عبد المنعم الأمير يكتب (قصيدة لم تكتب للموت)

عن أكاديمية الشعر في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي، صدر ديوان “وحده كان” للشاعر العراقي عبدالمنعم الأمير. يشار إلى أن الأمير من مواليد الموصل 1970، حاصل على ديبلوم محاسبة، وقد نشر العشرات من القصائد في الصحف والمجلات العراقية والعربية منذ عام 1992. صدرت للشاعر عدة مجاميع شعرية نذكر منها “مساقط نور” و”ابتهالات” و”تعرت فانشطر الليل”.

يعد الأمير أحد أبرز نجوم مسابقة أمير الشعراء في دورته الخامسة، ويعتبر نصه في رأي النقاد “نصا بليغا إلى أبعد مدى”، و”عارم النبرات”، كما قيل عنه أنه “وصل بشعره إلى درجة من الصياغة المحكمة، والقوة الآسرة في التعبير”.

يقع ديوان “وحده كان” في 116 صفحة متضمنا العديد من القصائد متنوعة الأهداف والأغراض، منها ما كان قد شارك بها في مسابقة “أمير الشعراء”، وحقق أصداء طيّبة. وللعناوين في ديوانه صيغة ذات لغة انزياحية جميلة، كما أن مستوى الشعرية ثابت لا يلين، فالشاعر يقبض على لغته بأظفار قلبه، يعجنها، ويكتبها، يخلص لها، ثمّ يربكها، ويعيد ترتيب كلماتها كما يشاء لها أن تتراصف، كتلة شعور غامض على العين، عصيّ على الكشف.

هذا ما يفعله الشاعر عبدالمنعم الأمير في تناوله اللغة، إذ يحشد الصور المرتبكة باللغة العاجزة عن التصوير، فيلوّنها بأساليب بلاغية ومحسّنات لفظية، وإن جاءت من صنعة، فقد عبّرت عن إبداع يحيل الكلمات لتصبح ثلاثيةَ الأبعاد، مضيفا إليها بعدا رابعا هو بعد الدلالة البعيدة القريبة، في لفظة الموت، ومشتقات الفرح التي تنزاح عن معانيها الأصلية ضمن معجمية سحرية للشاعر تصيّرها أقرب إلى مساحة الحداد والحزن.

في ديوان الأمير نجد فرار اللغة من عبث الشاعر بها، إذ تستحيل أجمل وأقدر على حمل فضاءات الكلام واتساع العبارة، ويجعلها أكثر قابلية على الرقص في حلبة البلاغة من حيث جاذبية الصدم وبلاهة الاندهاش، بل يطوّعها للتعبير عمّا يسكن الشاعر من إلهام يتراقص في مخيّلته كماء عذب يترقرق في قارورة عطر، أو ينبعث من نافورة وسط ساحة مدينة لا يفهم لغتها إلا الشعراء.

هي اللغة في حياتها الفاضحة للموت، وإحيائها على يد الشاعر، الذي يجعل من السؤال مفتاحا لكلّ الإجابات، ويصوغ الشعر كلا دافقا بالشك، يحفزك على التساؤل، ويحرّضك على الإجابة عنها. عبدالمنعم يرسم الأسئلة مدخلا إلى النفي، ويبدأ بذاته الشاعرة لينتهي إلى لحظة العدم، وارثا قصيدة لم يكتبها للموت، بل كأنها الوميض في العتمة.

هي لغة تدخل سرداب اللحظات الضيقة، ليتسع المدى بآلاف الطيور العائدة، بأطياف الأحبة الذين ناداهم الموت إليه، فأبقاهم الشاعر قيد يديه، حفنة من غبار الذكريات التي تتشكل كحبات رمل في كثيب ذهبي الملامح، ذي وجه لرجل أرمل، لشاعر من رمل وحنين، له خمسة أصابع صافية من أصدقاء، وأضلاع تتضرع إلى الله في بكائية الموت وجنائزية اللحظة السوداء للقصيدة.

السؤال مفتاح كلّ الإجابات، والشعر كلّ دافق بالشّك، حافز على الأسئلة، محرّض على الإجابة عنها، عبدالمنعم يرسم الأسئلة مدخلا إلى النفي، ويبدأ بذاته الشاعرة لينتهي إلى لحظة العدم، وارثا قصيدة لم يكتبها للموت الشعراء إلا بموتهم، في لحظة انكشاف الموت أمام أعينهم، كأنه الوميض الشهبي في العتمة، أو لحظة ما قبل الكتابة.

                

Facebook
Twitter