العقيد حجي بكر احد ضباط الجيش العراقي السابق كان اليد اليمنى للبغدادي
بعد الإعلان رسميًّا عن مقتل أبوعمر البغدادي، تم في 16 مايو 2010 توجيه الدعوة علي الفور إلي مجلس شوري الدولة الإسلامية في العـراق لانتخاب قيادة جـديدة، فجـري انتخـاب ‘أبوبكر البغدادي’ عضو مجلس شوري التنظيم أميراً والناصر لدين الله سليمان وزيراً للحرب.
لقد كانت مهمة أبوبكر البغدادي قبل أن يتولي موقعه الجديد هي تسهيل انضمام العناصر الإرهابية المتطرفة إلي التنظيم، خاصة العناصر المقبلة من سوريا والمملكة العربية السعودية.
وكان ‘البغدادي’ يتولي بنفسه الإشراف علي عمليات خطف الأفراد والمجموعات المخالفة لأفكار التنظيم، وكان يُخضعهم للمحاكمة أمام ‘المحكمة الإسلامية’ أو ‘المحكمة الشرعية’ التي كانت في أغلب الأحيان تُصدر أحكامها بالإعدام فيأمر ‘البغدادي’ بتنفيذها علناً، لبث الخوف بين المواطنين.
وبعد أن سطع نجمه في عام 2010 وقام بعمليات إرهابية كان لها تأثيرها الكبير علي الأرض في العراق، لفت الأنظار وأصبح يُنظر إليه علي أنه يشكل خطراً كبيراً علي الأوضاع.
في نهاية عام 2011، كانت الاعمال الارهابية في سورية قد بدأت تشهد تطوراً غير مسبوق، وبدا أن المؤامرة تهدف إلي إسقاط الدولة السورية وتقسيمها إلي دويلات طائفية وعرقية.
كان العقيد حجي بكر وهو من ضباط الجيش العراقي في زمن صدام حسين هو اليد اليمني لأبوبكر البغدادي في هذا الوقت وقبل أن يلقي مصرعه في يناير 2014 في سوريا.
ومع تزايد حدة العنف في سوريا، ازداد الغليان داخل ارهابيي ما يسمى بـ ‘الدولة الإسلامية في العراق’، فنصح العقيد حجي بكر أمير الدولة ‘أبوبكر البغدادي’ بأن يلجأ إلي فكرة تشكيل مجموعة من غير العراقيين تشارك في الحرب ضد الشرعية الوطنية في سورية.
وقـد تـم اختيار ‘محمـد الجولاني’، أحـد كبـار مسـاعدي ‘أبوبكر البغدادي’، ليتولي قيادة هذه المجموعة، خاصة أنه سوري الجنسية.
وبالفعل سافر محمد الجولاني إلي سوريا وبدأ تشكيل ‘جبهة النصرة لأهل الشام’ بستة أفراد ، ثم بدأ الكثيرون ينضمون إليها مع بداية الإعلان، وقد أثار ذلك قلق ‘أبوبكر البغدادي’، خاصة بعد أن راح اسم ‘محمد الجولاني’ يزاحم اسمه، وبدأ الارهابيون من السعودية وليبيا وتونس والجزائر والمغرب واليمن والخليج يتدفقون للانضمام إلي صفوف الجبهة.
في هذا الوقت قدَّم العقيد حجي بكر نصيحة أخري إلي ‘أبوبكر البغدادي’ طالبه فيها بوضع حد لتسرب الارهابيين إلي داخل الحدود السورية والانضمام إلي ‘جبهة النصرة’، وقبل أن يُصدر البغدادي قراره بحل ‘جبهة النصرة’ وإعلان قيام ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام’ بثلاثة أسابيع، بعث بالعقيد حجي بكر إلي سوريا للبدء في تشكيل فصيل مناوئ لتوجهات ومواقف ‘محمد الجولاني’ يكون مستعداً لمواجهته حال رفضه الانصياع لتعليمات ‘أبوبكر البغدادي’.
وقد نجح العقيد حجي بكر، خلال أيام معدودة، في جذب قادة تحت سلطتهم نحو قرابة ألف مقاتل وأخبرهم سرًّا بوقت إعلان حل ‘جبهة النصرة’ حتي يكونوا مستعدين للمواجهة. وأبلغ العقيد حجي بكر بقية قادة جبهة النصرة بوجود الأمير أبوبكر البغدادي في سوريا حتي يهيئهم لتقبُّل قرار الحل والمبايعة.
