في ليل ( الطيب) يصطادون الطيور النبيلة والثمينة سعر الصقر الابيض يصل الى 200 الف دولار

مغامرات محفوفة بالمخاطر وهجمات الذئاب

 

على الرغم من وجود الألغام والذئاب وخفر الحدود، لم ينقطع هواة الصيد والقنص عن رحلاتهم في منطقة الطيب لتتبع الصقور والطيور والحيوانات النادرة وهم يعتمدون على أدلاء يعرفون المنطقة جيدا.

 يتولى ثلاثة أدلاء بينهم مهند احمد قيادة عشرين صيادا من هواة جني الطيور الجارحة والبرية في مناطق يندر أن يطرقها أحد، المجموعة التقت في مدينة العمارة وانطلقت إلى الطيب شرقا على الحدود مع إيران، برحلة صيد قد تستغرق (30) يوماً، بحثا عن مواقع أعشاش الطيور الضارية، مستعينين بسيارات الدفع الرباعي التي تتحمل وعورة تلك السبل المنسية.

 عادة يزدهر الصيد بالمنطقة في فصل الشتاء مع وفود الطيور المهاجرة من شمال أوربا، لكن الصيادين يتابعون هوايتهم في جميع أوقات العام.

يقول مهند، وهو في الخامسة والأربعين ويعمل بنقل المسافرين إلى كربلاء والنجف ” في الشتاء تفد المنطقة أنواع مختلفة من الطيور المهاجرة، منها البط  البري والصيني والوردي والخضيري والبريشة وام جامل والحذاف والهربانة، لكننا في الأوقات الأخرى نبحث عن أنواع أخرى محلية تعيش وتتكاثر في المنطقة مثل القطا والحجل وبعض الحيوانات البرية كالأرنب والخنازير البرية والغزلان النادرة إذا حالفنا الحظ”.

وفيما يجهّز الصيادون مخيمهم فأنهم ينتظرون حلول الليل للانطلاق وراء فرائسهم، ويبرر مهند ذلك بالقول “تضعف مقدرة الطيور وبعض الحيوانات البرية على الرؤية في الليل وتغدو محدودة، مع ذلك لا يستطيع إلا الإدلاء أصحاب الخبرة والدراية بطبيعة الأراضي من تمكن مواقع الصيد والتحرك بأمان”.

  يرافق مرتضى الخرسان وهو صياد ودليل (35عاما) ويمتهن بيع الطيور مجموعة مهند، وعليه قيادة سبعة صيادين وتأمين حياتهم وقنصهم. ويقول “عادة ما ننصب خيامنا في مناطق مرتفعة تتوسط مواقع الصيد لنقوم بعد ذلك بمطاردة الفرائس سيرا على الأقدام أو باستخدام السيارات”.

 ويوضح “نعمل بحسب اتفاق مسبق مع عدد من الصيادين على تحديد مواقع الصيد وأنواع الطيور المراد صيدها وأيام التخييم ونتقاضى (100) إلى ( 200) دولار في  تتبع وصيد الغزلان و(70 ) إلى (100) دولار في صيد الطيور الحرة وتحديدا القطا. وعلى كل حال نحن نعمل بدافع الولع بالصيد قبل أي شيء آخر”.

ويفخر الخرسان ببندقيته البلجيكية التي يصل ثمنها لثلاثة آلاف دولار كما يقول، بينما يستخدم هواة الصيد بنادق مختلفة منها التركية وأم خمسة التي يتراوح سعرها بين (200) و(100) ألف دينار.

ويحتفظ هاشم الموسوي (٦٠عاماً) ويعد أقدم دليل في منطقة الطيب بذكريات جميلة عن رحلات الصيد وكذلك عن المخاطر التي تعرض لها، ويتحدث وهو يتلذذ بتدخين سيجارته والنظر للسفوح البعيدة “ذات يوم عند رجوعي من الصيد بمفردي وقد حل الغروب هاجمتني الذئاب وكنت أقود دراجتي النارية، وفكرت أن سرعة الدراجة لن تنقذني فترجلت منها وأطلقت النار على الذئاب من بندقيتي، فقتلت أقربها لمهاجمتي وأصبت أخريات وخلصت نفسي”.

