لا يبدو أن قرار فصل حي الشعب عن حي الأعظمية والذي اتخذه مجلس محافظة بغداد قرارا حكيما، فالمبررات لم تكن مقنعة لسكان المنطقتين المتجاورتين فيما يشم البعض رائحة الطائفية من وراء ذلك.
ولا يبدو سكان منطقة الشعب متفاعلين مع قرار فصل منطقتهم الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من العاصمة بغداد عن قضاء الأعظمية التابعة إليه إداريا، فغالبية هؤلاء لم تسمع أصلا بقرار مجلس محافظة بغداد القاضي باستحداث قضاء الشعب والذي صوت عليه المجلس في الثالث من شهر آب (أغسطس) الحالي.
السكان في منطقة الشعب لا يعولون كثيرا على تأثيرات هكذا قرار على واقع الخدمات في منطقتهم أو على الوضع الأمني فيها رغم أن أسباب القرار تتمحور حول هذين الهدفين بل أن توقعات السكان تشير إلى العكس.
يقول أمير حسن وهو من سكنة أحد أحياء منطقة الشعب ،إن “الخدمات والوضع الأمني كلها لا تزال دون مستوى الطموح ولا نتوقع أن تتغير نحو الأفضل بعد تطبيق قرار مثل هذا وربما يكون هنالك اتكال من منطقة لأخرى يحول دون تطوير الخدمات المقدمة”.
بالمقابل تؤكد اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد أن القرار سيسهم في تقليل حوادث العنف والجريمة المنظمة التي تعاني منها منطقة الشعب منذ سنوات.
حيث أن منطقة الشعب شهدت وقوع عدد كبير من التفجيرات التي راح ضحيتها العشرات من سكانها في السنوات الماضية فيما كانت المنطقة تتصدر مناطق العاصمة في حوادث السرقة والخطف.
ويقول رئيس اللجنة الأمنية محمد الجويبراوي إن “القرار سيسهم في تعزيز الوضع الأمني للمنطقة ولن تكون هنالك تأثيرات سلبية بحكم أن ملف الأمن في قضاء الشعب سيظل مرتبطا بقيادة عمليات بغداد”.
اعتمد مجلس محافظة بغداد في إصدار قراره على الزيادة السكانية لمنطقة الشعب والتي تجاوزت وفقا لتقديرات الحكومة المحلية ( 250) ألف نسمة وهو وفقا لذلك مجرد قرار تنظيمي إداري ينسجم مع تطلعات الحكومة المحلية للعاصمة والتي سعت إلى تحقيقها منذ العام 2013 بموجب مشروع إعادة تقسيم مدينة بغداد إلى أقضية ونواحٍ جديدة لمواكبة النمو السكاني فيها.
التخطيط السابق لمدينة بغداد تم وفق احتساب عدد سكان تقديري يقدر بمليوني نسمة في حين تجاوز عدد سكانها حاليا حاجز المليون الثامن من دون أن ترافق هذا النمو خطط توسعة للمدينة.
إلا أن ارتباط القرار ببعض المعطيات ذات العلاقة تجعل منه قرارا تمهيديا لتغييرات كبرى تتخوف أطراف سياسية من حدوثها في العاصمة بغداد، بل إنها تؤثر على محافظات أخرى لاسيما وان المنطقتين تختلف مذهبيا إذ يقطن مدينة الأعظمية غالبية سنية فيما يقطن الشعب غالبية شيعية وهو ما يثير المخاوف في محافظات أخرى مختلطة مذهبيا يطالب سكانها بالانضمام الى مدن أخرى مثل الدجيل التي لا تبعد عن بغداد سوى (50 كلم شمالا) لكنها تتبع إدارياً الى محافظة تكريت.
أبرز هذه المخاوف يتمثل بكون قرار فصل الشعب عن الأعظمية وإعلانها قضاءً منفصلا خطوة أولى باتجاه ضم القضاء الجديد الى أقضية مدينة الصدر (وعددها ثلاثة: الصدر الأولى والثانية والثالثة) والتي تنتظر بدورها أن تصبح محافظة مع وجود توجه سياسي بهذا الهدف تتبناه كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري.
