ترجمة: عشتار العراقية
تمشيا مع السجل الكوميدي الراسخ للحكومة البريطانية في التعامل مع ليبيا، اختار وزير الخارجية وليام هاغ ان يعترف بقادة المتمردين في بنغازي باعتبارهم الحكومة الشرعية للدولة في نفس الوقت الذي كانوا فيه يطلقون الرصاص ويعذبون حتى الموت قائدهم العسكري.
مازالت الظروف الحقيقية المحيطة بمقتل الجنرال عبد الفتاح يونس غامضة ولكن يبدو انه دفع الى الخروج من مقره العملياتي في الجبهة واعتقل. وكان يعلم انه هدف للاغتيال ولكن يبدو انه اخطأ في الحكم على هوية القتلة، وقد ابلغ بانه ذاهب الى حيث يجيب على اتهامات بعلاقة مستمرة له مع معمر القذافي، ولكنه قتل مع اثنين من معاونيه واحرقت جثثهم. وقد اندفع بعض جنوده الى فندق يجتمع فيه المجلس الانتقالي وهم يصرخون (انتم قتلتموه) وربما يكونون على حق ومن الصعب تصديق ما يروجه المجلس الانتقالي من ان رجال القذافي اخترقوا بنغازي واغتالوا قائد القوات..
وبغض النظر عن ظروف مقتله فإن الجريمة ينبغي ان تثير اسئلة عمن تدعم بريطانيا والقوى الغربية الاخرى كبدلاء عن القذافي في ليبيا. اي نوع من الانظمة سوف تتبع سقوطه الذي تأخر كثيرا حين يحدث إذا حدث؟ هل سيكون النظام الجديد قادرا على السيطرة على البلاد؟ هل هناك اي سبب للافتراض انه سيحظى بدعم عام ، خاصة بعد مرارات الحرب الاهلية؟ هل سيعتمد المتمردون على القوى الاجنبية في السلام كما اعتمدوا عليها في الحرب؟
تذكروا انه بعد صدام حسين او طالبان، حدثت فوضى مدمرة طويلة الأمد بسبب ضعف البدلاء الذين يدعمهم الغرب. وكان وليام هاغ وهو يكشف عن قدرة فائقة لاساءة فهم ليبيا، قد امتدح قادة المجلس الانتقالي باعتبارهم الحكومة الليبية واصفا اياهم بأنهم يبدون “بشكل متزايد شرعية وكفاءة ونجاحا” معتمدا على نفس المصدر الذي زوده بمعلومة قبل اشهر نقلها الى الصحفيين بأن القذافي في طريقه الى فنزويلا.
آخر مرة رأيت فيها الجنرال يونس في مؤتمر صحفي في بنغازي كان يشع احساسا بالثقة من ان المتمردين في طريقهم الى طرابلس. كان ضخما ومسيطرا وكان يبدو انه قائد ثوار يهيمن على كل شيء.
وكان من الصعب تخيل الاوضاع الحقيقية على الجبهة وهو يصف الوضع العسكري. كان يصف الكر والفر الفوضوي لرجال المليشيا الهستيريين الذين رأيتهم في بنغازي كما لو كانت مناورات عسكرية محسوبة. وكان يبشر بقرب الزحف نحو طرابلس. ولكن كان هناك سر واحد: لقد قيل انه انشق عن القذافي مع 8000 من جنوده ولكن لم يكن لهم اي اثر ولا يعرف احد ماحدث لهم.
المتمردون الليبيون أضعف من اولئك في افغانستان والعراق حيث كانت المعارضة المدعومة غربيا لها نواة مقاتلين مخلصين ومدربين جيدا. في افغانستان كان هؤلاء معظمهم من القوات الطاجكية في التحالف الشمالي وفي العراق كان للكرد جيش منظم ومدرب في شمال البلاد. في ليبيا، القوات المتمردة كانت بلا تجربة او تدريب وتبدو غالبا طرفا في المواجهات القبلية التي تحولت الى حروب اهلية صغيرة.
لقد أغفلت وهمشت الحكومات الاجنبية ووسائل الاعلام على السواء طبيعة الحرب الاهلية في ليبيا. وكان الحماس في حوالي 30 عاصمة اجنبية للاعتراف بالجماعة الغامضة التي نصبت نفسها في بنغازي، كقادة شرعيين لليبيا في هذه المرحلة بدافع المصالح التجارية المؤملة والاستيلاء على حقول النفط..
وكان يمكن تبرير فرض مناطق حظر طيران للدفاع عن بنغازي ضد دبابات القذافي في تلك المرحلة من الحرب ولكن التغير السريع الى قرار الاطاحة بالقذافي بالاعتماد على الضربات الجوية للناتو وبضعة الاف من رجال المليشيات على الارض كان غريبا. كان الافتراض ان القذافي سوف يسقط سريعا وحين لم يحدث هذا اصبح الامر مثل تبذير اموال بأمل استسلام قوات القذافي في النهاية.
كانت وسائل الاعلام اكثر استعدادا من الحكومات لاضفاء مصداقية واحترام على كل ادعاءات المجلس الانتقالي وهكذا انتشرت روايات استخدام سلاح الاغتصاب من قبل الجيش الليبي ، وقد اذيعت هذه الشائعات بدون تشكيك، في حين لم تجد منظمة العفو الدولية وبعثة للامم المتحدة اي دليل على هذه المزاعم ولكن الاعلام لم يراجع نفسه. ثم قيل ان قدرة القذافي على الصمود هو بسبب استخدامه مرتزقة من افريقيا، وقد اعتقل العمال الاجانب الذين لا يملكون وثائق وقدموا على الشاشات على انهم مرتزقة ثم اطلق سراحهم بصمت بعيدا عن العيون. وهكذا فإن المتمردين بالمقارنة بضعف قدراتهم العسكرية ، قد برهنوا على قدرتهم على استغلال وسائل الاعلام الاجنبية
هل سيوقف مقتل عبد الفتاح يونس، ايا كان من قتله، اسطورة قدرة قيادة التمرد على الحلول محل القذافي وانهاء الحرب في ليبيا؟ لسوء حظ الليبيين ربما يكون الجواب كلا، لأن حكومات اجنبية كثيرة ملتزمة الان في تنصيب المتمردين في السلطة وهناك الكثير من الصحفيين الاجانب الذين يصورونهم على انهم ثوار احرار..