قصة إغصاب البكر على الاستقالةلماذا اصاب هيثم احمد حسن البكر زوج اخته عدنان خيرالله برصاصة؟؟ — جزء اول

في الوقت الذي كان يحاول فيه صدام توسيع قاعدته الشعبية وإظهار نفسه كزعيم شعبي تلتف حوله الجماهير، كانت تقارير اميركية ، ومنها التقرير الذي بعثت به مسؤولة شعبة رعاية المصالح الأمريكية في بغداد إليزابيث جونز Elizabith A Jones إلى وزير الخارجية الأميركي في (آب) أغسطس 1980، تعلم وزير الخارجية بأن سياسة صدام في التقرب من الجماهير لها فاعلية إيجابية لدى طبقة الفلاحين والمسحوقين. أما شيعة العراق والأكراد والمثقفون وطبقة المهنيين والفنيين، فلا يُعتقد بولائهم، وبالتالي فإن أجهزة المخابرات تتحرك بهدوء وسرية وفاعلية لتجتث جذورهم والتخلص منهم ومن احتمال قيامهم بما قد يزعزع النظام.
وذهب التقرير إلى أبعد من ذلك، ليحذر من احتمالات الخطر القادم من طبقة العسكريين، وينصح بضرورة اهتمام صدام بتلك الطبقة مع مراقبة نشاطها، إضافة إلى التحذير من خطر حقيقي آخر هو الاغتيال برصاصة غادرة أو بانقلاب تحاك خيوطه في ردهات القصر الجمهوري ودهاليزه.
بعد هذا التحذير، يعود التقرير إلى تطمين الإدارة الأميركية إلى أن كفاءة المخابرات العراقية من جهة، ومقدرة صدام وشجاعته من جهة أخرى، كفيلة بالقضاء على أية ثورة شعبية، خاصة أن سياسة صدام في القضاء على خصومه قد برهنت على قدرة فائقة في إزاحة كل من يُحتمل أن يكون مصدر خطر عليه، حتى وإن كان ذلك الخطر بعيد الاحتمال. إن الخطر الحقيقي، كما يقول التقرير، هو الاغتيال الذي حتى وإن وقع، فسوف لا يؤدي إلى تبدل جوهري في سياسة السلطة العراقية الحاكمة واتجاهاتها.
* صدام رئيساً للجمهورية * الزمان: الاثنين 16 تموز (يوليو) 1979، الساعة تقارب العاشرة صباحاً.
المكان: مسكن خير اللَّه طلفاح.
المجتمعون: أحمد حسن البكر، صدام حسين، عدنان خير الله، هيثم الابن الأكبر للبكر، وخير الله طلفاح.
حضر البكر وهيثم بدعوة من طلفاح لبحث أمر هام: استقالة البكر وتنحّيه عن جميع مناصبه، وإحلال صدام حسين محله في تلك المناصب.
اعترض البكر على هذه الطريقة في التعامل، ولم يوافق على ما اقترحه صدام وعدنان خير الله ابن خال صدام وشقيق زوجته وزوج ابنة البكر.
تأزم الموقف، وسحب هيثم مسدسه وأطلق رصاصة واحدة أصابت عدنان خير الله بخدش بسيط في يده.
تدخل طلفاح لتهدئة الحالة، وبقي البكر رافضاً الاستقالة، لكنه رضخ أخيراً بعدما أفهمه صدام أنه لم يعد يمتلك أي سند أو شفيع لا في الجيش، ولا في أجهزة المخابرات، ولا حتى في الحرس الجمهوري.
كانت كل تلك الأجهزة والتشكيلات قد أُفرغت من مؤيدي البكر وأعوانه.
قبل البكر ووقّع على خطاب كان قد أُعد له ليذيعه شخصياً عند الساعة الثامنة مساء اليوم نفسه من إذاعة بغداد وتلفزيونها.
عقدت القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة عصر ذلك اليوم، اجتماعاً لمناقشة (رغبة) البكر في التنازل عن مناصبه لصدام. لم يكن أعضاء القيادة على علم مسبق بما جرى صبيحة ذلك اليوم في مسكن طلفاح، لذلك انبرى بعضهم يدافع عن البكر، محبذاً استمراره في تحمل المسؤولية ولو إلى حين الانتهاء من مراسم إعلان الوحدة الاتحادية بين سورية والعراق وخطواتها، كل ذلك والبكر يستمع وصدام منهمك في تدوين ملاحظاته عن الرفاق المتحمسين لبقاء البكر.
