تتطابق آراء سياسيين مع كتّاب واعلاميين وناشطين سياسيين ومدنيين، في ان الفساد لايزال ضرب بأطنابه المجتمع العراقي، ليتحول الى ظاهرة اجتماعية، تحقق لذاتها أسباب البقاء الطويل الأمد اذا لم يتم اجتثاثها، ومحاربة الفاسدين على مستوى النخب والمجتمع.
ففي خبر لفت اليه انتباه وسائل الاعلام، وافراد المجتمع العراقي، فان قيمة إنشاء الموقع الالكتروني لمجلس النواب، بلغت مليون دولار امريكي، ما يضع هذه “الصرفّيات” في دائرة الشكوك، من صفقات فساد مالي، فيما قال خبير في تصميم المواقع الالكترونية وتكاليفها انه “مهما كانت مميزات الموقع، ووظائفه وتقنياته، فان صرف مبلغ مليون دولار على يثير الاستغراب ويدعو الى الفضول في معرفة منافذ صرف هذا المبلغ الكبير”.
وكشف رئيس “كتلة الصادقون” النيابية حسن سالم، الاثنين الماضي، أن قيمة إنشاء الموقع الالكتروني لمجلس النواب، بلغت مليون دولار امريكي، وفيما بيّن ان نظام البث الـSNG التابعة للمجلس بلغت قيمته مليارا و700 مليون دينار”، ووصف هذا الرقم بـ”المخيف”، لتتصاعد المطالبات بفتح تحقيق في هذا الملف الضار بالاقتصاد العراقي و متابعته وكشف الفاسدين وتقديمهم الى هيئة النزاهة والحكومة والجهات المختصة “.
واعتبر الباحث والإعلامي صباح محسن كاظم ان “ما يرد من أخبار عن مصروفات وتبديد وهدر بالأموال من قبل النواب لهو محض اعتداء على حقوق شعبنا ونحن بمحنتنا وحشدنا، فيما جيشنا يواجهوا اعتى قوة تكفيرية في المعمورة، ل ايدل إلا على استهانة نواب بما يجري لشعبنا ووطننا المستباح من الإرهاب”.
وأضاف “أعتقد جازما إنه إرهاب آخر بهدر الأموال بهذا الشكل، فكلفة الموقع الهائلة مؤشر على فساد خطير”.
وفي حين ينتظر العراقيون من مجلس النواب الرقابة على اداء السلطة التنفيذية، ينفذ الفساد والشبهات في أدائه ما يفقد ثقة العراقيين في هذه المؤسسة التشريعية.
وأضاف سالم أن “ملفين يخصان مجلس النواب، الاول بخصوص نظام البث SNG حيث ان قيمة عقد البث هي مليار و700 مليون دينار في وقت ان جهاز البث في مجلس الوزراء من نوع فلاي هو بقيمة 12 مليون دينار فقط كما ان سيارة البث لا يتجاوز سعرها الـ 200 مليون دينار”.
وأكد أن “الملف الثاني يتعلق بالموقع الالكتروني للمجلس حيث ان قيمة انشاء الموقع بلغت مليون دولار”، مبيناً أن “هذا الرقم مخيف ومهول ولايمكن التصديق به لان انشاء اي موقع لا يحتاج لمثل هكذا ارقام كبيرة”.
الى ذلك فان سالم افاد أيضا، بان مبلغ ترميم قاعة في مجلس النواب العراقي الكائن في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد كلف تسعة مليارات دينار(نحو 7 ملايين دولار).
وذكر النائب سالم، في تصريح صحفي ان “هناك ملف فساد آخر سنفتحه خلال أيام وهو ترميم قاعة في البرلمان كلف تسعة مليارات”، مشيرا الى ان “عملية الترميم تحوم حولها شبهات فساد وسنتحقق منها”.
وسخر الكاتب محمد علي محي الدين، من صرف مثل هكذا مبالغ من قبل مجلس النواب، قائلا ان “المجلس يستحق موقعا الكترونيا بقيمة بمليار دولار حتى تكون الصفقة دسمة تستحق العناء”.
وكانت منظمة الشفافية العالمية العراق قد صنفت العراق كثالث أكثر دولة فساداً في العالم بعد الصومال والسودان، إلا أن الحكومة العراقية غالباً ما تنتقد تقارير المنظمة بشأن الفساد وتعتبرها غير دقيقة وتستند إلى معلومات تصلها عن طريق شركات محلية وأجنبية أخفقت في تنفيذ مشاريع خدمية في العراق.
وقال الإعلامي والكاتب صفاء عبد الهادي اننا “اعتدنا على سماع ان الجهة الرقابية الفلانية كشفت عن قضية فساد في وزارة او مؤسسة ما، تورط فيها وزير او موظف كبير، لكن ان يصل الامر الى مجلس النواب –ان صح الاتهام – فان الامر يكون بحاجة الى وقفة ويجب ان يكون الحساب مضاعفا، كون هذه المؤسسة من المفترض انها السلطة الرقابية الاولى وفق الدستور والنظام السياسي القائم”.
وزاد في القول “من الجانب الاخر، فأن مثل هذا الامر يعد مؤشرا خطيرا لمدى انتشار الفساد وتحوله الى ظاهرة يصعب التعامل معها على المدى المنظور، ويشكل تحديا كبيرا امام عملية البناء والاعمار لبلد يراد له ان ينهض من كبوته بعد عقود من الدمار والاهمال طال بناه التحتية”.
وفي نفس السياق، تحدث الكاتب والناشط السياسي مكي السلطاني عن ان ” كل دول العالم وحتى التي ينتشر فيها الفساد، توجد أجهزة رقابية تحد نوعا ما من عمليات نشر الفساد إضافة إلى أنها رادع للمفسدين والسراق، ولكن الذي نشاهده ونلمسه في هذا البلد هو بقاءه في دائرة سرقة المال العام من دون رقيب أو حسيب كافيين”.