1
تحاول لغة صلاح حسن بانتهاكها للأعراف البلاغية ومنظوماتها في { التناقض المنسق للغة والكلام } التعارض دائماً مع اللغة المعيارية { لغة النثر } من أجل خلق شعر ينأى عن الشعرية القديمة والراهنة . ولا يعني التوازي عنده ، التشابه في فاعلية الكتابة . لا نستطيع أن نضع التوازيات عند صلاح ونصنفها ضمن أنساق ومتواليات معينة ، ولا تتحدد الخصائص الأسلوبية في نصوصه عبر التقنيات والقوانين والتعادلات التي تختزل ثيمات وشفرات النصوص في لحظاتها المتوترة دائماً عبر الدلالات واشاراتها التقليدية ، ذلك لأنه يسعى دائماً الى زحزحة قوانين اللغة من أجل استخدامات أكثر حرية وتجريبية في خلق نصوصه . واذا كانت الوظيفة الأولى للشعر عند ياكوبسون هي : { اسقاط مبدأ التماثل الخاص بمحور الاختيار على التأليف } فأنها عند صلاح مع تعسفنا في تأطيرها ضمن اطار معين عنده . لا تهتم بالإرث الشعري وفي ما أنجز من قبل ، وترسخت أنماطه وأساليبه وأنساقه ، بل تسعى بدأب الى ازاحة هذا الإرث ومحاولة خلق نص مغاير يسعى الى أن يؤسس له شعرية مغايرة لما هو سائد في الشعرية العربية الآن .
2
لا يلغي صلاح الوظيفة الاشارية للغة ، بل يضخمها من أجل إيصال اللحظة الشعرية في النص الى الذروة ، وهنا ينبغي القول أن اللغة عنده ليست لغة اشارية فقط وانما هي { لغة شعرية عالية } .
3
ما الذي يمكن أن يقدمه لنا نص صلاح ونحن نعيش الآن في عصر تهيمن عليه التقنية بشكل كبير ؟ ليس بوسعه سوى الامساك بجوهر وسر الفعل الشعري الأصلي وإيصال الكينونة ولحظتها المتوترة الى العلو دائماً ، عبر المخيلة وإزاحة الدلالات والشفرات والأنساق المتوارثة حتى يتسع المجال للتأويلات والتفسيرات المتعددة داخل النص . الميزة الرئيسية لنصوص صلاح وهي تتحدث عن ماضي حياته وانكساراته وتجليات لحظات سروره وتوتراته وأشياء أخرى ومن ضمنها مناخات وذكريات الحروب التي تهيمن على مزاجه وتفكيره في الكثير من النصوص ، ويعالجها عبر التداعيات النفسية والمونولوج بمهارة عالية . هذه الميزة تكمن أهميتها في انها تقدم لنا النصوص في احتدامها وتضادها في لغة حرّة وقوية ، لا تتكئ على لغة الوقائع واليوميات والسيرة ، وهي في مسعاها الأصيل لكشف حضور الأشياء في العالم ، فأن اشاراتها وشفراتها ودلالاتها . لا تتوارى خلف الأنماط والأنساق البلاغية الموروثة وانما تحاول دائماً ازاحتها بقوة من أجل تثويرها واعادة استخدامها من جديد .
4
لا يمكنني هنا في هذه المقدمة الموجزة ، اعطاء فكرة محددة عن كل عمل صلاح حسن الشعري المستمر باخلاص وحنو منذ سنوات طويلة ، وهو عمل بالغ التعقيد وشديد الكثافة عبر تنوع أساليبه ومناخاته التي تستوحي الكثير من الدراما التي درسها صلاح في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد ، ومن التاريخ وقراءاته الأخرى ، ومن تقلبات ومتاهات حياته في الحب والموت والنفي والأحلام . في عالم تدمر حروبه ومفاهيمه وتقنياته حياة الانسان المعاصر في كل آنٍ