كثُرت التساؤلات في الآونة الأخيرة عن مدى متانة المنطلقات والقدرات التي مكنت تنظيم داعش من اجتياح مناطق واسعة شمال العراق.
وتكمن تلك التساؤلات من واقع أن مناطق مثل محافظة نينوى وبالتحديد مركزها الموصل او مدينة تكريت، تأخذ حيزاً جغرافياً كبيراً، وهي في حاجة بالمعنى العسكري البحت إلى عدد لا يستهان به من المسلحين القادرين على تغطية هذه المساحات وتأمينها، إلا إذا تم توفير “بيئة حاضنة” وغطاء سياسي وأمني كبيرين، بالإضافة إلى دعم عدد من الجماعات السياسية التي تحتل مكانة ضمن هذه البيئات، ومنها “جناح عزة الدوري” وأتباع الطريقة النقشبندية، وهي الجماعة التي تنسب إلى الدوري قيادتها.
وثمة حديث عن أن الدوري قام بدور مهم خلال الأحداث الأخيرة، لجهة دعم “داعش”، حتى إطلاق حملة أمنية على هذا التنظيم المتشدد لتفكيكه.
وشكل الدوري، أحد أكبر كوابيس الحكومات العراقية المتعاقبة منذ نيسان من العام 2003، فـ”الرجل الغامض”، والمتواري عن الأنظار، يبقى في نظر بغداد أحد أبرز المسؤولين عن تردي الأوضاع الأمنية في البلاد، وينسب إليه العديد من الأدوار الأمنية، خصوصاً في المؤسسات الأمنية والعسكرية.
الدوري لا يظهر إلا نادراً، في المناسبات الحزبية، وعبر تسجيلات الفيديو مرتدياً بزة عسكرية، ومحاطاً بعناصر يرتدون زيا زيتي اللون، وهو زي رجال الأمن خلال عهد صدام حسين.
ولد الدوري في بلدة الدور في تكريت في العام 1942، وترعرع في بيئة دينية ذات طابع صوفي، وكان الرجل الثاني في نظام صدام حسين، واختفى بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، لكنه ظهر بعد إعدام صدام، معلناً نفسه زعيماً أوحد لـ”البعث” في العراق.
وفي أواخر العام 2009 أعلن الدوري عن تشكيل “جبهة الجهاد والتحرير”، لقتال الاحتلال الأميركي، ومن ثم أعلن تشكيل كتائب مسلحة تحت اسم “رجال الطريقة النقشبندية”، والتي تنتشر على امتداد كركوك وديالى وتكريت والموصل، بحسب ما يقول مصدر أمني عراقي.
ومن غير المعلوم حتى الآن مكان تواجد الدوري، الذي يحيط نفسه بتدابير أمنية سرية وعالية المستوى.
ويؤكد قيادي في جناح الدوري، طالباً عدم ذكر اسمه، أنه “من المعروف أن الدوري هو أحد رجال الخط الأول في النظام السابق، وترجع له الكثير من القرارات التي كان يتخذها صدام حسين الذي كان يثق به بشكل كبير”.
ويضيف القيادي أن الدوري كان يمثل الخط الديني ضمن “حزب البعث” العلماني، وكان يختلف معه في الكثير من الأمور، كما أن العديد من العراقيين يعتقدون أن الحملة الإيمانية التي أطلقها صدام حسين قبل العام 2003، هي في الحقيقة من طروحات الدوري الذي أصر على تطبيقها..
ويشير القيادي إلى أن “مكان تواجد الدوري يجهله الكثيرون، فهو كثير التنقل ولا يستقر في محافظة معينة أكثر من شهر واحد خوفاً من كشف موقعه”.
وإذ رفض هذا القيادي الحديث عن آخر مكان تواجد فيه الدور، أشار إلى ان “المعلوم أن الدوري كثير التنقل ما بين تكريت والموصل، وتركيا واليمن والسعودية، ويدور الان حديث عن ذهابه إلى احدى المناطق في شمال لبنان بالتنسيق مع أحد السياسيين (الذي رفض ذكر اسمه)، لكني لا أعلم أكثر من ذلك”.
وأعلن الدوري بشكل علني تأييده ما يسمى بموجة “الربيع العربي.
وبعد أحداث العاشر من حزيران، وسقوط مدن عراقية عدّة بيد “داعش”، أشاد الدوري بهذا التنظيم، ودعاه إلى تجاوز الخلافات ومواصلة عملية “التحرير”.
وقال الدوري في التسجيل الذي نسب إليه مؤخراً “تحية إلى جيش الطريقة النقشبندية، ومقاتلي الجيش الوطني الباسل، ومقاتلي القيادة العليا للجهاد والتحرير، ومقاتلي الجيش الاسلامي، ورجال كتائب ثورة العشرين الأبطال، ومقاتلي جيش المجاهدين وبعض مجاميع أنصار السنة، وفي طليعة هؤلاء جميعا أبطال وفرسان القاعدة والدولة الإسلامية، فلهم منّي تحية خاصة ملؤها الاعتزاز والتقدير”.
ولكن سرعان ما عاد الدوري للهجوم على تنظيم “داعش”، بعد بروز خلافات بين عناصره وجيش الطريقة النقشبندية في الموصل.
وتردد خلال الأسبوع الجاري، أنه تم ضم جميع الفصائل العسكرية المذكورة التي عددها الدوري في خطابه أعلاه، باستثناء “داعش” و”القاعدة”، في إطار عسكري موحد تحت مسمى “المجلس العسكري لثوار العشائر” من أجل محاربة “داعش” في الموصل.
ويقول ضابط عراقي رفيع المستوى إن “هناك أدلة كثيرة على تورط عزة الدوري في عمليات إرهابية كثيرة في العراق، ومن بينها استهداف مسؤولين، وهو أحد أبرز المطلوبين للسلطات العراقية”، مضيفاً أن “العقبة الوحيدة التي تواجهنا هي تحديد موقعه، فبحسب المعلومات الإستخبارية، فإنّ الدوري كثير التنقل، لكننا سنبقى نتعقبه لحين الانتهاء منه”.
وكان جهاز استخبارات “مكافحة الإرهاب” العراقي، قد تمكن من قتل ابن الدوري، ابراهيم، في محيط مصفاة بيجي وقاعدة سبايكر في محافظة صلاح الدين، بحسب ما أعلنت السلطات الأمنية العراقية.
ويعاني الدوري من سرطان في الدم منذ عدة سنوات، وقد نجا من محاولة اغتيال في حلبجة في محافظة السليمانية في العام 1998، كما نجا من محاولة اعتقال في فيينا في العام 1999، بعدما اتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، عندما كان في زيارة خاصة للعلاج الطبي.