يرى مراقبون للشأن العراقي ان خطوة رئيس الوزراء بفتح ملفات الفساد في البنك المعني اصلاً باعتمادات مايتم توريده للعراق، ربما اخذت طابعاً انتقائياً بسبب صلة القرابة والمصاهرة التي تربط بين رئيس البنك حسين الازري وزعيم المؤتمر الوطني احمد الجلبي.وبحسب مصدر مقرب من رئيس بنك التجارة العراقي، فضل عدم ذكر اسمه، فأن “الأزري لديه صلة قرابة وارتباطات تجارية بالسياسي أحمد الجلبي”، لافتا إلى أنه “غادر إلى بيروت خوفا من أن تكون التهم التي اطلقها المالكي ضد مجلس إدارة البنك هي لأسباب التسقيط السياسي”، بحسب قوله.
ويعتقد الصحفي الاستقصائي الاميركي آرام روستون ان السياسي المثير للجدل أحمد الجلبي، الرجل النافذ الذي حث أميركا على احتلال العراق، نال مؤخراً مبتغاه الذي طالما سعى إليه حثيثاً: وهو السيطرة على قطاع المال والاقتصاد في العراق، لاسيما بعد ان اصبح عضوا فاعلاً في البنك الاميركي الاستثماري مورغان ستانلي الذي يعد اكبر البنوك الضامنة لتوريدات العراق من السلع والبضائع.ولعل المكان الأول الذي يجب النظر إليه للوقوف على لمسة الجلبي، هو بنك التجارة في العراق الذي يتناول عملياً المشتريات الدولية كافة التي تنفذها الحكومة في العراق.
ومع حلول العام 2008، بلغت قيمة تلك المشتريات 10 بلايين دولار. ومع أن البنك مملوك للحكومة العراقية، فإنه يعمل بشكل مستقل على أساس أنه بنك تجاري. وكان أحمد الجلبي قد انتقى رئيسه والمسؤول التنفيذي فيه في العام 2003، مسمياً قريبه حسين الأزري الذي كان قد أمضى سنوات بالعمل في النشاطات التجارية لعائلة الجلبي. وقال مسؤول بنكي أميركي تحدث للصحفي الاستقصائي آرام روستون في موقع (ذا نيشن) : “إذا ضمنت لي وظيفة، فإنني سأكون مخلصاً، ألا تكون كذلك؟ ولا أعتقد بأنني بحاجة لأوضح لك أهمية العائلة العربية في الشرق الأوسط”.وشرح المسؤول الأميركي بالقول: “إنك تستطيع أن تظهر السيطرة معترفاً بأن هذه الظواهر لا ترقى إلى درجة الإثبات”.
ويتمتع الازري، الذي يدير بنك التجارة في العراق، بنفوذ كبير يمارسه على وزراء الحكومة العراقية؛ لأن البنك يحتكر إصدار الاعتمادات للحكومة (باستثناء الأصناف العسكرية). وهو المكان الوحيد الذي تقصده أي وزارة تحتاج لشراء سلع من وراء البحار: حبوب، ومولدات، وصابون، وأسمدة أو حتى أدوية. وعلى النقيض من معظم البنوك التي تصدر الاعتمادات، يتطلب بنك التجارة في العراق من عملائه -مختلف الوزراء في العراق- إيداع القيمة الكلية لسند الاعتماد. ويظل المبلغ المودع في البنك إلى أن يتم تمرير المعاملة في النهاية. وعليه، فإن جزءاً ضخماً من عوائد العراق النفطية يجب أن يمر من خلال البنك المذكور. لكنه عندما لا يتم استخدام الاعتمادات، فإنه يكون من غير الواضح ما إذا كانت تتم عملية إعادة دفع الأموال السائلة للوزراء. وكانت المجموعة التي تراقب العوائد النفطية العراقية، وهي مجلس المشورة والرصد الدولي، قد تساءلت عما إذا كانت هناك عمليات محاسبة مناسبة عن كل الأموال التي كان الوزراء العراقيون قد أودعوها لدى بنك التجارة في العراق، مشيرة إلى وجود “تنسيق ضعيف”، وغياب “التسويات المناسبة”.من جهته، يقول بنك التجارة في العراق إن سجلاته مضبوطة، وأنه لو كانت هناك إخفاقات في الماضي لكانت قد قومت وصححت. وقال ناطق بلسان البنك إنه لا صلة لعلاقات عائلة الأزري، مضيفاً “ان عمليات المراجعة المحاسبية كانت في الماضي مستحيلة بسبب الحالة الأمنية التي كانت تحول دون القيام بإجراءات دقيقة في بعض وقائع المراجعة، كما أوضح تقريرنا السنوي الأخير”، ويقول زيد مهدي، من بنك التجارة في العراق “لكن مع عودة الحياة الطبيعية، فإن إجراءاتنا ستواكب باطراد أفضل المعايير الدولية”.
