موت صعلوك يعني فقدان نبلةٍ من كنانةِ قوس التمرّد ، وموت صعلوك يعني احتلال مكانه من قبل غشاش ، وموت صعلوك يعني ان الظلم مازال يسود في وطنه ، وموت صعلوك يعني انطفاء ضوء كان يقاوم الظلام ، وموت صعلوك يعني ضياع بوصلة في زحام المدينة ، وموت صعلوك يعني وحشة في حانة منسية وحديقة مهملة وقبو رطب وفندق رخيص ، وموت صعلوك يعني ذلك الرصيف أمسى بلا حارس ، وموت صعلوك يعني ظهور شرخ في مرآة الحياة .. هكذا خطرت الأفكار برأسي هذا الصباح عندما قرأت نبأ رحيل صديقنا الصعلوك حسين السلطاني الذي كان من اكثر الشعراء إناقة في سنوات الثمانينيات ، حتى مجموعته الشعرية الأولى التي اصدرها من حسابه الخاص برغم الحصار الخانق كانت جذابة واحتلت غلافها صورته وهو يـتأمل أفقاً بعيداً وكان عنوانها “مثل مهر أو أيل نافر” ان لم تخذلني الذاكرة ، لم اصدق هيأته المشرّدة عندما جلس الى جواري في نادي الأدباء عند زيارتي الأخيرة للبلاد ، كان ثملاً ليس من الخمرة فحسب انما من وجعٍ عظيم يلوب في كيانه المدمر ، خلتُ للوهلة الأولى ان السلطاني يفتعل الألم والتشرد والهذيان ، ولكن مع مرور الوقت على جلستنا بدأت تتكشف رويدا رويدا أوجاعة الصادقة التي كانت تسيل مع دمعه المنكسر على قميصي الأسود ، لم اشأ اسأله عن سر هذا التحول الدراماتيكي في حياته ، فلقد خمّنتُ ان ثمت عارضٍ انساني لا يرحم اخترق حياته السلطانية واحالها من رونقها الذي عهدته الى هشيم مهين ، في ذلك اللقاء كان يشرب خمرته الحادة تحت وطأة فوبيا لعينة تحاصره ، كان يشكو من قسوة ادارة نادي الأتحاد ومنعه من شرب الكحول بسبب المشاكل العويصة التي يخلفها في كل جلسة ، مثل مفزوع يدلق الكأس الى جوفه متلفتاً بهلع يميناً ويساراً ، ولما حذرته من المبالغة في خوفه غير المبرر ، لاذ بصمت مريب بينما سال الدمع على وجهه ثقيلاً مثل خمرة معتقة ، وفي لحظة طلب مني الموافقة ان يكون هو من يجري اللقاء معي في قناة الحرية المزمع اقامته يوم غد ، رحبت بالفكرة واقترحت عليه شراء ملابس جديدة اتكفل بدفع ثمنها ، رفع رأسه وتأملني بعينين مهزومتين وهمس بلوعة : طيبتك تربكني يانوّاب ..
وبكفٍّ مرتجفة وضع كأسه امامي حتى اصب فيها الشراب ، عندما ذهبت الى قناة الحرية لم اجد السلطاني ولم يكن له اي اثر ، حينها ادركت ان الصعلكة قد نالت من بهائه السلطاني بقسوة ، قبل تسعة ايام طلب صداقتي على فيس بوك ، وافقت فورا وأرسل لي رسالة قصيرة على بريدي كتب فيها :
– نوابنا الجميل .. كم انا مشتاق لك ايها العزيز
– حبيبي حسين .. اما زلت مدمناً على الألم ؟
– حبيبي حسن .. نعم الألم والخسارات والشعور الشاهق بالمرارة .
وها انت ايها السلطاني بعد ان يئست من شعرك ، تشبثت بصعلكة كانت غريبة عنك حتى اغوتك واصبحت جزءا منها ، خذلك الشعر وخذلتك الصعلكة ، وكلماتك التي تركتها على الأرض لم يبق منها سوى مشهد فجيعة اخير لجسدك المسحوق وهو يخطو متعثرا الى التراب .. لا ترتبك فهناك كزار وجان وعقيل وعبد اللطيف الراشد وهادي السيد وعدنان العيسى وصباح العزاوي وحامد الموسوي وسواهم من الصعاليك بأنتظارك عند باب الجنة .. خفّ خطاك نحوهم ايها الصعلوك قبل ان يحلّ الظلام .