عالم قبيح جدا علي السوداني

رأيتُ في شبيهِ ما يرى النائمُ على وجه قهراً، أربعة يسوّرونَ جثة مرميّة على شاطئ بحرٍ، وسمعتُ كأنني لستُ في رؤيا، عويل أُمٍّ تصيح على إيلان أو عيلان يا طفلي الجميل.

قال الأول، لننزعَ حذاءَهُ ولباسَهُ ونبيع الغنيمة، ونشتري بسعرها الحلال خبزاً وشراباً.

ردَّ ألثاني، بل لنفتحَ فمَهُ الغضَّ فقد نجدَ فيه سنّاً ذهبيةً، فنبيعها فيصيرُ الطعامُ كثيراً والشرابُ وفيراً. زادَ ثالثُهُم بأرى أن نفتحَ صدرَهُ وبطنهُ، ونُخرجَ القلبَ والكبدَ والكليتين، ونذهب بالرزقِ صوب مشفى الأعضاء المستعملة، وأظنّ أنّ الثمنَ سيكونُ مُبهِجاً ولذيذاً.

أمّا رابعهم، فلقد أخرجَ من جيبهِ سكّيناً، وزرَعَها بوجهِ الجثةِ المبتسمة. أما الدرويش الدائخ من ثقل الحلم المصيبة، فلقد فزَّ من نومتهِ القلقة قبل أن يخسر آخر أملٍ برؤية عالمٍ لا ينام على وحشية. صورة عيلان الغريق التي صدمتْ الدنيا، وساهمت في تفزيز الضمير الميت، هي قطعاً لا تشبه صورة طائر البطريق الذي تحامل على نفسه كي ينهض ثانيةً من مطمسة نفطٍ افتراضية صارت تالياً سبباً مضافاً لقتل مئات الآلاف من العراقيين الفقراء، ثمّ تبين أنّ الأمر قد تمتْ صناعته في هوليوود أميركية بعيدة، وبها استعاد العالم ما يسمى بحرب الصور، حيث صورة فظيعة واحدة من مأساة فيتنام مثلاً، كانت حركت ملايين مملينة من شعب أميركا كي توقف مافيات الحكم، حرب الإبادة الجماعية ضدّ فيتنام الثائرة وأهلها.

في حرب الصور والأفلام القصيرة، ستواجهك مشاهد الألمان والدنماركيين والسويديين والنمساويين، وهم يوزعون الطعام والماء والألعاب على أطفال اللاجئين، ليصنعوا داخل مخّك المحتلّ، صور بيبان العرب الأثرياء وهي موصدة بوجه الهاربين من جرائم، بعضها كانت من صنع أهل الدار أنفسهم، وحاصل الحصاد هو تنمية أعداد الناس الغاضبين والشاتمين دينهم وعروبتهم وثقافتهم، في موضة قذرة تنطوي على جزء حقّ مسحولٍ بكليّة باطل. لا تركيز على حقيقة أنّ غزاة الخارج من أميركا وأوروبا باستعمارهم القديم والجديد، هم من يتحمل مسؤولية عظمى في إنتاج مشهد الموت هذا، سواء كان ذلك بغزوهم العسكري والاقتصادي والفكري لبلداننا المنكوبة، أو بحمايتهم ورعايتهم لأتعس أنظمة الحكم عندنا.

نحن الآن أمة مريضة ومفككة ومنقسمة، وعلينا التعامل مع المشهد على أنه دورة تاريخية مظلمة ستمرّ كما مرت بها وغادرتها قبلنا، دولٌ جعلناها اليوم قبلة الخلاص.

Facebook
Twitter