فمنطقة الشعب بأحيائها الأربعة الرئيسة هي البيضاء والبساتين وسبع قصور والفحامة وتضم جميعها (14) محلة سكنية تعتبر من الناحية الجغرافية امتدادا لمدينة الصدر حيث لا يفصل بينهما سوى شارع عام بينما يفصلها عن منطقة الأعظمية التي كانت تتبعها إداريا الخط السريع المعروف باسم سريع قناة الجيش فضلا عن بعض الأحياء التابعة للأعظمية إداريا أيضا وهي أحياء تونس والقاهرة والوزيرية.
اللافت أن أهالي مدينة الصدر ورغم اقتناعهم بضرورة أن تصبح مدينتهم محافظة مستقلة عن العاصمة بغداد لا يزالون يتخوفون من هكذا قرار باعتبار أن مدينتهم لا تمتلك من مقومات إعلان المحافظة سوى كثافتها السكانية.
ويقول حميد البهادلي أحد شيوخ عشائر المدينة إن “المدينة غير مؤهلة لأن تكون محافظة رغم أن الحل الوحيد لمشاكلها الحالية هو أن تصبح محافظة وهذه مفارقة تجعلنا نفكر جديا في أن ندفع باتجاه هذا الخيار لنبدأ بعدها إعادة تأهيل المدينة”.
في حين يبدي ناشطون مدنيون خشيتهم من استقطاع مناطق مهمة في العاصمة بغداد كمدينة الصدر لإعلانها محافظة مستقلة تقلل من مساحة العاصمة في وقت تبدو البلاد سائرة الى الفدرلة التي تجعل الأقاليم الثلاثة المفترضة مرتبطة بعاصمة مركزية هي بغداد.
فاستقطاع مدينة الصدر من العاصمة برأي الناشط سيف سعد سيجعلها “أضعف” بينما أن احتمالية ضم محافظة الصدر إلى إقليم آخر ستكون هي المرجحة برأيه.
ومن المخاوف الأخرى التي أثارها قرار تحويل منطقة الشعب إلى قضاء منفصل عن الأعظمية هي المخاوف التي يبديها أهالي المحافظات المجاورة للعاصمة من إمكانية استقطاع مناطق معينة من محافظاتهم وضمها الى مناطق أخرى تتبع إداريا للعاصمة.
فمع توجه الحكومة المحلية في بغداد الى استحداث وحدات إدارية جديدة ترفع من عدد أقضية العاصمة ونواحيها تخشى أطراف سياسية من ضم مناطق تابعة لمحافظات أخرى الى العاصمة تحت مسمى هذا الاستحداث كما هو الحال مع قضاء الفلوجة التابع لمحافظة الأنبار (غرب بغداد).
ويتخوف أهالي الفلوجة من استقطاع أراضٍ تابعةٍ لمدينتهم إداريا وضمها الى قضاء أبي غريب (غربي بغداد) الممتد الى الحدود الإدارية للعاصمة والتي تربطها مع محافظة الأنبار عبر الفلوجة.
تزداد هذه المخاوف مع اتضاح ملامح التغيير المرتقب من خلال اتساع دائرة القاطع الأمني لقيادة عمليات بغداد لمواجهة تنظيم داعش والتي وصلت الى داخل مركز مدينة الفلوجة.
ويقول قصي الدليمي أحد أهالي الفلوجة، إن “الفلوجة قضاء كبير ويضم مناطق بمساحات واسعة وما حدث خلال الفترة القليلة الماضية جعلنا نخشى من أن تتغير التقسيمات الإدارية وفقا لتقسيمات القواطع الأمنية”.
ويوضح الدليمي أن “هنالك رغبة سياسية في هذا الأمر بذرائع أمنية بالدرجة الأولى باعتبار أن الفلوجة ومناطقها تشكل عبئا على العاصمة بغداد وأن ضم بعض مناطقها الى العاصمة سيجعل المسؤولية الأمنية لها تحت إشراف مباشر لقيادة عمليات بغداد لا قيادة عمليات الأنبار أو شرطتها وبالتالي لا يحدث تداخل في الصلاحيات أو تقاطع في المسؤوليات”.
تبقى جميع هذه المخاوف غير مبررة في حال لم تتضح الخطوات التي تؤكدها مستقبلا سواء في ما يتعلق باستحداث محافظات جديدة أو باستقطاع مناطق من محافظة ما وضمها الى محافظة مجاورة لاسيما العاصمة بغداد حيث جاء قرار إعلان قضاء الشعب.