لم تشفع توسلات أعضاء القيادة للبكر الذي بقي مصرّاً على رغبته الأكيدة في ضرورة اعتلاء صدام، “الابن البار”، منصب رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وأمين السر للقيادة القطرية ونائب أمين السر للقيادة القومية لحزب البعث.
وهكذا كان: تنازل البكر، وقبل صدام تسلم دفة الحكم وتحمل كامل المسؤولية في الدفاع عن العراق وشعبه وثرواته ومستقبله. وانتهى الاجتماع.
تعانق البكر وصدام، وغادرا قاعة الاجتماع في الطابق الثاني من مبنى القصر الجمهوري. توجه صدام إلى مكتبه في مبنى المجلس الوطني يحمل الأوراق التي دوّن فيها ملاحظاته عن كل عضو في القيادة تحمس لبقاء البكر في مناصبه.
كان عدنان الحمداني أكثر المتحمسين للبكر والمدافعين عنه بالرغم من الصداقة المتينة التي تربطه بصدام. ولم يقلّ غانم عبد الجليل حماسة ودفاعاً عن الحمداني، بينما بكى محمد محجوب ومحمد عايش بكاءً مريراً لإصرار البكر على تنازله. أما بقية أعضاء القيادة فقد اكتفوا بكيل المديح للبكر متمنين له موفور الصحة والسعادة في حياته المقبلة.
أذاع البكر عند الثامنة من مساء ذلك اليوم، خطابه الأخير من كل من إذاعة بغداد وتلفزيونها، وأعلن استقالته لأسباب صحية، مؤكداً أنه طوال حياته كان مستعداً لتحمل المسؤوليات التي كلفته القيادة بها. غير أن الفترة الأخيرة من حكمه قد رافقتها أزمات مَرَضية متلاحقة جعلته غير قادر على مزاولة العمل اليومي للمناصب التي كان يحتلها، مما حدا به إلى تكليف صدام حسين بها. واستمر البكر مخاطباً الجمهور العراقي بأنه أصر على القيادة وعلى (الرفيق) صدام لقبول استقالته.
وصدرت سلسلة من القرارات عن مجلس قيادة الثورة، أهمها قبول استقالة البكر وتعيين صدام حسين بدلاً منه طبقاً للمادة التاسعة من الدستور المؤقت، وتعيين عزت إبراهيم الدوري نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة وإعفاؤه من منصب وزير الداخلية، وتعيين سعدون شاكر وزيراً للداخلية وإعفاؤه من منصب رئيس جهاز المخابرات العامة. كما تمّ استحداث وزارة جديدة باسم وزارة الحكم المحلي، واستحداث خمسة مناصب تحت عنوان نائب رئيس الوزراء، ومنصب آخر هو نائب القائد العام للقوات المسلحة.
ووجَّه صدام حسين في اليوم التالي، 17 يوليو (تموز)، خطاباً إلى الشعب العراقي يؤكد على التزامه بمبدأ القيادة الجماعية ضمن إطار حزب البعث والدولة، وأنه لن يطلب من أعضاء القيادة أو من أي مواطن عراقي أن يقوم بأي عمل لا يستطيع القيام به، وسيكون واحداً من مناضلي الحزب وليس المناضل الوحيد، وسوف يحارب الظلم والقهر، ولن يسمح أبداً بالظلم أو محاولات سحق العدالة أو إهدار حقوق المواطنين، أو إهانتهم.
* “مؤامرة” القيادة * حتى ليلة الحادي عشر من تموز (يوليو) 1979، كان محيي عبد الحسين المشهدي (الشمري) عضواً في مجلس قيادة الثورة، وأمين السر للمجلس إلى جانب عضويته في القيادة القطرية لحزب البعث.
وقبل أيام معدودة من استقالة البكر، صدرت القرارات بفصل المشهدي من الحزب، ومن مجلس قيادة الثورة وأمانة سر المجلس، من دون ذكر الأسباب.
استلم صدام السلطة بأكملها في السابع عشر من تموز (يوليو) .1979 وفي اليوم الثاني والعشرين منه، دعا كوادر الحزب المتقدمة إلى اجتماع عاجل في مبنى المجلس الوطني.
سارعت الكوادر إلى قاعة الاجتماعات، من دون أن يكون لديها أي علم مسبق عن سبب تلك الدعوة المفاجئة.
اعتلى صدام المنصة الرئيسية، بينما خيم على القاعة وجوم عميق، وساد وجوه “الرفاق” الحاضرين خوف حاول المتقدمون منهم إخفاءه من دون جدوى.