وبمراجعة التقرير السنوي لبنك التجارة في العراق، فإن من الصعب أن لا يتأثر المرء بلوائح النمو الفلكية للبنك: 2300 % زيادة في الأصول من العام 2004 إلى 2008، أي من 414 مليون دولار إلى 10 بلايين دولار، أو 23000 % زيادة في الودائع في السنوات المذكورة ذاتها. وبالرغم من أن ذلك مدعاة للابتهاج، فإن المدققين في “إيرنست ويونغ” استشهدوا بـ”نقاط ضعف” في عمليات الضبط الداخلية، ومئات الملايين من الدولارات في حسابات مسواة في البنك -أساساً بسبب الفشل في موازنة السجلات. وثمة شيء آخر يميز بنك التجارة في العراق عن غيره من البنوك في العراق، هو قيامه باستئجار شركة ضغط أميركية قوية، هي “باتون بوغز”، ومنذ العام 2008، دفع البنك الذي يديره الازري أكثر من ربع مليون دولار لباتون بوغز. ويقول آرام روستون ان المؤسسة الأميركية المذكورة لم تشأ أن تشرح بالتفصيل ما الذي تقوم به لصالح بنك التجارة في العراق، باستثناء وضع الأمور جاهزة أمام مجلس الشيوخ الأميركي، وهي “مواضيع تتعلق بدور بنك التجارة في العراق في تأسيس نظام مالي مستقر في البلد، وضمان انسياب الرساميل”.
وبحسب روستون فان الأزري ، ليس لديه أية خبرة في الأعمال المصرفية للدرجة التي تؤهله شغل هذا المنصب .. كل ماكان لديه من خبرة ، هو العمل الفني في مجال مكائن النقد. ويقول روستون انه في اليوم التالي ، لتولي الجلبي منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة اياد علاوي، قام البنك المذكور بتوقيع إتفاق عقد تجاري مع شركة أخرى مملوكة لآل الجلبي تم تأسيسها آنذاك ، ومجال نشاطها هو تكنولوجيا البطاقات الإئتمانية وحق إستخدامها في المصارف العراقية. في غضون ذلك، افتتح بنك البلاد الإسلامي في العام 2006، وليس من جانب أحد سوى والد حسين الأزري الذي يدعى عصام الأزري. وتقول المصادر إن الجلبي يتمتع بنفوذ في هذا البنك أيضاً، وعلى الأقل، فإن قريباً آخر له منخرط فيه. وينقل روستون عن مصرفي أميركي قوله : إن “بنك البلاد هو بكل مظاهره بنك للجلبي. وقد تم إنشاؤه لأنهم توصلوا إلى أن أحداً ما سيشتكي في نهاية المطاف مما كان يجري في بنك التجارة في العراق”.في الأثناء، يبدو أن الأزريين، الابن والأب، المرتبطين بأحمد الجلبي حافظا على علاقتهما أثناء مكوثهما في القطاع البنكي. وقد جرى الاحتفاء بالصلات بين البنكين من جانب مجلة تجارية، والتي منحت بنك البلاد الإسلامي جائزة “صفقة العام” في العام 2008، نظير تحالفه مع بنك التجارة في العراق. ومن جهته، منح بنك التجارة في العراق المملوك للدولة، والذي يديره حسين الأزري، لبنك البلاد الإسلامي الذي يديره والد الأزري، صفقة إعادة إصدار سند ائتمان بقيمة 100 مليون دولار للحكومة العراقية. ويقول الناطق بلسان بنك التجارة زيد مهدي في العراق إن بنك البلاد لم يحظ بمعاملة خاصة. وكان رئيس الوزراء أمر الخميس 2/ حزيران باجراء تحقيق قضائي بشان بنك التجارة العراقي المملوك للدولة للاشتباه بارتكابه “مخالفات”،
واوضح بيان لمكتب المالكي فان:” معلومات كانت قد أشرت وجود مخالفات في بعض المعاملات، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء إلى تشكيل لجنة من وزارة المالية وديوان الرقابة المالية والبنك المركزي وهيأة النزاهة ومركز الشفافية وخبراء من المصارف، والتي أكدت في تقريرها ما توارد من تقارير لمكتب رئيس الوزراء عن هذه المخالفات التي خضعت للمراقبة والمتابعة لفترة طويلة حتى يكون تقرير اللجنة مبنيا على معلومات حقيقية وتشخيصات موضوعية وعلمية “.وأدان السير كلود هانكس – وهو مستشار بريطاني لمجلس ادارة البنك- الخطوة التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي قائلا انها “خداع سياسي” وقال ان البنك قاوم مساعي من اعضاء بالحكومة لمحاولة دفعه للقيام “بمعاملات مصرفية غير سليمة”.