فاروق قدومي وشهادة للتاريخ:العرب تآمروا على العراق والرئيس مبارك لعب دورا تحريضيا في القمة

 

اندلعت حرب الخليج الثانية بعد دخول الجيش العراقي إلى الكويت وبضوء أخضر من سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية ببغداد، والتي اختفت آثارها أثناء وبعد الحرب، دُمّرت قوة الجيش العراقي بعد تكالب قوى الغرب وفي مقدمتها أمريكا، وقوى عربية ساهمت في تحطيم  القدرات العراقية، انهار الاتحاد السوفيتي إثر تسلم غورباتشوف سدة الحكم وانحيازه الكامل للغرب وللصهيونية حيث سمح بالهجرة اليهودية إثر ضغوط أمريكية وحملات دعائية منظمة من الاتحاد السوفيتي إلى كيان العدو الذي خلق مشكلة كبيرة، لذا فإن المرحلة التي نجتازها هي من أخطر المراحل، بعد أن فقدنا دعم ومناصرة الاتحاد السوفيتي ووقوفه إلى جانبنا حيث كان يعتبر الصديق الوفي لقضيتنا الفلسطينية.

أصبحت الولايات المتحدة تتحكم في هذا العالم وأخذت تفرض سياستها وغطرستها على دول المنطقة العربية، فمن خلال دول خليجية تابعة دفعت بالرئيس صدام حسين لخوض حرب ضروس على إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية وسقوط نظام الشاه والتي أصبحت تهدّد المصالح الأمريكية والغربية وكيان العدو، حرب قاسية وظالمة استمرت ثمان سنوات كلّفت العراق أكثر من مليون قتيل وجريح، دمّرت اقتصاده وبنيته التحتية وقدراته العسكرية، وأصبحت الديون تثقل كاهله، شطبت السعودية ديونها، ورفضت الكويت شطبها بل توغلت أثناء انشغاله بالحرب مع إيران في داخل الأراضي العراقية لمسافة 40 ميلا واحتلت بعض آبار بتروله ونهبتها، وعندما بدأ العراق يطالب بحقوقه وبالتزام الأطراف الأخرى فيما اتفق عليه وقع المحظور ونُفّذَ المخطط للقضاء على القوة العراقية الباقية التي كانت تشكل تهديداً لإسرائيل، وتهديداً للدول الغربية فيما يتعلق بمصادر الطاقة (البترول).

خلال انعقاد مؤتمر القمة العربية في بغداد في شهر أيار 1995 وجهت الولايات المتحدة رسالة إنذار ووعيد إلى المؤتمر، وبعد انتهاء مؤتمر القمة قال صدام حسين: “نحن مدينون بـ46 مليار دولار ولم يبقَ على الجلد شيء ونحن الآن نواجه حرب اقتصادية بعد أن انتهينا من الحرب العسكرية، والكويت لم يلتزم بتعهداته، بل أعاد علاقاته الطبيعية مع إيران”.

وفي رسالة موجهة من وزير خارجية الكويت إلى الملك فهد قال فيها: “السعوديون يريدون المنطقة المحايدة، والعراقيون يريدون أراضينا، وقد أخبرنا أصدقاءنا في لندن ومصر بذلك”، ومع هذا دعا الملك فهد العراق والكويت لعقد مؤتمر في السعودية لإنهاء خلافاتهما، وذهب سعد العبد الله، وبعد ساعات خرج عزّت إبراهيم وسأله الأمير سعود الفيصل ماذا حدث؟ فقال لم نتفق على شيء.

كنتُ أرأس الجامعة العربية عندما قال الشاذلي القليبي أمين عام الجامعة العربية “العراق دخل الكويت”، اجتمع الخليجيون ومصر ثم دخلوا إلى قاعة الاجتماعات قلت: “أن الحرب بيننا وبين الأردن راح ضحيتها عشرة آلاف قتيل وجريح ولم نذهب إلى مجلس الأمن، ونحن وسوريا ولم يذهب أحد منا إلى مجلس الأمن، مع الأردن دعانا المغفور له جمال عبد الناصر وأنهى الخلاف، ومع سوريا دعانا الرئيس السادات، هذا يعني أن أي قرار ضدّ العراق هو مؤامرة وأي عمل من ذلك يعني تدخل أجنبي، وهذه مؤامرة أيضاً وإننا سنتحفظ”.

أدانت مصر (عهد حسني مبارك) العراق وتبعها 11 دولة عربية أخرى ورفض مبارك تشكيل لجنة المساعي الحميدة رغم موافقة الملك فهد، وقال: “إذن 12 دولة مع الإدانة”، وقد أنهى الاجتماع وخرج.

وهنا لا بدّ وللتاريخ أن نذكر أن مبارك قال للقذافي الذي رفض مبارحة مقعده، لقد انتهى كل شيء وانفّض الاجتماع بعد ان اتخذنا القرار، فقال القذافي: “القرار الذي اتخذته أمريكا، فحينما دخل العراق الكويت دخل إلى إمبراطورية البترول، سألنا الغرب وقلنا لهم نحن مع الحل العربي، والولايات المتحدة كانت تدفع إلى العدوان على العراق وكذلك عرب أمريكا، العراق كان محاصراً من الجميع إضافة إلى 31 دولة والأيام ستكشف أسرار التآمر ولا بدّ أن ينال المتواطئ والمتآمر جزاءه”.

تعرّض الفلسطينيون في الكويت لأبشع ألوان المعاناة والاضطهاد- رغم مؤازرتهم لشعب الكويت وحمايتهم له- والطرد التعسفي ولم يجدوا سوى سوريا والأردن واليونان ومصر تستضيفهم، نحن العرب الفلسطينيون بنينا الخليج بدماءنا وعرقنا ولا يمكن أن تصفى القلوب في فترة قصيرة.

لا يوجد من أخافه أو ما أخشاه فأنا أعرف خبايا بعض الأنظمة العربية فهم من كانوا وراء حرب الخليج “الحرب العراقية- الإيرانية”، حيث كان بمقدور العراق أن يحل مشاكله مع إيران وكان هذا لصالحنا، وقد لعب غورباتشوف دوراً تآمرياً.

فنحن أبناء الثورة والمقاومة الفلسطينية نقاتل في جبهات ثلاث: الجبهة الداخلية والعربية والدولية، وثورتنا مستمرة رغم التحديات، رغم كل هذه التداعيات والمواقف القاسية والأحقاد من لدن البعض، إننا نعمل على خلق العوامل المساعدة للتضامن العربي ونبذل كل مساعينا ليعود البيت العربي (الجامعة العربية) إلى طبيعته ولتبقى القضية الفلسطينية القضية المركزية.

 

رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية

Facebook
Twitter