بمناسبة عودة شيوخ العشائر الى الردح اعيد نشر مقالي هذا ثانية.
في المروي التاريخي ان الحجاج بن يوسف الثقفي لما استشعر كثرة هروب الجند من جيوشه التي كانت تخوض حروبا متناسلة في داخل الدولة الاسلامية ضد مناهضي سياساتها العامة وسياسات ولاتها وفي الطليعة منهم الحجاج نفسه ، لم يدخر وسيلة وحيلة ورشوة لم يبذلها لاجل ان يكف جنده عن الهروب وان يلتحقوا بسراياهم وكتائبهم ، لكن كل مبذولاته لم تعد جيشه الى التماسك وظل الهروب داء عصيا ينخره.وآنذاك تفتق ذهنه عن فكرة يستخدم فيها الترهيب والترغيب معا ، فأمر باستدعاء جميع زعماء القبائل وعينهم عرفاء في جيشه بمعاشات ضخمة وامتيازات عالية وعطايا غير مسبوقة ، وألزمهم بإلحاق اي فرد من قبائلهم هرب من جيشه قسرا الى سريته و كتيبته او يتحمل زعيم القبيلة عقوبته وهي الاعدام.
وبالطبع فان الخشية من وقوع سيف الحجاج على اعناقهم كانت الدافع الاول لهرولة زعماء القبائل وراء الهاربين في بطون القبائل ووديان وصحارى سكناها ، وكان الدافع الثاني لقمة الحجاج الادسم.
وبالطبع ايضا ، فان رؤساء القبائل الاصلاء المعتدين بقيم القبيلة العربية الاصيلة والحافظين عهودها لم يذعنوا لوعيد الحجاج وتهديده ولا لرشوته وترغيبه.
وظلت فكرة استخدام زعماء القبائل في تلبية ما عصي عن الحكومات استراتيجية اتبعها ومازال يتبعها الحكام الخائفون على مصائر سلطانهم والمتطلعون الى ذلك السلطان ، وهكذا ومنذ نشوء دولة العراق الحديثة فان استخدام زعماء القبائل ورؤساء العشائر ظل يمنح كفة هذا رجحانا وكفة ذاك خسرانا وليست ببعيدة عنا حكاية ترجيح فيصل ملكا على العراق على سواه من العراقيين الذين كانوا يطمحون بعرش البلد الخارج توا من نظام الخلافة.
كما ليست بعيدة عنا حكايات من اطلقت عليهم تسمية ( شيوخ التسعينات ) كناية لمن حازوا المشيخة والزعامة القبلية ليس طبقا لاعراف القبيلة والعشيرة انما طبقا للمشيئة السياسية الحاكمة.
واذا كان بعض زعماء القبائل وشيوخ العشائر الذين تركوا الاعراف والتقاليد قد استمرأوا الهزج مع كل هازج من الساسة والردح مع كل رادح فان البعض الاهم منهم وهم الاقلية لبثت على قيمها واعرافها واخلاقها وبدل ان تتمسح باعتاب السلطات كانت السلطات تستجدي رضاها وتطمح بقبولها لها وقربها منها.
واليوم ، وقد بدأت رحى قرب الانتخابات تدور وطحينها تلقفته الايدي العجانة صار من المشاهد المؤلمة للنفس العراقية الابية منظر بعض الذين يسمون انفسهم زعماء قبائل او شيوخ عشائر وهم يستخدمون نظرية ( الصلاة مع علي أثوب والطعام مع معاوية أدسم ) فلا يصلون احتجاجا على جوع الفقراء من افراد قبائلهم ولا على عري عراتهم ولا على تشرد مشرديهم ولا على نواح الثكالى وانين الارامل وموت الطفولة على الشفاه التي مازال لبن الامهات يقظا عليها ،ولكنهم يلطعون من كل صحن ويشربون من بقايا كل كأس ، فيفطرون مع اياد علاوي ويشربون قهوة الصباح مع الجعفري ويتغدون مع المالكي ويشربون شاي العصر مع الخزاعي ويتعشون مع النجيفي ويتحلون مع المشهداني وقد يشربون مع اخر ويمزمزون مع ثان ويسكرون مع ثالث، وفي كل ذلك تراهم يهزجون (يعيش البطل يا يعيش ) (يعيش الخيار الاوحد يا يعيش ) ويقسمون باغلظ الايمان عند هذا بان افراد قبائلهم وعشائرهم طرا طوع بنانه من رجل احنى الدهر ظهره الى وليد لفظه رحم امه توا ، ويقسمون بالقسم ذاته عند ذاك وعلى الوعد والعهد ذاته ، وفي النتيجة لا الاول يقبض من رحاهم غير ضجيجها ولا الثاني يقبض غير عجيجها.
اما آن الاوان لاعمدة القبائل وحملة الوية قيمها واخلاقها واعرافها ان يوقفوا هذه المهزلة المخجلة وان يعيدوا للقبيلة والعشيرة قوتها وعزتها ومنعتها وتأثيرها ، ام ان ما أسسه الحجاج سيظل عنوانا دائما لفجائعنا التي تتكاثر كالاميبيا؟