير. إن نفس الظاهرة تمتد أيضاً إلي النساء الغربيات اللاتي يتدفقن إلي ساحة القتال ويعلنَّ انضمامهن لـ’داعش’، رغم كافة الظروف القمعية التي تعانيها النساء في دولة ‘داعش’.
جاءت ‘داعش’ لتشكل عنوان هذا الحلم، فقد وُلدت في ظروف غامضة، ونجحت فجأة في اقتطاع مساحة من الأرض من جغرافية سوريا والعراق بطريقة وسرعة أثارت الشكوك، وطرحت علامات الاستفهام، فقد نجحت بمقتضي ذلك في تأسيس ما أسمته ‘الدولة الإسلامية في العراق’، ثم تطور المشروع إلي ‘الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام’، ثم إلي ‘الدولة الإسلامية’، ومُنحت البيعة من عناصر التنظيم لأبي بكر البغدادي خليفة ‘للمسلمين’!! إن نشأة ‘داعش’ وتطورها السريع وامتلاكها لآليات الحرب المتقدمة، كانت ولا تزال محل جدل شديد، ومثار اهتمام كبير لدي أجهزة الاستخبارات، التي أدركت أن صناعة هذا التنظيم مرتبطة بأجندات إقليمية ودولية.
لقد كانت تركيا من أولي الدول التي أشير إليها باعتبارها الدولة الحاضنة للتنظيم، التي وفرت كافة أنواع الدعم اللوجيستي، ودربت عناصره وفتحت الطريق أمام مرور آلاف الأجانب للانضمام إلي التنظيم في سوريا والعراق. لقد كان من أهداف تركيا التي وقفت وراء دعمها واحتضانها لهذا التنظيم هو تحقيق الحلم بعودة النفوذ التركي إلي المنطقة مجدداً بعد الفشل الكبير الذي منيت به السياسة التركية في سوريا ومصر علي وجه التحديد.وإلي جانب تركيا فإن ‘إسرائيل’ والولايات المتحدة وقطر أطراف لديها أجنداتها السياسية التي لا تخفي علي أحد من وراء صناعة هذا التنظيم، وامتداد نفوذه الواسع في المنطقة، ذلك أن للدول الثلاث مصلحة مباشرة في تفتيت الكيانات الوطنية لحساب مشروع الشرق الأوسط الجديد.
أما إيران، التي أدركت أن ‘داعش’ يشكل خطراً علي نفوذها ومصالحها، فقد تحركت بحذر شديد ولم تبد رداً فورياً علي الرسالة التي بعث بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي المرشد العام الإيراني علي خامئني يطالبه فيها بضرورة التدخل العسكري المباشر علي الأرض العراقية لمواجهة ‘داعش’. يبقي الحديث إذن عن هذا التناقض في الموقف الأمريكي، فبالرغم من أن كافة المؤشرات لا تستبعد وجود دور أمريكي فاعل في نشأة تنظيم ‘داعش’ كما هو الحال سابقاً مع ‘القاعدة’ فإن الحيرة تكتنف المرء أمام هذا الحشد الذي سعت الولايات المتحدة إلي تكوينه تحت شعار ‘التحالف الدولي لمواجهة إرهاب داعش’. إن الأمر يعود في تقديري إلي نتائج هذا الاجتماع المهم والخطير الذي عقدته ما سمي ‘الخلوة الدبلوماسية الأمريكية’ في شهر يونيو 2014، التي أصدر الرئيس أوباما قراراً بتشكيلها لبحث الإجابة عن السؤال الأكثر إلحاحاً: ‘كيف تتعامل أمريكا مع الوضع الجديد في الشرق الأوسط في ضوء نمو حركات التطرف والإرهاب وفي مقدمتها داعش؟’. لقد جري تشكيل الخلوة الأمريكية برئاسة وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق ‘كوندليزا رايس’ وضمت وزراء الخارجية السابقين ‘جيمس بيكر، مادلين أولبرايت، هيلاري كلينتون، كولن باول’ وأيضاً وزير الخارجية الحالي جون كيري وعدداً من مستشاري الأمن القومي والمخابرات الأمريكية السابقين، في حين تولت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي متابعة أعمال هذه اللجنة.
وبعد عدة جلسات أصدرت اللجنة توصياتها، التي كان لها أثر كبير في تحرك الإدارة الأمريكية والسعي نحو تشكيل التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب.
لقد تناولت ‘الخلوة’ ثلاثة عناوين مهمة هي:
1- التغيير في مصر وسقوط حكم الإخوان.
2- الوضع في سوريا والعراق في ضوء التطورات الجديدة.
3- إيران النووية.
وجاءت توصيات ‘الخلوة’ حول العناوين الثلاثة علي قدر كبير من الأهمية، وأهم ما فيها أنها تضمنت المطالبة بمراجعة أخطاء السياسة الأمريكية التي وقعت فيها إدارتا بوش الابن وأوباما في إدارة هذه الملفات.
