هنَّ سمراوات بلون الحنطة. ربما كان لونهنّ من لون منقوع ومعصور التمر الذي يسميه أهل العراق دبساً، وقد قيل في واحدتهنّ إنها دبساء مع أكل الهمزة وتنويخ الألف، حتى لا يُعرف له مثقال أثر. شبيهات شقيقة مايكل جاكسون وويتني هيوستن ولبنى عبدالعزيز وربما جنيفر لوبيز، يزرنني بانتظام وبشوقٍ ضخمٍ تكاد دموعهُ وتأوهاتهُ تسيح فوق صفحتي.
في أول أيام وأعتاب الفيسبوك، عشقتُ منهنّ واحدةً منظرها موصوف في معجم الزعيم الطيب عادل إمام. رددتُ على تلويحتها المرسومة بأحسن منها، وسريعاً حطّ ببريدي الردّ الذي لا يشبه الردّ اليقين غير القابل للقسمة على اثنين، كما تلقاه من قبلي صديقي الذي أعشق عبدالحليم حافظ إذ تؤكد صدحته الجميلة: وجاني الردّ جاني هيَّ بتستنّاني.
خلاسيّتي الدبساء طلبت مني موافاتها على بريدها الخاص، وأظن أنها في هذه أرادت ممارسة حقها الآدميّ في الخصوصية. بعدها عادت وأشادت وتغزلت وتحمست على منظر صورتي التي سمّتها البروفايل وهكذا دواليك ودواليها ودواليَّ حتى انفنتْ العشر الأوائل من الموقعة، فكبرت الدراية ونمت الخبرة وعظمت حاسة الشمّ وانكشف الدثار من على غابة خلاسيات وبيضاوات وشقراوات وكائنات افتراضية بعضها مذهل لأنه خلطة منغّلة من كل هذا الجمال الباذخ.
سيبدو الأمر مختلفاً كثيراً ببطن البريد الإلكترونيّ الذي أكلَهُ مبكراً، أخوه الأصغر المشاكس الحيّال السرسريّ الذي سمّتْهُ أمّهُ فيسبوك. هنا المكاتيب تنام على صنفين يلدُ كلّ واحدٍ منهما أفراخاً حتى يصير المرأى الشاسع، مفرخةَ أمل وحلمٍ وضحكٍ.
صنف يأتيك من شركة إلكترونية عملاقة، يبشرك بطقطوقة وداعاً يا فقر، لأن المصادفة الرحمانية قد حطّ مؤشرها فوق اسم بريدك الإلكتروني، واصطفتكَ لتهبكَ مليوناً من عملةٍ أثقل من الدولار الأخضر، اسمها الباون الإنكليزيّ، صحبة سيارة رهيبة أفكر ببيعها لحظة تسلمها لأنّ علاقتي بالسيارات تشبه صلة جدتي باللكنة الصينية المحببة.
الصنف الآخر من رسائل المتعة الذي ينزل بأرض بريدي، وحتماً ببطون ومتون وهوامش برائدكم، حتى لا تصير فتنة ويتهمني واحدٌ وواحدةٌ بأنني مغرور وشائلٌ خشمي فوق جبهتي، هو الذي يهبّ عليّ من أرامل مجروحات مكدّرات فاقدات أمل، واحدة نفق بعلها في قلبة عسكر بخاصرة أفريقيا، وثانية نزل بحديقة دارها برميل بارود نهبَ الزوج والولد، وأبقى عليها والبنت، وهي تطلب معاونتي على إخراج صندوق ذهب، أو تحويشة عمر من سبعة ملايين دولار ودولارة، كان البعل الشاطر الحكيم قد أودعها بنكاً أميناً أمانة بيت مال عتيق. في جزئية من رسالة الأرملة، ثمة تحديد حاسم لحصتي المضمونة من الكنز، وفي مكان آخر من مكتوب الثولة المتعوسة، ثمة إيحاء بالحبّ وبالشغف، وبتوصيف مكثف مقتدر لثنيات جسدٍ ينطر حرثةً ساخنة.
شكراً جداً لصبركم على قــراءتي.