لم يتبق لي في العراق ما يمكن ان يثنيني عن الهجرة الى المانيا هذه الدولة التي لطالما كنت اكرهها كلما تذكرت الضرب المبرح الذي تعرضت له بسببها من اخي رحمه الله الذي يكبرني بسنة واحدة عندما دخل غرفته ليرى صورة المنتخب الالماني الذي كان يفضله ممزقة وقد بعثرتها قصاصات عنادا صبيانيا كنت ألجئ اليه كلما انتابتني الغيرة من اخي وهو يحاط بعناية خاصة من والدي رحمه الله لانه ولد وانا بنت .
سافرت برفقة والدتي التي بقيت لي من عائلتي بعد ان فجعنا بهجوم ارهابي راح ضحيته والدي واخواني الاثنين – تركنا بعقوبة وذهبنا الى كربلاء هاربين حيث بيتنا الذي يأوينا ايام زياراتنا الى الامام ابي عبد الله الحسين واخيه ابي الفضل العباس عليهما السلام لكن سوء طالعنا حول كربلاء الى جبهة قتال في الاسبوع الاول من وصولنا الذي صادف الاحداث الشعبانية عام 2007 فأضطررنا الى الهرب الى بغداد ومنها الى اربيل حيث كان المكان المناسب لعلاجات والدتي التي تعاني السرطان .
وبعد سنتين من الاقامة في اربيل وفي احدى الليالي التي دخلت فيها المستشفى كمرافقة لوالدتي جمعتني الصدفة بسيدة عراقية تعيش في هولندا طرحت علينا فكرت الهجرة الى اوربا عندما سمعت معاناتنا والمصائب التي وقعت علينا – في البداية رفضت والدتي الفكرة مبررة رفضها بالخوف عليً فيما لو ذكرها الله هناك فقالت لها السيدة العراقية انك واهمة فالامان والاطمئنان هناك وليس هنا وبعد الاقناع وافقت والدتي على الهجرة الى اوربا بعد ان بعنا بيتنا الذي في كربلاء فرافقنا السيدة العراقية الى تركيا ومنها الى المانيا مقابل مبلغ 15 الف دولار حيث نزلنا في مطار مدينة كولن الالمانية وبكل هدوء واحترام قادتنا الشرطة الى دائرة تعنى بشؤون المهاجرين وبعد أسبوعين تم تنسيبنا الى مجمع سكني معد للمهاجرين يسمى ( هايم ).
لم أتأقلم سريعا للحياة في المانيا خاصة ونحن لا زلنا من دون اقامة لكن ليس لي معاناة سوى مرض والدتي الذي يتطلب منا النوم في المستشفى لأسبوعين او اكثر في كل شهر .
تعرفنا على عائلة عربية من لبنان لايمكن لي بهذه العجالة ان اتحدث واصف الاخلاق والغيرة والشهامة التي اتصف بها الزوج والزوجة الحنون التي عاملتني بكل رقة وحنان الامهات وصاروا يهتمون باحتياجاتنا ويرافقونا الى كل مشوار يستدعي حضورهم للترجمة اضافة الى حضورهم المتواصل في كل مراجعاتنا الى الدكتور والمستشفى .
قبل شهر سافرت العائلة اللبنانية الى بيروت حيث انهم يقضون ستة اشهر في لبنان وثلاثة اشهر في المانيا بالتناوب لانهم يخافون الموت ويرجون ان يصادف موتهم في بلادهم ويدفنوا فيها حيث انهم تجاوزوا العقد السابع من اعمارهم وقبل سفرهم اتصلوا بشاب عراقي لاجل ان يقف على احتياجاتنا لم يقصر في شيء وادى ما عليه بحكم عراقيته وغيرته لكنه وللأسف الشديد سافر الى مقاطعة اخرى اجراءاتها اسهل في منح الجنسية الالمانية كما قال لنا ولما سافر اوصى بنا العراقيين القائمين على ادارة حسينية عابس الشاكري في مدينة كولن واعطاهم العنوان لاجل ان يقوموا بالواجب وفي اليوم الاول جاء لي شخص يدعى محمد من متولي الادارة في الحسينية وبعد سؤاله عنا واحتياجاتنا اخبرني بأنه ( في الخدمة ) لاي مساعدة وبعد يوم واحد اتصل شخص آخر يدعى ابو جمانه وايضا عرض خدماته وشكرته على اتصاله وفي اليوم الثالث فوجئت بمجيء محمد الى ( الهايم ) وايضا عرض خدماته وقدم تفصيل عن حياته ومعاناته مع العزوبيه التي ادعاها وفي نفس الليلة اضطررت الى نقل والدتي الى المستشفى وفي ظهيرة اليوم التالي جاء ( محمد …. ) الى المستشفى وبقي معي في كافتريا المستشفى وتكلم بكلام يضايق اي فتاة تحترم نفسها وتصون شرفها فطردته وحذرته من الاتصال والاقتراب مرة ثانية لكن سوء طالعي اجبرني على الاتصال ( بأبو جمانه ) بعد يومين لكي يحضر موعدنا بالدائرة الاجتماعية ( السوسيال ) ليقوم بالترجمة لعلنا نقنعهم على الموافقة بتأجير شقة خاصة بنا بعيدا عن (الهايم ) لظروف والدتي الصحية وبعد انتهاء اللقاء بـ ( السوسيال ) خرجنا وبمجرد ان انفرد بيً ( …..) عرض عليً زواج المتعة فألحقته بصاحبه محمد لكن ببصقة في منتصف الوجه .
لست متفاجئة بهذه التصرفات فالتي رأت ذبح والدها واخوانها امام عينيها تهون عليها مواجهة هذه التصرفات البعيدة عن الاخلاق والمفتقرة لذرة من الغيرة والشرف لكن الذي تألمت له كثيرا هي الاخلاق العراقية الآخذة بالاضمحلال اخلاق ابائنا ( والحرمة بداعت الخيٍر ) التي ذهبت مع الماضين.
اختم كلامي بتوجيه شكري الجزيل الى عراقيي المهجر الذين التقيت نموذجهم المتدين والقائم على حسينية عابس في مدينة كولن الالمانية .
هدى عبد الحسين المدنى – كولن / المانيا