وبعيداً عن الملفين المصري والإيراني، فقد تضمنت توصيات ‘الخلوة’ بشأن سوريا والعراق انتقادات حادة للسياسة الأمريكية في التعامل مع هذا الشأن، ومن بينها القول حرفياً: ‘لقد أثبتت سياستنا في الفترة القصيرة الماضية أننا لم نكن علي علم ودراية بكل تحركات قوي التغيير في المنطقة، فما يحدث في العراق الآن كنا ننظر له علي أنه من فعل مجموعات إرهابية تابعة للقاعدة، وتناسينا طيلة الفترة الماضية أن تنظيم القاعدة الذي عمل في العراق أصبح من الصعب اجتثاثه، لأن عوامل كثيرة ساعدت علي نمو هذا التنظيم وخلق بيئة حاضنة له في صفوف الشعب العراقي تحميه وتمده بالدعم بل وتتحالف معه’. وقال التقرير: ‘لقد تعامينا عن واقع العراق، ونظرنا للنظام القائم هناك علي أنه نظام حليف ويعمل وفق أجندتنا، وهذا ما كان ينفيه الواقع، فتأثير إيران في المعادلة العراقية أصبح أكثر من دورنا وتأثيرنا هناك. لقد أهملنا طيلة الفترة الماضية شرائح واسعة من الشعب العراقي وقواه التي ساعدتنا وتحالفت معنا في إسقاط نظام صدام حسين وتناسيناها، ودعمنا نظاماً مارس القهر والاستبداد علي هذه الشرائح والقوي، فلم يكن أمامها في النهاية وبعد أن سُدَّت كل الأبواب في وجه مطالبها سوي التحالف مع القاعدة حتي ولو كان هذا التحالف شيطانياً. لقد أضعنا عدة فرص تاريخية لبناء نظام ديمقراطي في العراق، بل علي العكس من ذلك دعمنا الاستبداد والتطرف وتوافقنا عن قصد أو بغير قصد مع الأجندة الإيرانية في العراق’. وقال التقرير: ‘إن هذا سيكون له ثمن كبير بالنسبة لأمريكا، فلن نكون قادرين علي إعادة توحيد وحشد الشعب العراقي ضد الإرهاب مرة أخري، ولهذا يجب علينا أن نعيد النظر في كل سياساتنا باتجاه العراق، وأن نعترف بأن سياساتنا هناك كانت فاشلة، وأنها ستكون سبباً في تقسيمه’.
أما بالنسبة للموضوع السوري فقد قال التقرير: ‘لقد كان هناك إقرار بفشل السياسة الأمريكية في سوريا لأنها ارتكزت علي آراء وتصورات بعض الحلفاء في المنطقة، واقتنعت الإدارة الأمريكية بها دون أن تدرس الواقع السوري جيداً’. وقال التقرير: ‘إن هذه السياسة لم تعتمد علي الرؤية الأمريكية الخالصة، بل كانت تتأثر بالدول المحيطة بسوريا خصوصاً تركيا وإسرائيل وبعض دول الخليج، فتعاملت الولايات المتحدة مع الواقع السوري علي أنه في حكم المنتهي حتماً، والمسألة مجرد وقت، وأن هناك وضعاً سورياً جديداً سيخلف هذا النظام علي الأرض قريباً’!! وقال التقرير: ‘لقد ردد الرئيس أوباما خلال عام تصريحات صحفية لا حصر لها تشير إلي أن نظام بشار الأسد قد أصبحت أيامه معدودة، مع أن كل الدلائل كانت تشير إلي عكس ذلك، مما كان له بالغ الأثر في هز مصداقية الولايات المتحدة أمام الرأي العام’. وقال التقرير: ‘من الآن علينا أن نقرر، من هو الأكثر خطورة، هل هو نظام بشار الأسد أم نظام أيمن الظواهري والقاعدة وداعش والنصرة؟’. وقال التقرير كذلك: ‘إن ما يحدث في سوريا والعراق يهدد أولاً الأردن، الذي ستحيط به عناصر الإرهاب و’داعش’ تحديداً من محورين أساسيين، وسيكون من الصعب علي الأردن الصمود والمواجهة إذا لم نُعِدْ تقييم سياساتنا هناك. أما إسرائيل فستكون مضطرة للتدخل بنفسها وبدون قرار أمريكي، لأن وجودها سيصبح مهدداً في حال إجراء أي تغيير في الأردن. كما أن آبار النفط في دول الخليج ستسقط كاملة في يد هؤلاء الإرهابيين إذا ما تمكنوا من الوصول إليها في دول الخليج، مما ستترتب عليه آثار خطيرة في العالم بأسره’.
وبعد أن اطلع الرئيس أوباما علي هذا التقرير ودراسة الواقع الجديد في ضوء ارهابيو ‘داعش’، أصدر تعليماته لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالقيام بجولة في المنطقة في النصف الأخير من شهر يونيو 2014، لم يستطع فيها إقناع الأطراف المعنية ببناء تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، إلا أنه ومع تصاعد الأوضاع عاد مرة أخري إلي المنطقة، وتمكن من إقناع الرافضين وتم عقد مؤتمر جدة في 12 سبتمبر 2014.
إن التساؤلات التي تطرح نفسها حول نشأة تنظيم ‘داعش’ ومساراته وأهدافه الحقيقية وتحالفاته المختلفة، ومواقف الأطراف الدولية والإقليمية منه سوف تبقي ولفترة طويلة مثار حوار وجدل بين المحللين والمعنيين، بل والرأي العام أيضاً.
من هنا يأتي هذا الكتاب الذي حاولتُ من خلاله الإجابة عن بعض التساؤلات المطروحة في الشارع، من خلال قراءة الواقع بأبعاده المختلفة، سعياً إلي فك طلاسم الكثير من علامات الاستفهام.
(يتبع في عدد مقبل).

 

Facebook
Twitter