وتتنوع طرق الصيد بحسب أنواع الطيور وطبيعة المنطقة فهناك طيور تصطاد لتؤكل لأن على الصيادين تأمين طعامهم خلال فترة الصيد وأخرى لتربى، يقول الصيّاد كريم بريدي (37عاما ) أن “بعض الطيور النبيلة كالصقور يتم صيدها لتدرّب وتقوم فيما بعد بقنص الأرانب وبعض الحيوانات البرية والقوارض ولتدخل كذلك منافسات قنص ضد صقور صيادين آخرين، وهناك صيادون ينصبون الفخاخ المختلفة ومنها “الدوشة” اي الشِباك باللهجة العامية لصيد أعداد كبيرة من الطيور المهاجرة وبيعها فيما بعد”.

ويضيف “تختلف طرق صيد الطيور باختلاف أحجامها وسرعة انطلاقها إضافة لأماكن تواجدها. ويتم الصيد بنصب الفخاخ أو بالكلاب السلوقية أو بصقور الشاهين المدربة أو الصيد بالشباك وهو ممنوع رسميا لأنه يتسبب بصيد أعداد كبيرة من الطيور، أما الغزلان فلا تتواجد إلا في المناطق المرتفعة كما انحسرت أعدادها جراء الحروب وعمليات الصيد الجائر”.

بريدي الذي يستهويه صيد الغزلان لا ينسى أن طلبها محفوف بالمخاطر ويقول “نواجه بوعورة المنطقة وتواجد حرس الحدود إضافة إلى انتشار الألغام والقذائف غير المنفلقة وتعد الأخيرة من أشد المخاطر حيث بترت ساق احد الإدلاء قبل ثلاثة أعوام وأصابت ثلاثة صيادين قبل شهرين”.

بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية نهاية الثمانينات استعادت حركة الصيد في الطيب نشاطها، فتوافد هواة الصيد وجني الصقور من دول الكويت والإمارات وقطر للتخييم والصيد في مناطق تمتد من جنوب محافظة واسط إلى ناحية المشرّح جنوبا في محافظة ميسان.

يقول مهند حول ذلك “اعتاد الصيادون الخليجيون التوافد إلى منطقة الطيب منذ سنوات بحثا عن الصقر الشاهين، مستعينين بالبحث عنها بإدلاء من أبناء المحافظة وكنت أرافقهم في اغلب رحلاتهم، ففي منتصف التسعينيات حصلت على بندقية صيد من النوع الفاخر بسبب إرشادي لمجموعة من الصيادين الإماراتيين إلى احد الصقور الذي تزيد قيمته على (٢٠٠) ألف دولار”.

وبحسب  كريم  والمكنى أبو محمد (58 عاما) فان السلطات العراقية كانت توفر للصيادين العرب الحماية وحرية التنقل برفقة الإدلاء ويقول “كان الصيادون يتحملون العناء والمخاطر في بحثهم عن أجود أنواع الطيور وهو الصقر الأبيض حيث تمكن الصيادون القطريون منه قبل عام ( 2003)”.

ويتفق الأدلة على أن أعداد الصيادين الخليجيين تراجعت كثيرا بسبب الوضع الأمني بعد عام (٢٠٠٣) وتوقف توافدهم تماما بعد حادثة اختطاف الصيادين القطريين مؤخرا، حيث يقتصر الصيد الآن على السكان المحليين وأبناء المحافظات المجاورة.

 في يومهم الأول ينصب الصيادون فخاخا كثيرة ويأملون في صيد وفير، وهم يعلمون أن الأخطاء قد تكلفهم الكثير، كالانجراف مع تيارات الماء في موسم الأمطار أو التوغل بحقول الألغام لكنهم يهوون الصيد، وبعضهم يخاطر بحياته من أجل أن يحظى بالصقر الأبيض النادر، فهذه الطيور الجارحة تعشش في مناطق جبلية مرتفعة وعملية إيجادها ونصب الفخاخ لها تحتاج إلى وقت طويل وخبرة وكثير من الحظ.

Facebook
Twitter