وفي التاسع من أبريل 2013 بثَّت شبكة ‘شموخ الإسلام’ رسالة صوتية من ‘أبوبكر البغدادي’ يعلن فيها دمج ‘جبهة النصرة’ مع ‘دولة العراق الإسلامية في العراق والشام’ تحت اسم ‘داعش’.
كان الخبر صادماً لمحمد الجولاني أمير ‘جبهة النصرة’ والمقربين منه، فثاروا وأعربوا عن غضبتهم ورفضهم لهذا القرار الذي قيل إن ‘البغدادي’ اتخذه دون التشاور معهم.
كانت مدينة الرقة السورية قد سقطت منذ فترة تحت حكم العديد من الجماعات الارهابية، حيث وجدت علي أرضها ‘جبهة النصرة’ و’حركة أحرار الشام الإسلامية’ وفصائل أخري.
وبعد الإعلان عن الدولة الإسلامية بايع القسم الأكبر من ‘جبهة النصرة’ أبوبكر البغدادي، وشكلوا علي الفور النواة الأساسية لتنظيم ‘داعش’ في هذه المنطقة، ومع بداية شهر يوليو 2013 بدأ التنظيم بمواجهات عسكرية مع بقية الفصائل وسعي إلي تفكيكها والقضاء عليها.
وفي الأول من أغسطس 2013، استطاع التنظيم أن ينتصر علي ‘لواء أحفاد الرسول’ في معركة استمرت 13 يوماً، وبتاريخ 13 أغسطس، نجح التنظيم في تفجير سيارة مفخخة داخل مقر اللواء أدت إلي مقتل وإصابة العشرات، مما دفع العديد من التنظيمات الأخري إلي الهجرة والانسحاب من الرقة، التي سيطر عليها تنظيم ‘داعش’ وفرض سطوته عليها واتخذها عاصمة للدولة الإسلامية في 12 يناير 2014.
بعد ذلك قامت ‘داعش’ بإعدام الآلاف من السكان والمقاتلين، كما قام التنظيم باعتقال أكثر من 1200 من أبناء المدينة.
وبعد أن انحاز أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة إلي موقف ‘جبهة النصرة’ ورفض قرار أبوبكر البغدادي بضم الجبهة إلي ‘الدولة الإسلامية في العراق’ وإضافة اسم الشام إلي الدولة، كان رد البغدادي حاسماً وقوياً، إذ أذاع رسالة صوتية تم بثها في مايو 2013 اتهم فيها أيمن الظواهري بارتكاب مخالفات شرعية، وقال في رسالته ‘إني خُيِّرت بين حكم ربي وحكم الظواهري فاخترت حكم ربي’.
وفي يونيو 2013 بثَّت مواقع التواصل الاجتماعي رسالة للظواهري طالب فيها بأن يعمل كل تنظيم في مقر نشأته، وأن يتوقف الخلاف الناشب بين التنظيمين في العراق وسوريا.
كما أصدر بياناً أذاعته قناة ‘الجزيرة’ في 8 نوفمبر 2013 دعا فيه إلي إلغاء قيام ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام’ وقصرها علي العراق فقط، كما أكد دعمه لـ’جبهة النصرة’ بزعامة محمد الجولاني، وقال إن الجبهة لا تزال فرعاً لتنظيم القاعدة في سوريا، وليست فرعا للدولة الإسلامية ‘داعش’.
وقد تضمن التسجيل الصوتي لأيمن الظواهري قوله: ‘تُلغي دولة العراق والشام الإسلامية ويستمر العمل باسم دولة العراق الإسلامية’، كما قال: ‘إن جبهة النصرة لأهل الشام تُعَدُّ فرعاً مستقلاً لجماعة قاعدة الجهاد تتبع القيادة العامة’، وقال: ‘إن الولاية المكانية لدولة العراق الإسلامية هي العراق، والولاية لجبهة النصرة لأهل الشام هي سوريا’.
لقد أعلن ‘الظواهري’ عن غضبه الشديد وقال: ‘لقد أخطأ الشيخ أبوبكر البغدادي بإعلان دولة العراق والشام الإسلامية دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا، بل دون إخطارنا، كما أخطأ الشيخ محمد الجولاني بإعلانه رفض دولة العراق والشام الإسلامية وإظهار علاقته بالقاعدة دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا، ودون إخطارنا’.
لقد أراد ‘الظواهري’ من وراء رسالته تحريض قواعد التنظيم ضد أبوبكر البغدادي، وهو أمر ترك آثاراً سلبية لدي ‘البغدادي’ وقيادات ‘داعش’، مما دفعه إلي الرد علي بيان ‘الظواهري’ في اليوم نفسه، الثامن من نوفمبر 2013.