أعلن صدام بعد برهة قصيرة عن اكتشاف “مؤامرة” ضد النظام، مؤامرة سيتحدث عن تفاصيلها أحد المتآمرين: محيي عبد الحسين المشهدي، وسوف يقرأ بعد ذلك صدام أسماء المتآمرين من أعضاء القيادة القطرية وكوادر الحزب المتقدمة. فإن كان أحدهم حاضراً الاجتماع فما عليه سوى الوقوف، ثم ترديد شعار الحزب: “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، ويغادر بعدها قاعة الاجتماعات.
ولقد أخبرني قيادي كان حاضراً ذلك الاجتماع الغريب، بأنه ما إن انتهى صدام من قراءة “جدول الأعمال” حتى أصبح الجميع في قلق شديد وترقب محفوف بالخوف من المجهول القادم.
وقف المشهدي وراء الميكرفون على الجانب الأيمن من منصة صدام حسين، وبدأ بسرد تفاصيل “المؤامرة” الرفاقية من أوراق مطبوعة يحملها في يده. فقال إنه وأربعة من أعضاء القيادة كانوا يخططون لانقلاب يستهدف الإطاحة بالنظام. المتآمرون بالإضافة إليه: هم عدنان حسن الحمداني وغانم عبد الجليل و محمد عايش ومحمد محجوب. وقال المشهدي إنهم اتصلوا بدولة عربية (يقصد سورية) وتسلموا منها المال والتوجيه والوعد بإرسال فرقة عسكرية يرتدي أفرادها البزات العسكرية العراقية للقضاء على صدام وتسليم العراق لقمة سائغة إلى “أبي سليمان”، أي الرئيس السوري  الراحل حافظ الأسد.
كانت تلك هي المؤامرة المزعومة. وبعد أن انتهى المشهدي من قراءة “اعترافاته” المُعَدة سلفاً، بدأ صدام بالكشف عن أسماء المتآمرين، وراح الحاضرون منهم في القاعة يغادرونها الواحد تلو الآخر، لتتلقفهم عناصر المخابرات المنتظرة في مدخل القاعة.
أشعل صدام حسين سيجاره الكوبي، وتناول منديلاً ليمسح دموعه التي انهالت على وجنتيه، وبكى معه طه الجزراوي وطارق عزيز، ثم قرر الحاضرون منح صدام كافة الصلاحيات اللازمة لمعالجة الموقف واجتثاث جذور المؤامرة والمتآمرين، بما في ذلك تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة “الرفاق” المتآمرين وتنفيذ الأحكام بهم فوراً.
أصدر مجلس قيادة الثورة في 29 تموز (يوليو) 1979 قراراً بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة المتآمرين، برئاسة نعيم حداد وعضوية سعدون غيدان، وتايه عبد الكريم، وحسن علي العامري، وسعدون شاكر، وحكمة إبراهيم العزاوي وعبد الله فاضل.
وفي يوم 7 آب (أغسطس) 1979، أذاع راديو بغداد أن المحكمة عقدت جلساتها اعتباراً من يوم الأربعاء الموافق الأول من آب (أغسطس) ولغاية السابع منه، ونظرت “بالتفصيل” في محاكمة ثمانية وستين شخصاً، وأصدرت أحكامها بإعدام اثنين وعشرين وبسجن ثلاثة وثلاثين وببراءة ثلاثة عشر متهماً، وسوف تُنفَّذ أحكام الإعدام يوم 8 آب (أغسطس) من دون أن يكون للمتهمين حق الدفاع أو استئناف الأحكام.
ومن أعضاء القيادة القطرية وأعضاء مجلس قيادة الثورة الذين نُفذ فيهم حكم الإعدام: محمد عايش، عدنان حسين الحمداني، محمد محجوب الدوري، غانم عبد الجليل. ولم تشفع لمحيي عبد الحسين المشهدي اعترافاته فأُعدم هو الآخر.
كما أُعدم قياديون آخرون في الحزب والجيش، منهم اللواء الركن وليد محمود سيرت آمر القوات المسؤولة عن حماية بغداد، وبدن فاضل رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، وخالد عبد عثمان وزير الحكم المحلي. وأُخرج عبد الخالق السامرائي من سجنه الانفرادي في أقبية المخابرات الذي كان فيه منذ عام 1973، ليُعدم ويتم بذلك التخلص من أحد أبرز الوجوه المهمة في حزب البعث.// يتبع في العدد المقبل

Facebook
Twitter