الهميم يصف صدام بـ ( أعدل من عمر وبشجاعة علي)
تُفهم “الوسطية” أنها الاعتدال، لكنها لدى د.عبد اللطيف هميّم، رئيس ديوان الوقف السني حاليا، أنها التنقل من أقصى اليمين لأقصى اليسار، أن تكون صداميا، ثم تصرخ باسم “مقاومة الاحتلال”، ونسف “العملية السياسية” بالتابعة “لأذناب إيران”، ثم ان ترضى بمنصب من “الحكومة الصفوية” نفسها!
ولد الهميم عام 1952 في الأنبار، ودرس القرآن طفلاً على يد مشايخ في الأنبار، ثم أكمل دراسته الثانوية والتحق بجامعة بغداد – كلية الآداب.
بعد أن نال البكالوريوس، لم تكن الأجواء الجامعية تلائمه، خصوصاً في فترة انفتاح المجتمع العراقي ومدنيّته في السبعينيات، فلازمَ دروس الفقه، وناقش كتب التفسير والحديث مع “مشايخه”، ثم سافر الى القاهرة لإكمال دراسته في جامعة الأزهر، حيث تخرج منها وحصل على شهادة الماجستير في الشريعة والقانون، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من معهد البحوث للدراسات العربية.
عاد الهميم بعدها الى بغداد، ليحصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد إلاسلامي من جامعة بغداد.
بتلك الفكرة، اقتربَ الهميم من صدام حسين بشكلٍ كبير، وذلك بسبب اندفاع الهميم المستميت في الحرب العراقية – الإيرانية، حيث كان جزءاً من نبرة “ايران المجوسية” و”العراق المسلم”، بالإضافة الى اللمز الطائفي ضد الشيعة في العراق، ونظّم عشرات المؤتمرات برعاية صدام وتولّى عدداً كبيراً من المناصب، وهو أصلاً ذو هواية جمع المناصب!، لأنه “يرضى بالإمارة ولو على حجارة”، على حد تعبير المثل العربي، بالإضافة الى أنه كان، بحسب مصدر مقرب من الإعلام الصدامي آنذاك، “الطفل المدلل بعقال” لدى صدام، حيث تسنّم مناصب مثل “الأمين العام لجماعة علماء ومثقفي العراق، الأمين العام للمؤتمر الإسلامي الشعبي العالمي، مؤسس البنك الإسلامي العراقي ورئيس مجلس الإدارة سابقا، الأمين العام للمؤتمر العام لأهل الانبار، عضو الهيئة الإدارية لرابطة علماء العراق، عضو الهيئة الإدارية لجمعية الآداب الإسلامية، رئيس مؤسسة الانبار للإغاثة، رئيس تحرير صحيفة الرأي وصاحب امتيازها، رئيس تحرير مجلة المفكر الإسلامي وصاحب امتيازها، رئيس مجلس أمناء كلية المعارف الجامعة في العراق، عضو مجلس إدارة المعهد العراقي للسلام وحوار الاديان، عضو مؤسس مؤتمر الوسطية، عضو مؤسس مؤتمر الصحوة الاسلامية، عضو مشارك في مؤتمر التقريب بين المذاهب، عضو الهيئة العالمية للفقه الإسلامي”، وغيرها.
في كل الفترات، كان صدام يُقرّب علماء معينين على حساب اخرين، فكان الهميّم في طليعة “العلماء” المقربين منه، وكانت له صفحة كاملة في صحيفته (الرأي)، وهي تتحدث عن مناقب صدام، وأهميته، وفكره، وفلسفته، وغيرها، حتى انه خاطب صدام بجملة شهيرة “أنتَ أعدلُ من عمر، وبشجاعة الإمام علي”.
وليس هذا فحسب، بل تحتفظ ذاكرة العراقيين باجتماع صدام معه، بحضور عدي وقصي، حيث خاطبه بقوله “أنا مُقلتُ بالبكاء حقيقةً، لكن يشهد الله أن كلامك أثّر عليّ يوم الجمعة، تأثيرا كبيرا جدا بحيث أنني بكيت، لم أتحمل، مو بس انا، أنا وابني ابو بكر، ندعو من الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الساعة ساعة إجابة، وأن يأخذ من أعمارنا الى عمرك والله، ونتمنى من الله وندعو لأن يحفظك للأمة سيدي القائد”.
وليس هذا فحسب، بل كان الهميم واحداً من الموقعين على فتوى خطّ القرآن بدم صدام، ثم صاحب اقتراح خطبة الجمعة حاملاً السيف العربي.
حتى في الأشهر الأخيرة من عمر النظام، كان الهميم واحداً من اصواته العالية المُخيفة، فكيف لا، وهو “القداسة” التي تغطي الديكتاتورية والقتل، وعالم الدين الذي يدعو إلى أن يضيف الله من عمره على عمر الطاغية.
لكن صدام سقط، ونظامه أيضاً، فكان الهميم فارساً لموجة جديدة، وهي “مقاومة الاحتلال”، وتحت هذا المسمى المشروع، لم يُترك شيئا غير مشروع الا وتم فعله، وليس هذا فحسب، بل كان الهميم من الذين قاطعوا ودعوا لمقاطعة الانتخابات التشريعية الاولى، والاستفتاء على الدستور.
ولأنه مطاطي، ووسطيته، كما أسلفنا، هي عكس “الوسطية” التي يعرفها المنطق، فإن الهميم هذه المرّة وجّه وجهه للحكومة العراقية، وبعد مفاوضات، حصل على منصب رئيس ديوان الوقف السني، وظهرت تسريبات ان ترشيحه كان من أطراف سياسية مدعومة من إيران!
ثم كأنه يعتاش على المصائب، وما إن سقطت الموصل والأنبار، وظهر النازحون، حتى كان ممّن استغلوا معاناة الناس، حيث ينشر يومياً على فيسبوك ما لا يقلّ عن 20 صورة، مع النازحين، وهو يمسح دموعهم، أو يطبخ لهم، أو “يأمر” ملاكات الديوان بإعمار المسجد الفلاني أو الجامع الفلاني، بطريقةٍ فجة هي بالتأكيد ضدّ محاربة الرياء التي يؤمن بها الإسلام، والتي لا يؤمن بها “المفكر الإسلامي”.
بكل الأحوال، لا يختلفُ الهميم عن أيّ من الطبقة السياسية التي ظهرت قبل وبعد 2003، تلك التي جعلت من النصوص المقدسة وسيلة للوصول الى مبتغاها، ومن معاناة الناس مادةً لتلميع صورتهم المستقرة في الوحل منذ 3 عقود.