لقد قال أبوبكر البغدادي، في بيانه، متحدياً ‘الظواهري’: ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية ولن نساوم عليها أو نتنازل عنها’.
كانت الرسالة واضحة ومختصرة ومحددة، وكان ذلك يعني نقلاً للصراع مع ‘القاعدة’ ومع تنظيم النصرة إلي العلن، خاصة أن ‘البغدادي’ سبق أن أعلن، في رسالة صوتية بُثت في أبريل من نفس العام، أن ‘جبهة النصرة هي امتداد لدولة العراق الإسلامية وجزء منها’، معلناً ‘إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية وإلغاء اسم جبهة النصرة وجمعهما تحت اسم واحد هو الدولة الإسلامية في العراق والشام ‘داعش”.
لقد قال ‘أبوبكر البغدادي’ وقتها إنه ‘استشار أهل الحِلَّ والعقد في دمج التنظيمين وإنهم باركوا هذه الخطوة’، إلا أن محمد الجولاني، زعيم تنظيم النصرة، كذَّب ‘البغدادي’ وقال إنه ‘لم يُستشر في هذا الأمر، بل إن كبار علماء النصرة لم يُبلغوا بخبر الدمج إلا عبر وسائل الإعلام’.
كان طبيعياً أن ينعكس الصراع الحاد علي قواعد التنظيم في سوريا تحديداً، مما أحدث انقساماً بين مقاتلي الجبهة علي الأرض السورية، وزاد من حدة الانقسام إعلان ‘الجولاني’ تجديد بيعته للظواهري، معتبراً أن بيعته السابقة لـ’البغدادي’ كانت بصفته ممثلاً للظواهري في العراق!!
أصر أبوبكر البغدادي علي رفض الانصياع لنصيحة ‘الظواهري’ وقرر تعزيز وجود ‘داعش’ في سوريا، فبدأت ‘داعش’ السورية في تصعيدحربها ضد جبهة النصرة أولاً، ثم ضد بقية فصائل المعارضة ثانياً، مما أثار قائد جبهة النصرة، الذي وصف ما تقوم به ‘داعش’ علي الأرض السورية بأنها أفعال إجرامية وكافرة، وقد اضطُرت ‘داعش’ إلي الرد علي لسان الناطق باسمها بالتهديد ‘بسحق كل مَنْ يختلف معها’، وعرضت جائزة مالية لكل مَنْ ‘يقطع رأس مقاتل من جبهة النصرة’.
ومع تزايد الخلافات بين التنظيمين، دعا أيمن الظواهري، في يناير 2014، إلي إقامة مجلس لحل الخلافات، استناداً إلي مبادئ الشريعة والفقه الإسلامي لتوحيد جهود الحرب إلا أن أبوبكر البغدادي رفض دعوة ‘الظواهري’ وأصر علي المضي في طريق إقامة ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام’ كما رفض طلب الظواهري والجولاني بتأجيل البت في هذا القرار إلي ما بعد سقوط نظام ‘الأسد’، مما اضطر القيادة العامة لتنظيم القاعدة إلي إصدار بيان في فبراير 2014 نفت فيه أي علاقة لها بتنظيم ‘داعش’، وأعلنت في بيان موقَّع باسم ‘جماعة قاعدة الجهاد’ بوقف العمل والتواصل مع هذا التنظيم.
وقال البيان: إن تنظيم ‘داعش’ ليس فرعاً من ‘القاعدة’ ولا تربطه بها علاقة تنظيمية، وإن التنظيم قطع علاقته مع ‘داعش’، عقب عصيانه للأوامر الصادرة من زعيم التنظيم أيمن الظواهري.
ومنذ هذا الوقت أصبح الصراع مفتوحاً بين ما يسمي تنظيم الدولة الإسلامية ‘داعش’ وبين تنظيم القاعدة وجبهة النصرة في سوريا، ومع تزايد حدة الصراع ونجاح ‘داعش’ في اجتياح العديد من مواقع جبهة النصرة في سوريا، بدأت العديد من فروع ‘القاعدة’ في بلدان العالم العربي والإسلامي تعلن ولاءها لتنظيم ‘داعش’ وتبايع أبوبكر البغدادي ‘خليفة للمسلمين’، حتي وصل الأمر إلي ما سمي تنظيم ‘أنصار بيت المقدس’ في مصر وبعض المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية!!